يؤمن الفنان "محمود الخنسة" بصدق الطبيعة، لذلك يسعى في كل ما ينفذه من أعمال فنية إلى نقلها إلى داخل المنازل والحدائق، وهذا ما كوّن له بصمته الخاصة في فني الرسم والنحت.

بدايات

ولد الفنان "محمود الخنسة" في محافظة "درعا" عام 1960، حصل على الشهادة الثانوية لينتقل

لا بد للإنسان أن يجد مصدراً للعيش، ولا مانع إذا كان فنه يحميه في عيشه، شرط ألا يغلب الطابع المادي على العمل الفني، وعندما يتلازم العيش والفن، يصبح الفن خبزنا وقوتنا مع الانتباه دائماً ألا نسمح بهتك حرمة الفن مهما كان الثمن

بعدئذٍ إلى "دمشق" ليتابع دراسته في المعهد الهندسي والتخرج بدرجة ممتاز.

من أعمال الفنان محمود الخنسة

يقول الفنان "الخنسة" لمدوّنة وطن: «في القرن الماضي حيث كانت الحياة أقل تعقيداً وأكثر انفتاحاً بين معظم الدول، انطلق والدي "محمد الخنسة" وقد كان شاباً من جنوب "لبنان" يلتمس العمل في "سورية" أرض الخير والبركة، ولقرب الحدود بين الجنوب والجولان حيث كانت لا تتعدى المسافة الكيلومترات القليلة، استقر في "الجولان" قرية "خسفين" في الجانب السوري، ونجح نجاحاً باهراً، إلا أن يد الغدر الصهيونية احتلت "الجولان" وخرجنا مع من خرج نحو مدينة "درعا" عام 1967 وأقمنا فيها حتى بداية الحرب على سورية 2011».

ويتابع: «بعد تخرجي من المعهد الهندسي فُتح أمامي أفق العمل، حيث عملت في مجال تجارة البناء وكنت ناجحاً ومتميزاً، وهذا ما جعلني مهتماً بدرجة كبيرة بالرسم وبالخط العربي، إذ كنت قد اكتشفت امتلاكي هذه الموهبة منذ أن كنت طفلاً على مقاعد الدراسة، حيث رسمت الكثير من الأشكال على أغلب الكراسات لدي، كذلك كنت آنذاك معتاداً على الاحتفاظ بكل ما أحصل عليه من صور أو خطوط لأحاول رسمها وتقليدها».

مراحل تحويل جرف صخري إلى عمل فني ضخم

الطبيعة هي الملهم

ساهم عمله في مجال البناء والعمارة بإتاحة الفرصة والوقت ليندمج كلياً في مجال الرسم والنحت، وقد أصبح هذا الفن وإتقانه أهم من أي عمل آخر، فقرر الاستمرار في تعلمه وممارسته بحسب قوله، ويضيف: «بعد أن أمضيت فترةً من الزمن في هذا المجال الفني، أصبحت أسعى إلى أن أنقل الطبيعة كما هي إلى داخل المنازل والحدائق، فقمت بتنفيذ الكثير من الأعمال الفنية التي عكست وجسدت مظاهر الطبيعة المختلفة بأشكالها وكائناتها المتنوعة، ذلك لإيماني بأنه لا شيء أصدق من الطبيعة البريئة الخالية من كل تعقيد، والحقيقة أنني قد تعاملت معها طيلة فترة عملي، ومنها اكتسبت الخبرات الحياتية وأنه مهما قمنا بتزيين أنفسنا فلن يمكننا أن نتجاوز الجمال الإلهي الرائع».

سرقة الإبداع

يرى الفنان "الخنسة" أن من أكثر الصعوبات التي يواجهها أي فنان هو أن يُبخس حقه أو أن يساوم على فنه مقابل فتات الحياة، أو أن يُسرق إبداعه وفنه، وعن هذه الأخيرة يقول: «من أهم اللوحات التي لطالما كنت فخوراً بإنجازها هي لوحة الموقع الأثري "ابن وردان"، فقد قمت بنحتها وإخراجها بأسلوب فني رائع ومتقن، وقدمتها حينئذٍ لتعرض في أحد المعارض التي أقامتها مديرية السياحة في محافظة "درعا"، لكن مع كل أسف وبسبب الحرب التي تعرض لها بلدنا، تمت سرقة اللوحة وغيرها من الأعمال وصور الأعمال التي نفذتها في تلك الفترة».

في زمن أرخت آثار الحرب ظلالها على واقعنا المعيشي كان لا بد لكل فرد من إيجاد مصدر مساعد للعيش، فهل يحق للفنان الاستفادة من فنه في تحسين واقعه المعيشي؟ في الإجابة يختم "الخنسة" حديثه بالقول: «لا بد للإنسان أن يجد مصدراً للعيش، ولا مانع إذا كان فنه يحميه في عيشه، شرط ألا يغلب الطابع المادي على العمل الفني، وعندما يتلازم العيش والفن، يصبح الفن خبزنا وقوتنا مع الانتباه دائماً ألا نسمح بهتك حرمة الفن مهما كان الثمن».

بصمة فنية ومزايا شخصية

بالهدوء والاحترام والالتزام يفرض الفنان "الخنسة" احترامه على كل من عرفه أو تعامل معه خلال تنفيذه لما يُطلب منه من أعمال فنية، بحسب ما قاله "حسان أسعد" من أهالي ريف "طرطوس"، وقد نفذ له "الخنسة" تحفة فنية فريدة من نوعها في أرض زراعية كانت عبارة عن منطقة صخرية تسبب الانجرافات فيها أضراراً كبيرة، ويضيف: «يتميز "محمود الخنسة" بأنّه إنسان خلوق ومتواضع وبقدرته على التعامل مع مختلف الشرائح والفئات العمرية، حتى مع أصحاب المزاج المتقلب والأذواق الصعبة، هذا من الجانب الإنساني، أما من الناحية العملية فيتميز بقدرته على تطويع الطبيعة وجعلها مرنةً بين يديه، فبعد أن رأى الموقع الصخري الذي يقع ضمن أرض أمتلكها ومعاينة الوضع لعدة دقائق قرر تحويل الصخور إلى لوحة فنية بلغ طولها 13 متراً وارتفاع يزيد عن على أمتار، ثم قرر إضافة شلال أعطى اللوحة الصخرية ذات الصواعد والنوازل والأدراج المنحوتة بيده مزيداً من الألق والعظمة، ولعل أبرز ما يتميز به "الخنسة" كفنان وصاحب مهنة هو الالتزام والدقة واحترام رأي الآخرين ووجهات نظرهم، والاستماع إليهم ومناقشتهم بكل شفافية وهذا ربما ما لا نجده عند بعض من الحرفيين من صفات إنسانية ومهنية لا بدّ أن يتحلى بها كل فنان».

يذكر أن اللقاءات أجريت بتاريخ 20 نيسان 2022.