لم تَحُل أسئلتنا دون إتمام عملية بحثٍ مُستعجلة عن "مطرقة" يحتاجها أحد نزلاء فندق "الأندلس" لإصلاح طاولة قديمة، يُصرُّ الرجل على أنّ كل ما في غرفته استُعمِل عشرات المرات لكن الوضع العام مقبول جداً.. سريعاً يُؤكد لنا موظف الاستقبال بأن الأثاث كان أفضل حالاً قبل توافد عشرات العائلات إلى منطقة "الحريقة" في دمشق، حيث تكثر فنادق النجمة الواحدة أو كما في التوصيف المعروف "فنادق شعبية رخيصة" بما أنّ ترتيبها سياحياً لا يعني شيئاً للمقيمين فيها.

في غرفة الاستقبال يبدو كل شيء مُنهكاً، ستائر معلّقة من جهة واحدة، وسائد ممزقة، سرير مقعّر من المنتصف، مُخصصٌ للعامل المناوب ليلاً.. يشرح الموظف أحمد علي لـ "مدوّنة وطن" بأن الزوّار لا يحتاجون عادة أكثر من سرير وحمام، وبعضهم لا يُمانع وجود نزيل آخر في الغرفة نفسها، بالطبع هذا يعني أجرة أقل وإقامة سريعة، لكن الأمور اختلفت خلال سنوات الحرب الأخيرة مع تدفق عائلات وصل عدد بعضها إلى خمسة أو ستة أفراد، هؤلاء وجدوا في الفنادق الشعبية ملجأً حقيقياً، فتحولت الغرف المخصصة للنوم فقط إلى مطابخ وحمامات وغرف جلوس ونوم ومضافات، ثم كانت النتيجة كارثية للأسف بالنسبة لأصحاب الفنادق.

يوضح رجلٌ مقيم في الفندق منذ ستة أعوام بأن الفرق الكبير بين أجرة الغرفة وأي بيت آخر في الريف أو المدينة، سببٌ رئيسي لإقامته الطويلة مع زوجته وأولاده، ومع أن الخصوصية شبه معدومة وبعض المشاحنات تقع باستمرار مع نزلاء آخرين لكنه تأقلم مع الوضع، وعلى حد تعبيره "أين سأجد مكاناً أبيت فيه مقابل 1500 ليرة لليلة الواحدة؟"، وعلى ذلك لا مشكلة لديه في إصلاح ما يمكن من الأثاث المحدود أصلاً.

فنادق بأجور رمزية

في جادة "الدرويشية" مقابل منطقة "الحريقة" وصلنا فندق "صلاح الدين" في فترة الغداء، ولأن انقطاع الكهرباء حوّل الغرف الصغيرة إلى أفران كما يقول أحد النزلاء، فضّلت بعض السيدات المقيمات تناول طعامهن على الدرج. يقول المشرف على المكان صلاح محمد: استقبل الفندق نازحين ومهجرين ممن فقدوا بيوتهم، عددٌ كبيرٌ منهم عادوا إلى مناطقهم بعد تحسّن الظروف الأمنية، لكن بعضهم ممن استطاع الحصول على عمل بسيط في دمشق، ما زال مقيماً عندنا، نزلاؤنا حرّاس ونواطير أبنية، أصحاب بسطات دخان وجرابات، عتالون وعمال بناء، متسولون وعمال نظافة، ولدينا أيضاً نزيلات فقدن أزواجهن يعملن في مهن بسيطة أو يتسولن.

الكلام نفسه نسمعه في فندق "النهضة العربية" لذلك يحاول أصحابه الحفاظ على المكان بالاستغناء عن الغرف المخصصة لشخص واحد، والإبقاء فقط على الغرف الأكبر مساحة مع سريرين مقابل 12 ألف ليرة لليوم الواحد. وإن كان هذا الإجراء سينعكس على الإقبال لكنه سيقلل من خسائر وإشكاليات أخرى أهمها تخريب الأثاث واستغلال الظرف العام وتعليمات وزارة السياحة.

النازحون الأكثر ارتياداً

في فندق "الدوحة" يصف صاحبه محمد حسام الدين بوز العسل، مصلحة الفنادق الشعبية بـ "الميتة" والزبائن بـ "الله يعينهم"، ولا يُخفي رغبته بالحصول على مصدر رزق آخر. يقول لـ "مدوّنة وطن": بدأت العمل في الفندق منذ 25 عاماً، ولدي مع إخوتي فرعان آخران في منطقتي السنجقدار والمرجة، بالطبع الوضع اليوم لا يُشبه أي شيء مما سبق، قبل 20 عاماً اجتمع في فندقي 17 جواز سفر أجنبياً لسياح من مختلف دول العالم، من ضمنهم تجار من ليبيا والسودان والجزائر، كنا المقصد الأول لزوّار البلد بسبب النظافة والأسعار الزهيدة، حالياً الفندق أصبح بيتاً لمن لا بيت له لذلك "أي مصلحة أحسن من مصلحتي"، من الصعب جداً مطالبة المقيمين بأجور أعلى، هم بالكاد يحصلون على طعام في هذه الأيام.

تضم منطقة الحريقة حوالي 85 فندقاً مصنفاً نجمة واحدة، عدد لا بأس به منها أغلق أبوابه، ومن أبقى على فندقه مفتوحاً، كان عليه أن يختار بين تحويله إلى مستودعات للبضائع من ألبسة وأقمشة ومواد خام، أو العمل بخسارة بموازاة ارتفاع الأسعار الذي طال كل شيء وانخفاض قدرة الزبائن على دفع مبالغ مالية مقبولة.

مهنة لم تعد مجدية اقتصاديا

يضيف بوز العسل: في الأعوام الثلاثة الأخيرة لدينا زبائن من نوع آخر، يأتون للعلاج أو إصدار جواز سفر أو إتمام أوراق رسمية للزواج بعد الدمار الذي أصاب عدداً من المؤسسات الرسمية في بعض المناطق، ونستقبل أحياناً مجموعات طبية من اللاذقية وطرطوس، هؤلاء يزورن دمشق لعدة أيام لحضور مؤتمرات واجتماعات.

يأمل الرجل أن يتحسّن الوضع الاقتصادي والسياحي لتعويض شيء من خسارته المستمرة، حيث يتقاضى من زبائنه 3500 ليرة للغرفة المخصصة لشخص واحد مع مياه باردة وساخنة و"بشكير"، مبلغٌ لا يساوي سعر "فخذ فروج" يقول مُستهجناً.