لم تكد تمضي سوى فترة قصيرة على عودة الحياة إلى مدينة "دوما" في"ريف دمشق"، حتى بدأت السيدات هناك العمل على إعادة إحياء حرفة "الأغباني الدمشقي"، بدعم من جمعية "الوفاء التنموية" السورية التي كانت السباقة لدخول المدينة بعد تحريرها من الإرهاب، بهدف دعم السيدات اللواتي يعملن بهذه الحرفة العريقة التي تعد حرفة يدوية بالكامل، أبدعتها أنامل السوريين منذ أكثر من 500 عام، وصنعت من خيوط الحرير الطبيعي والذهب والقصب وتطرز بالإبرة الخشنة تطريزات نافرة بخيوط من الحرير النباتي "الفيسكوز" مختلفة الألوان، وهذا ما يميز الأغباني عن الأقمشة الدمشقية الأخرى.

طابع خاص

يعدُّ "الأغباني" الغطاء التقليدي للطاولات في "دمشق" منذ مئات السنين، فعند استقبال الضيوف في أي منزل دمشقي لحضور مناسبة اجتماعية، كان لا بد من وجود أقمشة "الأغباني" على الطاولات، كما أن تطريز الأغباني كان ولا يزال حرفة سائدة تعمل بها النساء الحرفيات بمنازلهن في مدينة "دوما" التي اشتهرت بحرفة تطريز "الأغباني" الدمشقي منذ القدم، فقد كانت كل امرأة تقريباً في "دوما" تمتلك ماكينة تطريز الأغباني، وهي جزء من جهاز عرسها وعادة توارثنها جيلاً بعد جيل.

ويعد قماش الأغباني أحد أهم الصناعات الدمشقية، وهو ذو طابعٍ خاصّ يربط المدينة وضواحيها بهذه الحرفة ضمن مثلث ذهبي رأسه في "دوما" وعموده الأيمن في "القيمرية" والأيسر في "ركن الدين"، وبالرغم من الشهرة التي اكتسبتها تلك الحرفة عن طريق تجار "دمشق"، إلا أن المبدعات الحقيقيات لهذا القماش المطرز هن النساء اللواتي يعملن خلف الكواليس في "دوما" وأماكن أخرى.

مديرة جمعية الوفاء "رمال صالح" مع نساء دوما

تراث ثمين

أغطية طاولات من الأغباني من مشغولات نساء دوما

تبين الحرفية "ربيعة الأجرد" التي تعلمت الحرفة منذ صغرها كما كل البنات في "دوما"، أن الأغباني من تراث منطقتها وأهم ما يميزها، وقد اجتهدت مع بنات جيلها في متابعة رسالة جداتهن، فأتقن الحرفة وحافظن عليها بالاستمرار في العمل، وتعليمها لبنات هذا الجيل، لما في ذلك من ضرورة للإبقاء عليها كتراث ثمين وأنيق وجميل، وحسب قول "الأجرد": "لم يرتبط تعلم الحرفة أو العمل فيها بالوضع المادي للنساء، فكل السيدات في "دوما" كن يتعلمن "الأغباني" بغض النظر عن وضعهن المادي" .

عملت نساء "دوما" في مهنة الأغباني ضمن منازلهن، ما جعل من الصعب معرفة الحرفية المتميزة التي تعمل في تطريز "الأغباني"، وخصوصاً أنه خلال فترة الحرب على "سورية"، نزحت معظم هؤلاء النسوة تاركات وراءهن ماكيناتٍ وإبر تطريز، ما أدى إلى جمود إنتاج الأغباني لسنوات، وكان لجمعية "الوفاء التنموية" السورية دورٌ مهمٌ في مساعدة تلك النسوة على العودة إلى عملهن بتطريز الأغباني من خلال مشروعها الجديد "سيدات دوما لإحياء حرفة الأغباني".

سيدة تطرز الأغباني

300 سيدة

وتؤكد رئيسة مجلس إدارة جمعية "الوفاء التنموية" السورية "رمال صالح" في حديثها لمدوّنة وطن أن هذا المشروع الجديد للجمعية، هو ثمرة تعاون رجال أعمال سوريين ليكون العمل تشاركياً مع المجتمع الأهلي من خلال جمعية "الوفاء"، ودعم" الأمانة السورية للتنمية" وبرعاية كريمة من سيدة الياسمين السيدة "أسماء الأسد"، مضيفة: "منذ تحرير الجيش العربي السوري للمنطقة من رجس الإرهاب، دخلت الجمعية لمدينة "دوما" لدراسة الواقع الاجتماعي للأسر هناك بهدف تقديم الدعم للمرأة السورية، التي أصبحت في ظل الحرب هي من تعين أسرتها، بالإضافة إلى إعادة إحياء حرفة دمشقية عريقة مهددة بالاندثار، وضمان استمرارية تدريب السيدات الراغبات بتعلم حرفة "الأغباني"، من خلال افتتاح مركز لهن في "دوما" يومي الاثنين والأربعاء، حيث أصبح بإمكان السيدات العمل خارج منازلهن من خلال المركز الجديد، ليكون هذا المركز مساحة مجتمعية، تقدم الدعم لهن بمجالات عدة".

وتضيف "الصالح":" بدأ المشروع من خلال مجموعة من السيدات وصل عددهن إلى ما يقارب 25 سيدة، والآن انضمت إليه حوالي 300 سيدة يتقن حرفة الأغباني، وهناك إقبال كبير من سيدات "دوما" لإعادة الحياة للحرفة ودخولهن سوق العمل، وأنا أرى بعيونهن الأمل وبأيديهن العمل، خصوصاً بالمرحلة المقبلة لبلدنا "سورية" (الأمل بالعمل)، ونحن نتطلع لأن يصبح الأغباني مصدراً اقتصادياً مهماً للنساء، كما أننا بحاجة إلى دعم من رجال الأعمال لتسويق منتجات "الأغباني" خارج "سورية".

أجريت اللقاءات بتاريخ 16 تموز 2021.