يمثل الفنان التشكيلي الكبير "محمود جلال" الاتجاه الكلاسيكي في فن التصوير والنحت في الحركة الفنية "السورية" المعاصرة.

مدونة وطن eSyria التقت الأستاذ "طه المحمد" مدير موقع "إيمار" الالكتروني، والذي له اهتمام واسع بالفن التشكيلي فقال: «أعمال هذا الفنان الكبير أصبحت كلاسيكية بعد أن كانت تسجيلية في أعمال من سبقه من الفنانين. ولد "محمود جلال" عام 1911 في "طرابلس الغرب – ليبيا"، وبعد عام من ولادته التجأت عائلته إلى "تركيا" هرباً من طغيان "الإيطاليين"، وفي عام 1914 عين محمد أديب أبي الحاج (والد الفنان) في سلك القضاء، وانتقل الى سورية، حيث سكن في العديد من مدنها "السويداء، قطنا، درعا، دير الزور"، ثم استقر في "دمشق" متقاعداً عام 1933. وكانت أنامل "جلال" الصغيرة تلعب على ورق الرسم لتظهر ميوله الفنية، فشجعه والده تشجيعاً كبيراً وكذلك أساتذته ليستمر في طريق الرسم والتشكيل، ولكنه كان يفضل الميكانيك، فدخل المعهد "الصناعي" بحلب، وترك المعهد بسبب سوء المعاملة من أحد أساتذته، فكانت نعمة حلت عليه ليعود إلى موهبته ودراسة الفن التشكيلي».

خلال مسيرته الفنية نال جوائز عديدة منها "جائزة تصوير الزيتي عام 1951"، وفي العام ذاته نال جائزة ملتقى "النحت" الذي أقيم في المتحف "الوطني" بدمشق، وفي عام 1960 منح براءة التقدير من وزارة "الثقافة "، ولكن كان أميز هذه الجوائز هي وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى عام 1971

وتابع: «بدأت دراسته عام 1931 بالمراسلة مع معاهد "باريس"، وفي هذه الأثناء كان يدرس اللغة "الإيطالية" أيضاً، ومن ثم سافر إلى "إيطاليا" ليدرس التصوير الزيتي فيها وذلك من عام 1934 وحتى عام 1939، وقد تتلمذ هناك على يد أهم الفنانين وهو "سيفيرو" كما درس النحت على يد الفنان "سان جاكو"، وبعد عودته للوطن ظل متأثراً بالاتجاه الكلاسيكي الذي كان سائداً هناك فكان يبني لوحاته بقوة وعقلانية ويعطي شخوصه العاديين نبلاً ومثالية، وعمل مدرساً للتربية الفنية في المدارس "السورية" منها في "دير الزور" وفي مدرسة "التجهيز" و"التجارة" و"دار المعلمين" بدمشق ثم مفتشاً للتربية الفنية ثم شغل منصب وكيل عميد كلية "الفنون الجميلة" بدمشق، وكان له مساهمة في تأسيس الكلية ذاتها، وبقي وكيلاً في كلية "الفنون الجميلة" حتى تقاعده عام 1970».

الأستاذ "طه المحمد"

ثم أضاف: «للفنان "محمود جلال" الكثير من الأعمال التصويرية منها "صانعة أطباق القش، الراعي، الراعي الصغير.." موزعة اليوم في المتحف "الوطني" بدمشق، ومديرية "التربية" بدمشق، والنادي "العربي" وأعماله مقتناة في العديد من المؤسسات الحكومية والأهلية في "سورية"، وله نصبان تذكاريان، الأول في مدينة "عامودا" التابعة لمحافظة "الحسكة" يجسد حادثة حريق سينما تلك البلدة في أواسط الخمسينيات التي راح ضحيتها أكثر من ثلاثين طفلاً، وعنونها بـ"أطفال عامودا"، والثاني عنوانه "الثوري العربي" وضع في "دمشق". وشارك هذا الفنان المتميز في العديد من الملتقيات الفنية منها "ندوة الأندلس، مرسم فيرونيز، الجمعية العربية للفنون الجميلة.."، كما كان له مشاركات واسعة في معظم النشاطات الرسمية داخل وخارج "سورية"».

وأنهى الأستاذ "طه المحمد" حديثه قائلاً: «خلال مسيرته الفنية نال جوائز عديدة منها "جائزة تصوير الزيتي عام 1951"، وفي العام ذاته نال جائزة ملتقى "النحت" الذي أقيم في المتحف "الوطني" بدمشق، وفي عام 1960 منح براءة التقدير من وزارة "الثقافة "، ولكن كان أميز هذه الجوائز هي وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى عام 1971».

"أطفال عامودا" من أعمال "محمود جلال"

يقول الدكتور "علي الشماط" في كتابه "تاريخ الفن– الاتجاهات الرئيسية في فن التصوير" واصفاً بعض أعمال الفنان "محمود جلال": «امتازت لوحة "صانعة أطباق القش" بمتانة التكوين وبالتوزيع المدروس لعناصر اللوحة كما في معظم أعماله وبالتضاد بين عناصرها لخلق إيقاعات قوية معبرة، ففي الوقت الذي تجلس فيه صانعة الأطباق نجد صبياً بالقرب منها بحالة وقوف ويحمل بيده أيضاً طبقاً من القش لكنه من حجم وشكل مغاير لما تمسكه، وعلى الجدار يبدو طبقاً ثالثاً معلقاً ويختلف عن سابقيه شكلاً وحجماً، كما تتموضع الأطباق الثلاثة في اتجاهات مختلفة في فراغ اللوحة مما يعطيها بعداً تشكيلياً، أما وجه الصانعة فيظهر مثالياً يبرز عظمة ونبلاً وقدرة خالدة. وفي لوحة "الراعي" تتكامل حركتا "الراعي والخروف" المتعاكستين مما يؤدي في المحصلة إلى اتجاه تصاعدي يتلوى ملامساً ظهر "الخروف" ومنطلقاً في سماء اللوحة عبر حركة رأس الراعي المتوجهة إلى أعلى ويؤدي النور فيها دوراً كبيراً في إعطاء الجزء الأعلى من "الراعي" تسامياً يتحد في رحابة السماء وأثيريتها، أما في لوحة "الراعي الصغير" فيتلاحم اندفاع الراعي إلى الأمام مع حركة الخروف تلاحماً شديداً، ويعطي النور فيها مسحة نورانية للوحة "الراعي الصغير" ما يوقظ إحساساً بانتمائه إلى السماء أكثر من الأرض».

ويضيف: «وفي مجال النحت يعد "محمود جلال" واحداً من أبرز رواد النحت في تاريخ الحركة الفنية المعاصرة في سورية. ابتدأ بدراسة الرؤوس التاريخية "طارق بن زياد، خالد بن الوليد" وغيرهما، كما نفذ بطريقة النحت النافر "الميداليا" عدة مواضيع منها "الخنساء، عمر المختار"، ثم أنجز كتتويج لهذه المرحلة تمثال "ابن رشد" وتجلت من خلاله مقدرته الكبيرة في تحريك الكتلة في الفراغ وفي خلق الإيقاعات النحتية المتوازية فتصالب الرجلين أعطى العمل متانة نحتية واستقراراً للكتلة العامة في التمثال كما حركة الرأس إلى اليمين ردت إيقاعاً على حركة الأيدي في الاتجاه الآخر.

من أعمال "محمود جلال"

قدم "محمود جلال" نماذج لأعمال نصبية متينة منها "عباس بن فرناس" و"الاتحاد" وساهم في تمثال "الثوري العربي"، كما ترك أعمالاً فنية أخرى كتمثال "الأمومة" و"الفدائي" في الفترة الأخيرة من حياته».

توفي الفنان التشكيلي "محمود جلال" 1975 بدمشق تاركاً خلفه إرثاً فنياً كبيراً، يحتذي به كل العاملين في حقل التصوير والنحت إلى الآن.