سوق "الحرير" أو سوق "تفضلي يا ست" شكل مقصداً للنساء على مر التاريخ، نتيجة تخصصه ببيع القماشيات ولوازم العرائس، فحمل أيضاً اسم رواده.

موقع "eDamascus" التقى عدداً من السيدات أثناء زيارتهن السوق الشهير بتاريخ 18/5/2012، والبداية كانت مع السيدة "سناء الحمصي" ربة منزل وتحدثت بالقول: «منذ كنا صغاراً كانت والدتي تأخذنا أنا وأختي معها أثناء شراء الأقمشة الحريرية لها ولنا، خصوصاً إذا كان هناك مناسبة احتفالية مثل الأعراس لأقربائنا، فكانت تشتري ما يعجبها من الأنواع الكثيرة الموجودة في السوق، وتخيطها بنفسها استعداداً لحضور العرس، وقد داومت بعد أن كبرت وتزوجت على شراء الأقمشة الممتازة من هذا السوق لأني أجد فيه كل ما أريده للتحضير لحفلات الأخوات والقريبات، وأنا اليوم أصطحب ابنتي معي كي تختار بنفسها لون ونوع القماش الذي تحبه».

يوجد في السوق خان "المرادية" وخان "قطنا" وخان "الجمرك" الذي تحولت تسميته حديثاً إلى سوق "الجمرك" وخان "الحرمين" وحمام "القيشاني"، وخان "الزعفرانجية" والذي يسمى أيضاً خان "القهوجي"

السيدة "ثريا عودة" تعمل بمهنة الخياطة وتشتري كل ما يلزمها من الأقمشة والمستلزمات الفرعية لها قالت: «قد أكون من الجيل القديم الذي مازال يعمل بمهنة الخياطة للسيدات والصديقات المقربات مني، إلا أنهن يعتمدن على ذوقي بشراء الزينة الخاصة بالفستان الذي يردن خياطته، إضافة إلى البطانات الجيدة التي أجدها في هذا السوق، ولا يمنع أن ألقي نظرة عميقة على الأنواع الجديدة من الأقمشة التي وصلت حديثاً إلى السوق».

الباحث "حسن الصواف"

الباحث "حسن الصواف" تحدث عن سوق "الحرير" أو "تفضلي يا ست" فقال: «إن "جادة سوق الحرير" عبارة عن سوق ضيق مسقوف بساتر هرمي، جدد بناء السقف من التوتياء، ويمتد من الطرف الشرقي لسوق "الحميدية" عند أعمدة "جوبيتر" إلى سوق "القلبقجية" المؤدي إلى سوق "الخياطين" باتجاه شمالي جنوبي، فيما كانت التسمية القديمة للموقع "باب بريد"، وله تسمية أخرى "الطواقين"، وبدأ بناء هذا السوق الوالي العثماني "مراد باشا" أواخر عام 1594 فهدم المحال التجارية القديمة، وجدد بناءها ووسع الطريق ورفع السقف».

وأضاف «هناك أمور لا بد من الإشارة إليها، فسوق "المرادية" هو ذاته "جادة سوق الحرير" حالياً، حيث أنشئ في العهد العثماني بموضع سوق "الطواقية"، وجادة سوق الحرير- "سوق المرادية"- سميت أيضاً سوق "الدراع"، ويعود سبب التسمية إلى نقل تجار من سوق "الدراع" إلى سوق "المرادية"، فأطلقت هذه التسمية عليه، كما أن سوق "المرادية"– "جادة سوق الحرير الحالية"- ليس خان "المرادية" رغم أنهما متجاوران وبانيهما واحد، وهو الوالي "مراد باشا"، ويمتد سوق "الدراع" من سوق "الحميدية" إلى أن ينتهي بسوق "العبجية" من سوق "مدحت باشا"، ويتفرع منه حمام "القيشاني"، وتباع فيه اللوازم النسائية من أمتعة وخيطان وعطورات ولوازم الخياطة ولباس الأفراح النسائية».

حمام القيشاني

وتابع: «من التسميات التي أطلقت على "جادة سوق الحرير" تسمية "سوق الحرير"، وسوق "القيشاني" نسبة إلى حمام "القيشاني" الموجود في السوق، كما يطلق البعض عليها اسم "باب بريد" والقلبقجية، علماً أن التسمية الأخيرة تطلق على الامتداد الجنوبي للسوق الواقع بين "سوق الحرير" وزقاق "بين البحرتين"، إلا أن التسمية الطريفة جداً كانت تلك التي أطلقها الناس، وهي سوق "تفضلي يا ست" كناية عن إلحاح الباعة الواقفين أمام محالهم، واستخدامهم لهذه العبارة في الطلب من السيدات الدخول إلى محلهم ومشاهدة بضاعتهم، كما أن بعض الباعة كانوا سابقاً يرددون هذه العبارة بلغات أخرى، وينادون الزبائن بها، لكن "بلكنة مكسرة"، ويباع في هذا السوق أنواع الأقمشة المختلفة والملبوسات النسائية، بصورة خاصة "العبي"، والجلابيات إلى جانب "النوفوتيه" وأدوات الزينة النسائية والشالات وغير ذلك من البضائع».

وعن الأماكن التاريخية الموجودة في سوق "الحرير" ذكر "الصواف": «يوجد في السوق خان "المرادية" وخان "قطنا" وخان "الجمرك" الذي تحولت تسميته حديثاً إلى سوق "الجمرك" وخان "الحرمين" وحمام "القيشاني"، وخان "الزعفرانجية" والذي يسمى أيضاً خان "القهوجي"».

الباحث "مروان مراد"

أما الباحث "محمد مروان مراد" فتحدث عن المعالم الرئيسية في هذا السوق، حيث قال: «شيد الوالي "درويش باشا حمام "القيشاني" في العهد العثماني، إبِّان ولايته دمشق حوالي عام 1574، فيما تجدد بناؤه لاحقاً، ففرش بالرخام والمرمر، وأطلقت التسمية عليه بسبب بلاط "القيشاني" الذي يكسو جدرانه، ويتكون الحمام من باحة مؤلفة من طابقين تعلوه قبة مزخرفة بالرسوم التزيينية، وتباع فيه المطرزات بصورة خاصة إلى جانب أثواب العرائس، إضافة إلى ما يباع في سوق "الحرير" كمستلزمات الخياطة النسائية وأدوات الزينة والحلي والريش الملون والفراء الصنعية وأنواع "الخرز" الملون».

ثم أضاف: «بقي من معالم السوق خان الحرير والمدرسة "الأمينية" التي تحولت إلى متاجر، وهناك سوق "القلبقجية" الذي يقع على امتداد جادة سوق الحرير قبل أن ينتهي عند سوق "الخياطين"، وتحول الآن إلى بضع محال تبيع الأقمشة، بعد اندثار تخصصه ببيع "القلبق" نتيجة انتهاء استعماله، حيث كان العسكر العثماني يعتبرون "القلبق" لباساً رسمياً للرأس، وهو يشبه "الطربوش" إلا أن لونه أسود مغشى بجلد "الماعز" أو "الجدي"، وتشير المصادر التاريخية إلى أن هذه التسمية لم تكن موجودة في العهد المملوكي، بل يرجح أنها أطلقت في العهد العثماني، كما يوجد في السوق جامع "المجاهدية" أو "المدرسة المجاهدية" التي بناها "مجاهد الدين بزان"، وهو أحد كبار قادة السلطان "نور الدين زنكي" وتعرف أيضاً بجامع الحجازية" وعلى ألسنة الناس بجامع "القلبقجية"».

وتابع: «يوجد أيضاً في سوق "الحرير" خان الزعفرانية الذي كان يشتهر ببيع الزعفران"، وسوق "الجمرك" الذي يعرف باسم سوق "النسوان"، لكون النساء يشكلن القسم الأكبر من زبائنه، حيث يأتين إليه من دمشق وريفها، بهدف تجهيز العرائس بلوازم الزفاف وملابس الزواج، أما في الوقت الحالي فتنوعت البضائع فيه، حيث دخلت الملابس الجاهزة، لقلة الطلب على الأقمشة، وغلاء أجور الخياطة، فيما يشتهر سوق "النسوان" ببيع الاقمشة العرائسية و"السبورات"، ويضم السوق بعض محلات بيع الأقمشة الخام، إضافة إلى محلات لبيع أقمشة "الداماسكينو" والأغباني والبروكار».

وعن خان "الحرير" الذي يوجد في السوق تحدث "مراد": «يقع الخان داخل أسوار مدينة دمشق القديمة في سوق الحرير بجانب حمام القيشاني، وقرب خان "التتن"، وهو من خانات العهد العثماني، أنشأه- بحسب اللوحة الرخامية المعلقة في مدخله- سنة /1573/ والي الشام العثماني "درويش باشا" بن "رستم باشا" زمن السلطان العثماني "سليم الثاني"، وأطلق على الخان اسم قيسارية "درويش باشا"، والقيسارية كلمة يونانية الأصل تطلق على البناء الملكي أو الحكومي المبالغ في جمال عمارته وزخرفته، ثم تحول البناء ليصبح مكاناً للتجارة ضمن الأسواق التجارية كمستودع للبضائع، ويتردد أنه في القرن السابع عشر، اشتهر بتجارة الفرو الطبيعي القادم من دول آسيا الوسطى وروسيا، وكان اسمه وقتذاك خان "الفرو"، ليعود لاحقاً إلى اسمه خان "الحرير"، نظراً لسيطرة تجار الحرير عليه».

وأنهى حديثه بالقول: «كان البائعون القادمون إلى بلاد الشام، والذين يسلكون طريق "الحرير" يمرون به، ويأخذون قسطاً من الراحة، كما كان يتم فيه التبادل التجاري بينهم وبين تجار "دمشق"، ويبلغ عدد الغرف الموجودة في الخان نحو /90/ غرفة، ويتألف من طابقين، أما مساحته فتبلغ حوالي/2500/م2».