عندما بدأ الغناء مع فرقته في كبرى فنادق سورية قيل عنه في الصحف: "المغني الذي طرد الطليان من سورية"، ذاك أن إتقان "جوني سالم" الغناء الغربي الكلاسيكي وكذلك إتقان فرقته عزف الموسيقا الغربية فاق مستوى الفرق الغربية التي كانت تستقدم للغناء في سورية.

فرق كثيرة أسسها "سالم"، نذكر منها "Jets" و"breackers" للتعرف أكثر على هذه الفرق وعلى هذه القامة الغنائية الفريدة، موقع "eSyria" زار السيد "جوني سالم" في محله الذي يحمل اسمه والكائن في "أبو رمانة" فكان لنا الحوار التالي الذي بدأه بلمحة عن حياته: «أنا من مواليد دمشق 1943، سكنت في لبنان لفترة وتخرجت في مدارس الفرير، أحمل شهادة بكالوريا فرنسية، عدت إلى دمشق لتعديل هذه الشهادة وإكمال التحصيل العلمي لكن لم يتم تعديلها آنذاك، فقررت الدراسة من جديد والتقدم لامتحان الشهادة الثانوية وللأسف كنت أرسب دائماً في مادة اللغة العربية رغم مجموع علاماتي الممتاز، حاولت لثلاث مرات والنتيجة كانت ذاتها، لذلك تركت الدراسة واتجهت للغناء».

لقد أخذت عن أبي العديد من الأمور، منها حب الموسيقا الكلاسيكية والأغاني التي كانت دارجة آنذاك، لا أعزفها، بل أسمعها بشغف، حاولت تشجيع أصدقائي على سماعها لكن دون جدوى واكتفيت بالترتيل في الكنيسة

  • كيف بدأت مشوارك الغنائي؟
  • جوني سالم مع ابنه راكان

    ** بدأت بالترتيل في الكنيسة، ثم ككل الشباب كنت وأصدقائي نقيم حفلات ونذهب إلى حفلات، فيطلبون مني الغناء ويثنون على أدائي، إلى أن جاء عام 1961 حيث كونت فرقة صغيرة تتألف من خمسة عازفين، أسميناها "Jets" وهذه الفرقة أحيت العديد من الحفلات المجانية في المدارس ولمصلحة الجمعيات الخيرية.

    وفي صيف العام ذاته سمعنا شخصاً كان يملك نادياً عائلياً صيفياً في "القصاع" وعرض علينا الغناء عنده، بعد ذلك بدأنا بتطوير أنفسنا، فبدلنا عازفين كثر كي نحصل على الأفضل، إلى أن جاء اليوم الذي عملنا فيه في كبرى الفنادق في سورية وكانت آنذاك تستقدم فرقاً إيطالية وفرنسية عالية الأجر، أما نحن فقدمنا حفلات بمستوى أفضل وبأجر أقل ما استحوذ اهتمام وحب الجمهور، حتى إن الكثير من الصحف تناولت هذا الخبر بالقول: "جوني سالم الذي طرد الطليان من سورية".

    مع فرقة tigers

  • أي نوع من الأغاني كنت تغني وماذا عن الموسيقا أيضاً؟
  • ** كنا في البداية نعزف ما يعرف بموسيقا البوب، وكل ما نسمعه من أغانٍ غربية تبثّ على القنوات الإذاعية اللبنانية وراديو "مونتي كارلو" وفي تلك السنوات أي الستينيات كان الجمهور المثقف هو من يسمعنا وكنا إذا أخطأنا بلفظ كلمة يصححون لنا، ولا بد من ذكر أن الموسيقا التي كنا نقدمها وكذلك الأغاني تسمح بمشاركة الجمهور وتفاعله معنا من خلال الرقص حيث إن خشبة المسرح كانت تمتلئ بالراقصين والراقصات فور بدئنا الغناء.

  • بالعودة إلى نشاطاتكم، هل بقيتم في دمشق، أم تجاوزتموها إلى محافظات وبلدان أخرى؟
  • ** لقد تنقلنا كثيراً، ففي عام 1964 ذهبت إلى مدينة حلب وهناك تعرفت على موسيقيين أقوياء جداً وأغلبيتهم من الأرمن وعرضت عليهم العمل معي، فقبلوا، وأذكر منهم "كابو" و"طوني ابكاجيان" و"نازاريت"، ومنهم حصلت على الخبرة في مجال المقامات والنوتات، قدمنا معاً العديد من الحفلات في كازينو دمشق الدولي، حيث حظينا بإعجاب الفرق الأجنبية ذاتها، ثم عملنا في مطار دمشق الدولي القديم وللصدفة كان من بين الحضور رجل أعمال لديه فندق في الكويت أبدى إعجابه بنا وبرغبته في أن نسافر معه، وفعلاً غادرنا سورية إلى الكويت وبقينا هناك حتى عام 1969.

  • كيف كان تفاعل الجمهور معكم في بلد محافظ كالكويت؟
  • ** خلال السنوات التي قضيناها في الكويت، حظينا بشهرة واسعة ذاك أن الجالية الأجنبية كانت من حيث العدد تفوق السكان الأصليين، حتى هناك تنقلنا بين المطاعم الكبرى والفخمة من بينها نادي الغزالي في منطقة الأحمدي.

  • ما المحطة التالية بعد الشهرة التي حققتموها في الكويت؟ هل أسست فرقاً أخرى؟
  • ** بعد الكويت عدت إلى دمشق ووقعت عقداً مع مطعم "الكاف دو روا" ثم أديت الخدمة العسكرية لمدة أربع سنوات وشهرين، لم أقم حفلات أثناءها لكني لم أنقطع عن الغناء، وفي عام 1973 عملت في نادي "الشرق" وكونت فرقة جديدة، ثم أراد صاحب العمل مضاعفة برنامج الحفلات وأحضر فرقة هواة اسمها "Tigers" وكانوا من المعجبين بغنائي، فترأست الفرقة (بعد أن سافر أعضاء فرقتي) وكان مع هذه الفرقة مغنٍ اسمه "ليفون" وهكذا أصبحنا مغنيين في فرقة واحدة مع أربعة عازفين هم "جوني كوموفيتش" عازف الدرامز، و"فاهيه دمرجيان" عازف الأورغ و"ياسر عجك" عازف غيتارباص و"هارو ادواسيان" غيتارست، بعد وفاة "هارو" في حادث سير أليم حلّ محله "سمير أكزم" بعد ذلك أضفنا عازف ساكس هو "حسين نازك" وكانت من أجمل الفرق من حيث الأداء والعلاقات الجيدة استمرينا في العمل معاً لمدة أربع سنوات، تفرق بعدها أعضاء الفرقة، بينما كونت مع "ياسر عجك" سنة 1976 فرقة اسمها "breackers" تضم الأورغنست "ياسر رستم" و"أيمن فحام" وعازف الدرامز "رئيف شكري" ابن الملحن والمطرب "رفيق شكري" وكانت هذه الفرقة أقوى من فرقة "Tigers" وبها قدمت حفلات رائعة في "المريديان" و"الشيراتون" و"نادي الشرق" بقينا هكذا حتى عام 1985 حيث اعتزلت إقامة الحفلات في كل هذه الأماكن إلى أن جاء عام 1992م.

  • ولم هذه القطيعة الطويلة؟
  • ** اعتزلت الغناء في الفنادق والنوادي لأن أجواء العمل والسهر اختلفت كثيراً، إضافة إلى تغير برامج هذه المطاعم التي أضافت إلى كل ليلة مطرب عربي أمثال "وليد توفيق" و"جورج وسوف" و"طوني حنا" و"ملحم بركات"، لقد شعرت بأن الجمهور بات يحضر لسماع الغناء العربي لا لسماعنا، وشعرت بأنه لم يعد لنا مكان، هذا فضلاً عن انخفاض أجورنا، لذلك اعتزلت وتحولت إلى تجارة الأجهزة الموسيقية لكني بقيت أغني في حفلاتنا الخاصة وحفلات الأصدقاء.

  • اعتزلت الغناء في المطاعم والفنادق حتى عام 1992 ماذا حصل بحلول هذا العام؟
  • ** بحلول عام 1992 أقمت واصدقائي القدامى حفلة في برج "الفردوس" وغنيت فيها فسمعني صاحب الفندق وطلب مني الغناء عنده كل يوم، وافقت لكن بحفلتين فقط كل أسبوع، في هذه الفترة حصل نوع من الحنين والارتداد إلى الموسيقا والأغاني التي كنت أقدمها نظراً للحس العالي الذي تتمتع به هذه الأغاني، وما زلت أغني حتى اليوم في مطعم "المشربية" في دمشق القديمة، لدي حفلتان يومي الخميس والسبت، وها أنا أقوم ببيع أسطوانات الموسيقا الكلاسيكية لكل من يعشق هذا الفن.

  • هل من شيء امتازت به فترة الستينيات ولا تستطيع نسيانه؟
  • ** هناك أشياء كثيرة وذكريات أكثر، وما لا أستطيع نسيانه هو الجو العام للحفلات. فأنا كمغنّ كنت احرص على تقديم حفلتي بالزي الرسمي وكذلك أعضاء فرقتي، حتى الجمهور كان يأتي باللباس الرسمي. فأنا حين أقدم حفلتي بكامل أناقتي فهذا يعني أنني أحترم نفسي وأحترم الجمهور وأذكر أن بعض الفنادق كانت تعطي السترة الرسمية لكل من يأتي بلباس مخالف.

    أما اليوم فلا أحد يتقيد بشيء لذلك نرى مظاهر جداً مخجلة ولا تليق بأحد.

    * ألا تشتاق لتلك الأيام؟

    ** "ألا ليت الزمان يعود" طبعاً أشتاق إلى تلك الأيام، حتى إنني ما زلت أحافظ على الكثير من الطقوس والعادات التي كنت أمارسها آنذاك.

    التقينا أيضاً "راكان جوني سالم" الذي تحدث عن والده وعلاقته به: «لقد أخذت عن أبي العديد من الأمور، منها حب الموسيقا الكلاسيكية والأغاني التي كانت دارجة آنذاك، لا أعزفها، بل أسمعها بشغف، حاولت تشجيع أصدقائي على سماعها لكن دون جدوى واكتفيت بالترتيل في الكنيسة».

    أما الفنان "ماجد حواصلي" فيعتبر "جوني سالم" إضافة إلى "اندريه كرتبيان" و"ياسر عجك" و"سمير أكزم" أساتذة في فن الغناء ويقول: «"جوني سالم" من الأصوات العظيمة في سورية وفرقته كانت من أعظم الفرق التي قدمت الموسيقا الكلاسيكية والبوب، نحن أتينا بعده بعشر سنوات عملت معهم لمدة أسبوع عوضاً عن "رئيف شكري" والآن أنا أتعامل مع ابنه "راكان" ونتبادل الأسطوانات النادرة».