"محمّد وبيلين" اسمان جديدان على الحياة، لم يأخذا منها الكثير، ولمّا يتذوّقا منها إلا القليل، فالأول عمره خمس سنوات، وشقيقته ثلاث سنوات، ومع ذلك دوّنا اسميهما بحروف الذهب في سجلات المبدعين، وباتا محط إعجاب أبناء مدينة "القامشلي"، فهما يتقنان ويجيدان ويتحدثان باللغة العربية الفصحى لدرجة الإبداع مع علامة الامتياز.
موقع eHasakeh زار مدرسة "أبو بكر الصديق" مكان دراسة التلميذ "محمد مصطفى الأحمد" وعند دخوله الإدارة بدأ الحديث معنا قائلاً: «أسعدتم صباحاً، وكيف حالكم، أخبرتني المعلمة بأنّ لقاءً صحفيّاً ينتظرني، فحضرت في الحال، وقبل الحديث في أيّ موضوع كان، لابدّ من أخذ موافقة السيد مدير المدرسة على ذلك، فهي من أسس ومبادئ التعليم الصحيح».
أسعدتم صباحاً، وكيف حالكم، أخبرتني المعلمة بأنّ لقاءً صحفيّاً ينتظرني، فحضرت في الحال، وقبل الحديث في أيّ موضوع كان، لابدّ من أخذ موافقة السيد مدير المدرسة على ذلك، فهي من أسس ومبادئ التعليم الصحيح
أمّا معلمته السيدة "ميهان طاهر جلال" فقد تحدثت عن تلميذها قائلة: «هو في الصف الأول وعمره خمس سنوات لأنه ابن معلم، وهو يتحدث بلغة عربية فصحى بقمة التألق والاتقان، علماً أنه يتحدث في جميع المواد الدراسية، بما فيها مادة الرياضيات والحساب، ولأنها ظاهرة نادرة في هذا العمر تمّ تشجيعه ومثابرته على ذلك، فبات مشجعاً للآخرين أن يسلكوا ذات النهج، فولدي الصغير بات يقلّده ويكرر كلماته في المنزل، وضمن الشعبة الصفية التلاميذ أحياناً يرددون خلفه بلغته الفصحى والتي انبهروا بها، ودائماً ألاحظ أغلب التلاميذ معه في الباحة المدرسية، وحتى طلاب الصف السادس فهو يتحدث مع الجميع وفي جميع الأوقات بلغته العربية الفصحى».
وكان للموقع زيارة لروضة "السنابل" واللقاء مع المربية "شفاء العسكر" المعنية بتربية "بيلين مصطفى الأحمد" فقالت: «في المناسبة الأولى في الروضة، سمعت كلمة خرجت باللغة العربية الفصحى، فكانت الدهشة وظننت بأنها الكلمة الوحيدة التي تتقنها، وإذا بها تعلن التحدي في اللغة التي رضعتها وهي في الربيع الثالث من عمرها، فسألتها كيف حالك؟ بخير يا آنسة. وهل أنت سعيدة يا "بيلين" أجل يا معلمة وفي قمة السعادة، ولكنني الآن أريد الارتواء بشرب الماء، وسأعود بالحال بعد الانتهاء!! فأبهرتني وأبهرت جميع الكوادر في الروضة، ولنكتشف مع مرور الأيام وخلال مغادرتها ومجيئها بأنها لغتها الدائمة مع شقيقها ووالدها، فما كان منّا ومن الكوادر إلا محادثتها بما ترغب، ولتزرع بذلك ثقة مطلقة في نفوس مثيلاتها، وباتت حديث الأهالي في المنطقة».
وكان لوالد الطفلين المعلّم "مصطفى الأحمد" كلامه حيث قال: «ولدي "محمّد" تعلم اللغة العربية الفصحى من خلال مشاهدته الرائي لساعات طوال، وقنوات الأطفال التي تتحدث بالفصحى، وليبدأ وهو في السنة الثانية من عمره بتقليد كل ما يشاهده، وكانت لديه رغبة ما بعدها رغبة في إتقان ما يشاهده، ومن ثمّ بدأ يكرر بعض المفردات، ووالدته مدرّسة للغة العربية ساعدته كثيراً، وكانت تهيئ الأجواء المثالية له، وبما أنه لدي اهتمامات في العمل مع مسرح الأطفال، سادته ضمن تلك الأسس، فبدأنا نحادثه ضمن مفرداته التي حفظها، فكثرت المفردات وازدادت الجمل والتعابير، ولتتحول إلى زاده الأساسي والمفضل، وفي سنه الصغير لم يكن يفكر بالأكل بقدر اهتمامه بالمحادثة والتكلم بالفصحى».
وتابع السيد "مصطفى الأحمد" قائلاً: «المفاجأة كانت في تجوالنا بالأسواق والحي وأثناء الزيارات، فكان يتحدث معنا باللغة العربية الفصحى، وإذا بالدهشة والذهول يصيب الأهالي فكانوا يتكاثرون حوله لمعرفة وسماع ما يفعله ويقوم به، وليرسم بعدها "محمّد" حالة فريدة في كل مكان حيث فرض على الجميع محادثته باللغة الوحيدة التي أتقنها ولا يعرف غيرها، ويقوم بدور رائع جداً من خلال ذلك، فباتت رسالته التي حملها في كل منزل وحي وشارع وعلى كل لسان، وشقيقته سارت على نهجه وطريقته، وهي تقوم بتمثيل أدوار مسرحية من تلقاء نفسها ومن مخيلتها بالفصحى، والآن يرغب بهما كوادر الأنشطة الطليعية في المدينة ليشاركان في المناسبات الطليعية، وهي أمنيتي أن يمثلا مدينتهما ووطنهما خير تمثيل وفي جميع المحافل».
أمّا زميل والدهما السيد "محمد أمين عمر" فقد تحدّث عن ذلك قائلاً: «أغلب زياراتنا له، والتي تكون بشكل مستمر للاستماع والتحدث مع الطفلين، وهما يقدمان مسرحيات وإبداعات لغوية ونحوية لدرجة تستحق الوقوف بانحناء أمام تألقهما، والواجب تقديم الثناء لوالديهما، وربما تكون رسالة مشرقة لباقي البراعم».
وكان لمدير "أبو بكر الصديق" السيد "ذياب العبد الله" كلمة حيث قال: «بداية الشكر لمن ضاعف جهده وحرصه على تنشئة هؤلاء الأطفال على حب وإتقان اللغة العربية الفصحى، وهو ما استدعى المثابرة والتشجيع المضاعف، ودوّنت بذلك تلك الظاهرة الحضارية أسمى المعاني الراقية والسامية لتوجيهات وزارة التربية في الحفاظ على سلامة اللغة والارتقاء بها، وهي تتماشى مع الخطة اليومية والشهرية لجميع المنشآت التربوية، والتلميذ "محمد" نشر رسالة في غاية الأهمية بين التلاميذ، وبذلك قررنا تكليفه أحياناً بالإذاعة المدرسية لنفعل تلك الظاهرة التي يحملها بكفاءة في وجدانه ومخيلته».