النحلة السورية نحلة متألقة، جملية المنظر، تتصف برشاقتها و حيويتها العالية، ولعل من الأمور الملفتة للنظر عنادها في بلوغ طلبها من الرحيق فهي تطير لمسافات بعيدة سعياً ورائه، كما تتميز بأنها تدافع عن مسكنها بقوة، ولا تمكن أعدائها الحيويين من سرقة عسلها أو حتى من الدخول إلى بيتها.
تناولت العديد من الأبحاث النحلة السورية، وقد تباينت في مستوى دقتها وعلميتها، ومع أن الدراسات على النحلة السورية قد بدأت منذ السبعينات والثمانينات القرن العشرين، إلا أن النحلة السورية كثيراً ما أصيبت بالغبن، وتأتي اليوم العديد من الأبحاث لتصحح المفاهيم الخاطئة التي سوقت عن هذه السلالة من النحل، ومنها دراسة للباحث السوري "محمد البراقي" بعنوان "دراسة التنوع الحيوي والوراثي لسلالة نحل العسل السوري باستخدام طرق جزيئية " يجريها في "فرنسا" في جامعة "باريس السادسة"، تحضيرأ لتحصيل درجة الدكتوراه.
تفضل النحلة السورية المراعي الموجودة في سورية عموماً مثل "يانسون، حمضيات، عباد الشمس، القطن، حبة البركة، زهر البري، أشواك، اللوزيات"
موقع "esyria" التقى الأستاذ "البراقي" بتاريخ 25/9/2010، والذي تحدث عن بحثه بالقول: «إن هدف هذه الدراسة هو إجراء عملية مسح وتقييم للواقع الحالي للقاعدة الوراثية للنحل الموجودة لدينا في سورية، ومعرفة فيما إذا كان النحل السوري قد تدهور وراثياً، كما نسعى من خلال هذه الدراسة إلى إنشاء محميات وراثية لسلالة النحل السوري، أي المحافظة على أصل وراثي موجود في بلدنا، وتوثيقه خوفاً عليه من السرقة في عصر انتشرت فيه القرصنة البيولوجية وسرقة الأصول الوراثية».
وأشار "البراقي" إلى أسباب اختياره للـ"نحلة السورية" موضوعاً لبحثه بالقول: «تتنوع سلالات نحل العسل في العالم لتصل إلى /26/ سلالة، وسلالة النحل السورية إحداها، وإن كان من الصعوبة بمكان أن نقول أن سلالة بعينها هي الأفضل، إلا أن ما لاشك فيه أن كل سلالة تتفوق في منطقتها، لأنها تكون الأكثر تأقلماً مع الظروف البيئية المحلية، والأكثر قدرة على مقاومة الأمراض، والتصدي للمفترسات المنتشرة في المنطقة، وسلالة النحلة السورية هي المنتشرة في كل أراضي سورية الطبيعية، وهي نحلة متميزة جداً، الأمر الذي دفعني لدراستها».
وخلافأ لما يشاع عن سلالة النحل السوري بأنه من أشرس أنواع النحل في العالم، وضح الباحث " البراقي" مفهوم الشراسة الذي لا يحبذ أن توصف به سلالة النحل السوري مفسراً ذلك بقوله: «الشراسة مفهوم نسبي، كما أن الحكم على سلالة ما بأنها شرسة يعني أن نحل هذه السلالة قد يلسع الإنسان حتى لو لم يقدم هذا الأخير على إيذاء الخلية، كـ"النحل الإفريقي" مثلاً، الذي يطاردك لعدة أمتار بعد ابتعادك عن مسكنه، أما "النحل السوري" فلا يمكن اعتباره - بهذا المعنى – نحلاً شرساً إنما مدافع جيد عن مسكنه، فهو يقوم بالطيران حول خليته ولا يلسع إلا عند الاقتراب من المسكن».
يرى "البراقي" أن ما يسميه البعض شراسة عند النحل السوري هو صفة تكيفية مع البيئة التي يعيش فيها، ويوضح ذلك بقوله: «إن الظروف البيئية التي تعيش فيها النحلة السورية لايمكن لنحلة أخرى أن تعيش فيها، فهي ظروف صحراوية، ظروف جفاف وحرارة عالية، فعموماً هي أفضل سلالة يمكنها التأقلم هنا، وقد بينت التجربة أن خلية النحل الإيطالي- وهي سلالة نحل عسل معروفة بهدوئها الشديد- يمكن أن يتحول سلوكها لشرس عند تعرضها لظروف قاسية أو جوع ونقص في المرعى، فمثلاً نحن في منحلنا في "كلية الزراعة بدمشق" والذي يحوي نحلاً سورياً، نقوم بفحص الخلايا دون كفوف أو قناع واقي، في وقت توافر المرعى والطقس المعتدل، ولا نتعرض للسع، لذا نسعى جاهدين لتغيير هذه السمعة المنتشرة في العالم».
على الرغم من أن صفة هدوء سلالة النحل صفة مرغوبة لدى النحالين، لأنها تسهل عملية جمع العسل من الخلية، إلا أن لتلك المقدرة لسلالة النحل السوري في الدفاع عن مسكنها قيمة اقتصادية أيضاً، حدثنا عنها "البراقي" بقوله: «مفترسات النحل من العوامل التي تسبب انخفاض إنتاجية الخلية من العسل والمنتجات الأخرى، ومن أهم هذه المفترسات الدبور الشرقي المنتشر في منطقتنا بكثرة، ولا تستطيع أي نحلة سوى النحلة السورية أن تقاومه، وقد رأينا بالتجريب كيف عجز النحل الإيطالي عن مقاومة الدبور الشرقي الذي دخل مسكنها وسرق العسل وعاث فساداً في الخلية حتى كاد يقضي عليها»
تبين نتيجة الأبحاث المتتالية في مناطق مختلفة من سورية أن سلالة النحل السوري هي السائدة، يقول "البراقي" :«قمنا باختبار على المستوى الجزيئي والوراثي تبين أن "النحلة السورية" تغطي تماماً سورية الطبيعية، لكن هناك بعض الإدخالات لملكات أجنبيات إلى سورية، ومن خلال التحليل وجدنا بعض بؤر من السلالات الأجنبية لكن بكميات قليلة جداً، أما السيادة النهائية على الأراض السورية فهي للنحلة السورية وبنسبة تصل إلى /85-90%/».
الدكتور "علي البراقي" المدرس في "كلية الزراعة - قسم وقاية النبات" - جامعة دمشق، تحدث على أن النحل يتأقلم مع المراعي التي يوجد عندها، ويستطيع استخراج الرحيق منها، ولكنه يفضل عدد من المراعي، وأهمها: «تفضل النحلة السورية المراعي الموجودة في سورية عموماً مثل "يانسون، حمضيات، عباد الشمس، القطن، حبة البركة، زهر البري، أشواك، اللوزيات"».
الجدير بالذكر أن الأستاذ "محمد البراقي" يقوم بـ"دراسة التنوع الحيوي والوراثي لسلالة نحل العسل السوري باستخدام طرق جزيئية" كرسالة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة "باريس السادسة" في "فرنسا"، وقد تخرج الأستاذ "محمد البراقي" عام /2005/ من "كلية الزراعة- قسم وقاية النبات"- جامعة دمشق، وهو الباحث في "هيئة التقانة الحيوية" التابعة لـ"وزارة التعليم العالي"، نال الماجستير من "جامعة باريس السادسة" في "فرنسا".