تجدها في كل شارع وحي، يصفها البعض بالمؤذية صحياً واجتماعياً، تساهم في خلق معارك حامية الوطيس، لمالكيها قوانين وطقوس وعادات خاصة، تغنى بها الشعراء وكتب عنها الكتَاب، ونالت نصيباً من الموروث الشعبي "الفراتي"، إنها ظاهرة تربية وكش "الحمام".
والتي كان لموقع eDeiralzor هذه الوقفة مع مربي هذه الطيور وبعض المختصين بشؤونها، للولوج في هذا العالم الغريب بقوانينه وعاداته.
من أهم الأسباب التي ساهمت بوصفنا بـ"الزعران"، غياب التنظيم النقابي الخاص بنا، أسوة بنقابة مربي الدواجن على سبيل المثال، لأن وجود النقابة يساعد على معاقبة المسيء لهذه الهواية
كانت البداية مع عدد من "الحميماتية"، حيث تحدث "رامي المحمد" قائلاً: «ولعت منذ صغري بتربية "الحمام"، والذي كنت أجالسه مع أبناء جيراني، أما اليوم فأنني أمضي أغلب وقتي على سطح منزلي، لأقوم برعايته والاهتمام بصحته، كما أنني أشعر بسعادة كبيرة وأنا أشاهده يحلق في السماء، وينصاع للأوامر عندما أطلب منه التحليق أو العودة إلى "القن"».
المربي "حسن الصالح" حدثنا عن كيفية التعامل مع الحمام قائلاً: «لمربي الحمام حركات وإشارات وأساليب وأصوات خاصة، كونت جميعها مع مرور الأيام لغة خاصة، وهي لغة لا يفهمها إلا من يتقنها. وللكشاشين قوانين وإشارات متعارف عليها بين مربي هذه الطيور، فعلى سبيل المثال هناك إشارات خاصة بالصيد أو "الصلح"، كما توجد قوانين لـ"فك" الحمام الذي تم اصطياده من قبل "حميماتي" آخر، كأن يأتي صاحب الطير الأصلي لفك طيره مقابل مبلغ من المال، أو يتم تسليمه إلى صاحبه دون مقابل إذا كان بينهما معاهدة صلح».
أما فيما يخص تغذية الحمام ومسكنها فذكرها السيد "إياد الصكر" وهو الذي يربي الحمام بقصد المتعة، حسب قوله، قال: «يحتاج "الحمام" إلى عناية خاصة من ناحية النظافة والطعام، ويتم تغذيته بالحبوب كـ"القمح" و"الذرة الصفراء" و"الدخن" و"الجلبان"، كما نضع له الماء في وعاء خاص لضمان عدم تسربه في "القن" وإصابة الطيور بالأمراض الناتجة عن الرطوبة، كما يوجد لدى كل مربي صيدلية خاصة به تحتوي على حبوب وفيتامينات وغيرها».
وعن أقسام منزل الحمام "القن" قال: «يختلف تصميمه من شخص إلى آخر بحسب إمكاناته المادية، فالبعض يصممه من الشِباك والبعض من الخشب والقسم الآخر يقوم ببنائه من الاسمنت، ويوجد على سطح "القن" عادة شَبَكْ يسمى "سقلب"، يستفاد منه في عمليات الصيد، ويجب تقسيم "القن" إلى عدة أقسام، حيث يخصص قسم للطيور القوية، وقسم للطيور الجديدة، وقسم آخر للتفقيس، ويجب أن يتوافر في جميع أقسام "القن" عدة عوامل لضمان سلامة الطيور، كالإنارة الجيدة والتهوية السليمة وأماكن للوقوف على شكل السلم».
ترافق "الحميماتي" سمعة ليست حسنة كما تعارف عليها المجتمع، ولكن هل هنالك سبب وجيه لذلك؟ يجيبنا مربي الحمام "محمود السالم" بقوله: «من أهم الأسباب التي ساهمت بوصفنا بـ"الزعران"، غياب التنظيم النقابي الخاص بنا، أسوة بنقابة مربي الدواجن على سبيل المثال، لأن وجود النقابة يساعد على معاقبة المسيء لهذه الهواية».
ويضيف: «لا بد من الإشارة إلى أن ليس جميع مربي الحمام كما يعتقد البعض، فهنالك الكثير منهم يحترمون جيرانهم وأبناء حيهم، خاصة أن البعض من هؤلاء المربين يحملون شهادات جامعية، فيوجد الكثير من الأطباء والمهندسين في المحافظة من يهوى تربية الحمام، ويمارس هذه الهواية بكل احترام».
الباحث الاجتماعي والصحفي "رائد النقشبندي" حدثنا عن طقوس وانتشار هذه الظاهرة في المحافظة قائلاً: «تعد مدينة "ديرالزور" من أكثر المدن السورية التي تنتشر فيها تربية "الحمام"، بحيث لا يكاد يخلو شارع أو حي من مرب واحد على الأقل، وتعد من أكثر الهوايات ممارسة في المحافظة، بعد المقاهي، يمضي أصحاب هذه الهواية أغلب أوقاتهم على أسطح المنازل، للاعتناء بهذه الطيور، ومراقبتها وهي تطير في السماء، إضافة لانتظار الفرصة المناسبة لاقتناص فريسته من الأسراب "الكشات" الأخرى، وهذا الأمر يساهم في نشوب الخلافات بين مربي هذه الطيور، وقد تصل هذه الخلافات في بعض الأحيان إلى إزهاق الأرواح».
ويرى أن من العادات السيئة التي تؤخذ على "الحميماتية"، أنه يعتبر مصدر إزعاج يومياً لمجاوره، فصوت التصفير العالي، وقذف الطيور بالحجارة وقطع الخشب وبعض المواد الغذائية، لجعلها تحلق عالياً في السماء مدة أطول، ويتابع حديثه، فيقول: «كل هذه الأمور جعلت المجتمع ينبذه ولا يحب مجاورته أو حتى السلام عليه في بعض الأحيان، وهذا الأمر لا يمكن وسمه لجميع مربي هذه الطيور، فالبعض منهم لا يزال يتعامل مع هذه العادة عند حدود الهواية، فلا يزعج مجاوره ولا يتعدى على طيور غيره».
ويتابع "النقشبندي" حديثه قائلاً: «ذكر "الحمام" في الأمثال "الديرية" كثيراً ومنها /مثل الحمامة/ يقال للمرأة النظيفة والوديعة، /حمامة وطارت/ و/قلبه قلب الحمامة/، /للطير وما قسم/، كما جاء ذكرها في الموروث "الفراتي" في قصة "الطير الأخضر"، حيث يقال إن زوجة أب ذبحت ابن زوجها وألقت عظامه في حديقة المنزل، فجمعت أخته عظامه وأخفتها، وبعد فترة تحولت العظام إلى طائر أخضر يطير في ساحة المنزل ويردد "أغرودة" فضحت جريمة زوجة الأب».
كما التقينا المحامي "قصي الأشرم" الذي حدثنا عن رأي القانون بـ"الحميماتي" قائلاً: «لم يتطرق القانون بشكل خاص إلى معاقبة "الحميماتي" أو اقتناء "الحمام الزاجل" بقصد التطيير، ولم ينص على عقوبة خاصة بذلك، فيما عدا اقتناء "الحمام الزاجل" بأغراض الاتصالات. ولعل أهم أسباب عدم وجود تشريع خاص يجرم المربي، يعود لعدم انتشار هذه الظاهرة سابقاً بهذا الشكل الكبير، إلا أن المشرع عاقب "الحمائمي" في بعض الأحيان عندما يخالف التعليمات الصادرة من جهة الإدارة، إذ كثيراً ما تصدر تعليمات بمنع تربية الحمام وتطييره، كما حدث منذ فترة أثناء انتشار مرض انفلونزا الطيور، إذ أصدرت الجهات العامة قراراً بمنع التطيير تجنباً للإصابة، كما يعاقب القانون "الحميماتي" على بعض الأفعال التي يقوم بها أثناء تطيير الحمام كالضوضاء والصراخ والصفير وقذف الجوار بالأخشاب أو الحجارة أو...، كما لابد من توضيح مسألة عدم قبول شهادة "الحميماتي" في المحاكم، والتأكيد بأن هذا الكلام شائع ولا أساس له من الصحة».
كما كان للموقع لقاء مع المواطن "أحمد الطه" والذي سألناه عن رأيه في هذه الظاهرة فقال: «ظاهرة مزعجة للجميع، وتساهم في انتشار الخلافات والعداوات بين الناس وبشكل خاص بين المربين، الذين كثيراً ما يختلفون على طائر لا تتجاوز قيمته 500 ليرة، كما أن المظاهر التي ترافق عمليات التطيير، جميعها تشكل مصدر إزعاج للآخرين».
ختاماً هذه المتفرقات عن الحمام:
أكثر الطيور غلاء تكون مخلصة، وتعرف طريق العودة إلى قنها.
تتراوح قيمة الحمامة ما بين الـ 100 ليرة إلى 300 ألف ليرة.
تستوحى أسماء الحمام من شكلها ولونها.
"للحميماتية" مقاهٍ خاصة.