"رنكوس" رقعة صغيرة من ريفنا الجبلي القلموني، تمتاز بطبيعتها الجبلية الجميلة وبساطة أهلها والزحف العمراني الجديد فيها. إنها من المناطق القلمونية الجميلة والتي تتمتع بمزايا سياحية وخدمية جيدة.

خلال جولتنا في مزارع وبساتين منطقة "رنكوس" كان لنا لقاء مع الأستاذ "محمود بعيون" رئيس المركز الثقافي فيها ليحدثنا عن موقع هذه البلدة فيقول: «تقع بلدة "رنكوس" إلى الشمال من مدينة "دمشق" حيث تبعد عنها حوالي ثمانية وثلاثين كيلومتراً وهي تقبع على السفح الشرقي لسلسلة جبال "القلمون" الأولى في معقل جبلي يرتفع /16650/ م عن سطح البحر وتحديداً في سفح جبل "آديس" الفاصل بين هضاب "صيدنايا" وهضبة "عسال الورد". تنتشر بيوتها على ثلاث هضاب ذوات تربة طباشيرية حوارية في بطن هذا الجبل المقابل لأشعة الشمس».

تعتبر "رنكوس" مركز ناحية حيث تتبع إدارياً إلى منطقة "التل" ويتبعها إدارياً كثير من القرى مثل قرية "القباضة"، الجرنية" ومزارع كثيرة نذكر منها "المعمورة"، "عمرستا"، "قرفلة" وسهل "البخاصة" ووادي الفستق وغيرها من المزارع الكثيرة في شمال وجنوب البلدة

يتابع "بعيون" حديثه وهو يقدم لنا بعضاً من القهوة المرة التي تتوفر عادة في مضافات القرى القلمونية: «تعتبر أراضي "رنكوس" من أوسع أراضي منطقة "التل" ويظهر ذلك واضحاً من خلال حدودها مع أراضي البلدات المجاورة لها وتبلغ مساحتها الإجمالية /22277/ هكتاراً. يحدها من الشمال سلسلة جبال "لبنان" الشرقية، ومن الشرق أراضي بلدة "عسال الورد"، "حوش عرب"، قرية "عكوبر" و"التواني"، ومن الغرب أراضي بلدة "صيدنايا"، "تلفيتا" ومنطقة "الزبداني"، أما من الجنوب فيحدها بلدة "بدا" وأراضي بلدة "صيدنايا"».

كهوف رنكوس

يضيف: «تعتبر "رنكوس" مركز ناحية حيث تتبع إدارياً إلى منطقة "التل" ويتبعها إدارياً كثير من القرى مثل قرية "القباضة"، الجرنية" ومزارع كثيرة نذكر منها "المعمورة"، "عمرستا"، "قرفلة" وسهل "البخاصة" ووادي الفستق وغيرها من المزارع الكثيرة في شمال وجنوب البلدة».

أما عن الأنهار والينابيع في "رنكوس" يقول "بعيون": «يوجد في "رنكوس" وفي مزرعة "الخشعة" تحديداً نهر موسمي يسمى نهر "الكذاب" يظهر من قلب مغارة مشكلاً مجرى مائياً نهرياً يخترق بعض أراضي البلدة الشمالية، يتغذى هذا النهر من الثلوج الهاطلة على سفوح جبال "لبنان الشرقية"، وتزداد غزارته مع بداية فصل الربيع ويستمر لمدة أربعة أشهر لتنخفض غزارته بعد ذلك، وكما يضعف مجراه بشكل تدريجي لينقطع ويبقى على شكل عين ضمن هذه المغارة».

محمود بعيون

يتابع حديثه: «أما الينابيع، ففي "رنكوس" العديد من الينابيع العذبة التي تتدفق مياهها على شكل جداول تخترق أراضي البلدة وأراضي البلدات المجاورة ومعظمها دائم الجريان. من أهم هذه الينابيع نبع "عين الدبة" ويوجد في مزرعة "درة" حيث تصل غزارته عند المنبع 1.5 سم3/ثا في فصل الشتاء، وتنخفض بشكل تدريجي إلى ما يقارب 0.2 سم3/ثا في فصل الصيف. كما تخترق مياه هذا النبع أراضي بلدة "الحوش" المجاورة للبلدة. أما نبع "عين الشعرة" فكان هذا النهر يشكل المنهل الرئيسي لتغذية أهالي البلدة بمياه الشرب حتى الخمسينيات من القرن الماضي، ويستغل اليوم محلياً من قبل أهالي المزرعة لعجزه عن سد حاجة أهالي البلدة المتزايدة للمياه. وهناك نبع آخر يسمى نبع "رأس العين" حيث ينبع من أراضي البلدة ويجري في أراضي بلدة "عسال الورد" المجاورة لبلدة "رنكوس"، ولكن بنتيجة الجفاف الذي أصاب المنطقة خلال السنوات الأخيرة تعرض هذا النبع للجفاف نهائياً. كما هناك في مزرعة "سبنا" ثلاثة ينابيع تخدم أهالي البلدة حالياً بمياه الشرب وهي نبع "الوردة"، "حل جرابك" و"الحراذين"، تصل غزارة هذه الينابيع إلى ما يقارب 0.8 سم3/ثا مع بداية الربيع وتنخفض إلى حدود 0.2 سم3/ثا في فصل الصيف».

"رنكوس" من المناطق القلمونية التي تكثر فيها النباتات الطبيعية والحيوانات البرية عنها يحدثنا السيد "أحمد رنكوسي" من أهالي المنطقة حيث التقينا به في إحدى المزارع: «من أهم النباتات الطبيعية المنتشرة في المنطقة "الشيح"، القرام"، "العيصلان"، "الزلوع"، "النوال" و"شقائق النعمان" وغيرها الكثير من النباتات البرية. أما بالنسبة للأنواع الشجرية التي تلاحظ بنسب أقل من النباتات فأغلبها "الزعرور الري" و"الإجاص البري" و"العرعر". وفيما يخص الحيوانات البرية فمنطقة "رنكوس" كانت ناحية غنية بحيواناتها البرية نتيجة لكثافة غطائها النباتي وانتشاره على مساحات واسعة في أراضي الناحية الشمالية وخاصة بين غابات اللوز والزعرور واللزاب البري الجاذبة لمختلف أنواع الحيوانات والطيور البرية».

مزارع رنكوس

يتابع "رنكوسي": «نتيجة تدهور هذا الغطاء النباتي وحملات الصيد العشوائية والكثيفة التي كان يقوم بها أهالي المنطقة تراجعت أعداد الحيوانات بكثرة وانقرضت بعضها وما زالت في تناقص مستمر. وأهم الحيوانات الموجودة فيها هي الحيوانات المفترسة "الذئاب" و"الضباع"، حيث تتواجد في المناطق الشمالية والوعرة من الناحية وخاصة في المناطق الحدودية القريبة لجبال "لبنان الشرقية" ولكنها تشاهد بقلة وهي في انقراض وتناقص مستمر. كما ينتشر فيها "الثعالب"، "الأرانب"، "الحجل"، السنونو" إضافة إلى بعض أنواع "الصقور" والطيور الموسمية».

جولتنا في "رنكوس" كانت طويلة. حيث بدأنا بالمركز الثقافي ومررنا بالمزارع والكهوف ورست بنا الشمس في نهاية المطاف إلى جانب السيد والمعمر "محمد أحمد" مزارع في هذه البلدة ليحدثنا في نهاية جولتنا عن سبب تسمية "رنكوس" بهذا الاسم: «هناك آراء متعددة حول أصل التسمية، فمنهم من يقول أنه يعني منطقة السيول أو الأرض الرمادية اللون والقادم إليها من جهة الجنوب يلاحظ ذلك تماماً. وقول آخر يرجع التسمية إلى العصر الروماني حيث حكمها في ذلك العصر ملك اسمه "كؤوس"، فكان عندما يريد جمع الجنود يقوم برن النواقيس التي كانت موجودة في أعلى الدير القديم فيسمع أصواتها كل الموجودين في المنطقة فيقولون "رن كؤوس" أي رن الملك كؤوس النواقيس لجمع الجنود. وقول آخر يرجع سبب التسمية إلى رنين كؤوس الخمر التي كان يُسمع صوتها في الدير لمسافات بعيدة».

أما الباحث التاريخي في منطقة "القلمون" الأستاذ "محمود سمور" فيقول: «"رنكوس" قديمة العهد بدليل وجود أقنية ماء قديمة دثرت وأطلال دير قديم في وسطها، وفي السهل الواقع غرب البلدة توجد آثار كثيرة للإنسان ترجع إلى أزمنة غابرة كالقرى الآرامية والكهوف الصخرية التي استخدمت مساكن للأحياء ومقابر للأموات وأسراب المياه وآبار رومانية ومن تسميات تلك القرى الآرامية الداثرة في هذا السهل والتي جدد الإنسان السكن فيها "عمرستا"، "سعل نور"، "سبنه"، "أورفله" و"سنقاره". وما خلفه الإنسان القديم من شواهد في هذا السهل الذي تحيط به مجموعة من البلدان حالياً مثل "صيدنايا"، "حلبون"، "سرغايا" و"معربون" وغيرها يرجع إلى العصر البيزنطي والروماني وبعضها إلى العهد الهلينستي، وأخرى ترجع إلى العصور الحجرية وعصور ما قبل التاريخ. مما يدل على تواتر حياة الإنسان فوق هذه البقعة من أرض "القلمون" منذ الحقبات التاريخية الأولى لوجوده وحتى الآن».