إّنها آلة الربابة، صاحبة المكانة العظيمة في ما يُعرف بالتراث البدوي، سامرت ليالي البادية منذ القديم، لتحول صمت الصحراء العظيم إلى سهرات أنسٍ وطرب، عابقة بأجمل معاني الشعر والألحان الموسيقية.

تجتمع حولها مختلف الأجيال لتستمع إلى ما يجود به الشاعر من مدحٍ وذم وتغنٍّ بالأمجاد الماضية، ورواية مختلف قصص الحب بطريقة شعرية تتناغم مع ألحان الربابة العذبة. إنها أكثر من آلة موسيقية، إنها ركن من أركان التراث تتوارثها الأجيال عبر العصور لتروي، حكايات ترفض أن تندثر. ومن أجل سماع هذه الحكايات موقع eHoms التقى بتاريخ 16/10/2008 عازف الربابة المتميز في "تدمر" وهو السيد "أحمد الساير" ليروي لنا حكاية ولعه بهذه الآلة وتفاصيل نجهلها عنها.

الربابة جزء أساسي من تراث هذه المنطقة، والهام في هذا أن لا يضيع تراث منطقتنا، فعلينا أن نتمسك بهذا التراث ولا نتخلى عنه، وبإذن الله لن تنقرض هذه الآلة من التراث البدوي لأنها من عمقه ومتأصلة فيه

في البداية عرّفنا السيد أحمد بآلة الربابة فقال: «الربابة هي من أقدم الآلات الموسيقية، وتتألف من الخشب والجلد ومن شعر الخيل، والجلد يجب أن يكون جلد ماعز ولكن يُفضّل أن يكون جلد ذئب أو وحش بري لأن هذا الجلد يعطي عذوبة أكثر للألحان التي تخرج من الربابة، ونضع أيضاً مادة خاصة مع شعر الخيل حتى تقوم بحمايته من السخونة التي يتسبب بها العزف والاحتكاك المتواصل بين الشعر».

ويضيف قائلاً: «والربابة عموماً نوع واحد ولا تختلف ربابة عن أخرى إلا بجودة الشاعر، وتقوم الربابة بالعزف لمختلف الألحان. وكان الشعراء في التاريخ يقصدون الملوك وشيوخ القبائل من أجل التغنّي بهم، وكان الملوك يخافون الشعراء، لأن الشاعر لا يخاف من هجاء أو ذم الملوك أيضاً فالشاعر لا يُقصر أبداً».

وعن علاقته الشخصية بالربابة يتابع السيد "أحمد": «أهل البادية عموماً متعلّقين جداً بهذه الآلة، وبالنسبة لي فأنا تعلّمتها في وقت مبكر، وما زلت أعزف الربابة حتى الآن منذ حوالي الخمسين سنة تقريباً. ورغم كون والدي شاعراً فقد منعني من أن أتعلمها وقد جرى أن كسر لي هذه الآلة عدة مرّات، ولكنني واصلت التعلم والعزف وما زلت حتى الآن، وأنا أعلم أولادي عليها الآن. فالربابة آلة حنونة إلى حدٍّ بعيد، ولكنها في الوقت نفسه (لئيمة) فهي تستطيع التلاعب على المشاعر والأحاسيس بصورة قوية جداً، وهذا سر تعلّقي بها وعدم عزوفي عنها».

وعن المقامات والألحان التي تعطيها الربابة يقول: «الربابة آلة لها وتر واحد يعطي كل الألوان، ولكن هذا كلّه مردود إلى هدف قلب الشاعر واللون الذي يريد العزف عليه. فهناك عدة ألوان مثل اللون البدوي واللون الحضري، وهناك اللون التدمري المختص بالتراث الذي يتغنى به أهل "تدمر"، ومن ضمنه الميجانا والعتابا التي هي أصل التراث الموسيقي وأبو الزلف والمشعل والسكابا وهذه جميعها ألوان تدمرية تغنّى بها التدمرين منذ القدم، وقد لا تكون هذه الألحان قد خرجت من "تدمر"، ولكن التدمريون من خلال رحلاتهم نقلوها إلى "تدمر" وأصبحت جزء من تراث هذه المدينة، فأخذوها وجادوا بها بخبرتهم الموسيقية، فالتراث ليس حكراً على أحد».

وعن انتقال التراث من منطقة إلى أخرى وتفاعل التراث التدمري مع غيره أخبرنا السيد أحمد فقال: «كان أهل "تدمر" قديماً يسافرون على الجمال إلى العراق بقصد التجارة، وهناك كانوا يقومون بالعزف على الربابة وينقلون التراث الموسيقي إلى تلك البلاد، وحين عودتهم ينقلون التراث العراقي. والربابة عموماً هي من التراث البدوي، وأول من عزف عليها هم البدو، وسبب انتشارها هو الحنان الذي تعطيه والألوان المختلفة التي تقدمها رغم كونها وتر واحد فقط. فأنا عندما أعزف على الربابة تنفتح أمامي أبواب كثيرة، و(يسرح) خيالي إلى أماكن مجهولة فأجود بالعزف، فالآلة عندما تجود عليَّ يجب أن أجود عليها أيضاً، والشاعر الجيد يعتمد على كلماته المركّزة وعلى صوته الدافق وعلى عزفه الجيد ووفرة المشاعر التي يقدمها، المتناغمة مع ألحان الربابة».

وفي النهاية ختم السيد "أحمد" حديثه عن الربابة فقال: «الربابة جزء أساسي من تراث هذه المنطقة، والهام في هذا أن لا يضيع تراث منطقتنا، فعلينا أن نتمسك بهذا التراث ولا نتخلى عنه، وبإذن الله لن تنقرض هذه الآلة من التراث البدوي لأنها من عمقه ومتأصلة فيه».