لحظة ملهمة في ظروف صعبة عاشها الجريح "سامي ملحم"، كانت كفيلة بتهيئة ظروف جديدة وتحدي اليأس لتحرير مشاعر تلك اللحظة وتحويلها لفكرة تجسدت واقعياً بمشروع في محافظة طرطوس سمي لاحقا "نادي الجرحى".
من الفكرة
الفكرة التي أطلقها الجريح في تلك اللحظات العصيبة، كانت كفيلة بتغيير واقعه بل وحياة كثيرين غيره ممن بات عاجزاً عن الحركة أو فقد البصر أو فقد طرفاً من أطرافه خلال سنوات الحرب.
من وجهة نظر الجريح "سامي ملحم" وهو مؤسس "نادي الجرحى" والذي أصبح جزءاً من أنشطة مشروع جريح وطن لاحقاً، فإنه عندما يشعر الإنسان بالعجر يفقد كل شيء، ولكن في لحظة إرادة قد يتغير هذا العجز ويتحول لأمل يواجه الظروف ويتحدى الألم، كما حدث معه بعد عام ونصف من إصابته، إذ تغيرت حياته بعد أن اعتاد على رائحة المعقمات والأدوية العلاجية ضمن جدران غرفته الصغيرة، وهو لا يبعد عن البحر سوى عدة أمتار لكنه لم يكن قادراً على زيارته.
شعور الأمل الجديد فكرة تجسدت مع الجريح "سامي" بعد خروجه من تلك الجدران الإسمنتية لشاطئ البحر، فبات شخصاً مختلفاً له نظرته المختلفة للحياة من جديد، فنقلها إلى جريح آخر ثم لآخرين بهدف إخراجهم من حياتهم التي اعتادوا عليها بفعل إصاباتهم البليغة.
يقول "سامي": "البعض عاند الفكرة في البداية وسخر منها كونها ستخرجه من المنزل فيراه الناس بوضعه الجديد، والبعض قبلها بتعطش وكأنه كان ينتظرها، ولكن المفارقة أن من عاندها عاد وآمن بها وأصبح من أهم الفاعلين بتطبيقها في كل نشاط ومناسبة".
نقطة تحول
باكورة أنشطة النادي كانت الإعلان عن رحلة ترفيهية للجرحى، ولأن المهمة لم تكن بالأمر السهل كما توقع الجريح "سامي"، وخاصة مع وجود حالات العجز التام وفاقدي الأطراف ضمن المشاركين والمؤمنين بالفكرة، فقد بدأ التنسيق مع الجهات الرسمية من أمانة المحافظة ومنظمة الهلال الأحمر لتأمين وسائل النقل مع الكوادر البشرية المؤهلة للتعامل مع هذه الحالات الصحية الحرجة، وفعلاً كان التنسيق عالٍ وعلى قدر أهمية الفكرة.
ولكن المفاجأة كانت عندما بدأ الجرحى بحسب حديث "سامي" يتعاونون بشكل كبير مع الكوادر البشرية المساعدة والمتطوعين من رفاقهم الشباب، ويطلقون كلمات المزاح للتخفيف عنهم خلال عمليات نقلهم حملاً وصولاً إلى السيارات أو إلى مكان الحفلة الترفيهية في أحد المطاعم الشعبية، حيث أصبحت الفكرة مشروع حياة مختلفة للجرحى.
الألم يصنع الأمل
الجريح "محمد قزيحة" الذي استشهد لاحقاً، كان يجد صعوبة في دخول أي شخص لغرفته الخاصة خلال فترة علاجه ونقاهته باستثناء والدته فقط، التي أنهكها الألم على حال ولدها الذي بات فاقداً للأمل بالحياة، وكان يرفض الخروج على كرسيه المتحرك خارج غرفته الصغيرة، وهذه الحالة من الحالات التي تحتسب لنجاحات فكرة النادي بحسب الجريح "سامي".
يشير "سامي" إلى أنه في البداية رفض "قزيحة" الحديث معه أو رؤيته، ولكن مع الوقت بدأ "قزيحة" يتقبل الفكرة، وهنا كانت البداية لتوضيح فكرة الرحلة الترفيهية مع باقي الرفاق الجرحى.
يضيف "سامي": "النقاش لم يكن سهلاً واستمر لساعات، ولكن النتيجة كانت اقتناع الجريح "قزيحة" بالفكرة وتجربة الخروج خارج جدران غرفته الصغيرة ومن ثم الخروج بالرحلة الترفيهية".
تفاصيل حياة الكثير من الجرحى تغيرت بعد أول رحلة ترفيهية شاركوا فيها من خلال النادي، كما يقول "سامي"، لدرجة أن البعض أصبحوا متطوعين ملهمين للأفكار ولأهداف المشروع كما هو حال الجريح "محمد ميا" الذي شارك متنقلاً مع سريره نتيجة تركيب مفصل ورك في أول رحلة ترفيهية له مع النادي.
وتتالت مشاركات الجريح "ميا" مع النادي، الذي غير حسب وصفه، نظام حياته لدرجة أنه قرر أن يكون جزءاً من النادي رغم صعوبة تنقله لحساسية عمله الجراحي ووضعه الصحي، ولعل هذا كان ملهماً له ليقدم على الزواج ويؤسس أسرته الخاصة، وتصبح زوجته الممرضة أيضاً من متطوعي النادي.
بدوره يرى الجريح "علي إبراهيم" المتطوع في "نادي الجرحى" أن قيمة الترفيه النفسي توازي قيمة العلاج الجسدي بالنسبة لأي مريض، ناهيك عن أن الجريح في كثير من اللحظات يفقد الأمل بكل شيء، وتكمن قيمة العطاء عندما يكون المتطوع جريح حرب أيضاً، ولكن إصابته كانت بسيطة ولم تقف أمام تقديم المساعدة الجسدية لجريح آخر.
ويختم بالقول: "هذا الفرط في العطاء يحتسب أيضاً لصالح النجاحات التي بات النادي يحققها، وينشر الفرح والأمل لدى الجرحى من مختلف المناطق والمحافظات"