يشهد الجميع في الوسط الرياضي بعلو وتفوق رياضة الملاكمة الحلبية، من خلال أبطالها السابقين الذين حققوا الكثير من البطولات وذاع صيتهم فوق الحلبات براشقتهم ومهاراتهم، ويعد البطل الراحل "محمد عجم" عراب الملاكمة الحلبية أيام زمان، وله الفضل في نشر تلك اللعبة في المدينة وبين أوساط الشباب وتخريج وتدريب عدد كبير من أبطال المدينة والمنتخبات الوطنية، حيث شهد العقدان الأخيران بروز عدد من الملاكمين ممن حققوا انتصارات عربية وآسيوية مهمة، فيما يحرص القائمون على اللعبة على تشجيع جيل الشباب على ممارستها وتقديم المشورة والدعم اللازم لهم.

الفن النبيل

يصف البطل السابق وأمين سر اللجنة الفنية الحالية للعبة في مدينة "حلب" الكابتن "عبد الحميد المحمد" لعبة الملاكمة برياضة الفن الجميل وذلك بالرغم من شراسة وقوة هذه اللعبة، مضيفاً: مع انتهاء المباراة والجولات يُقبل الخاسر على تهنئة الفائز ويبارك له ويرد الفائز بالمثل ويشد من عزم منافسه الخاسر، الملاكمة ظاهرها توجيه اللكمات المحددة والمسموح بها وغير الضارة، لكن جوهرها رياضي بحت، وكلما شرحنا وعرفنا بهذه اللعبة أكثر ازداد الأقبال على ممارستها، وفي مدينة "حلب" لانبالغ إذا قلنا أنها تأتي في المرتبة الثالثة رياضياً، وهي تعد ركنا مهماً من أركان الرياضة الحلبية، وهناك إقبال كبير من جيل الشباب وطلبة الجامعات على ممارستها لأسباب عديدة، أهمها الحفاظ على اللياقة البدنية والرشاقة وتخليص الجسم من الدهون والأوزان الزائدة.

ويفتح الكابتن "المحمد" في حديثه للمدونة دفتر ذكرياته مع اللعبة ويقول: بالنسبة لي بدأت بممارسة اللعبة في عام 1977 في نادي "فاتح حبوش" على يد المدرب الوطني الراحل "محمد عجم"، ومن بعده دربني الكباتن "عبد الرحيم عباسي ورفيق العلي"، وبجهود ودعم قدمه لنا بوقتها عضو اللجنة التنفيذية السابق بوقتها الكابتن "إبراهيم جعفر" نشطت اللعبة وتطورت، وفي أول ظهور رسمي لي كلاعب أحرزت بطولة الجمهورية لفئة الناشئين وبعدها للشباب، والمركز الأول في بطولة "اللاذقية"، ولعبت للمنتخب الوطني وأنا صغير وبعمر ستة عشر عاماً بوزن ثمانية وأربعين كغ ونلت لقب بطل الجمهورية، وسافرت مع المنتخب الوطني للرجال بمعسكر "بلغاريا"، ولعبت مع البطل العالمي "إسماعيل مستاتوف" وخسرت معه بصعوبة وبفارق ضئيل جداً وهنأني بعد المباراة، وتتالت بعدها المشاركات في دورات "هالي" والحزام الذهبي بـ"رومانيا وألمانيا وأوكرانيا وروسيا وتشيكوسلوفاكيا" ودورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط في "المغرب" عام 1983، وبعد اعتزالي اللعبة اتجهت لمزاولة التدريب ونلت لقب حكم دولي، وشاركت بتحكيم عدة بطولات دولية أقيمت في "أوروبا وآسيا".

الملاكم السابق "رضوان عيسى "يفوز على بطل "بلغاريا" اثناء لعبه لفريق الجيش.

أبطال وبطولات

الملاكمين السابقين "عبد الحميد المحمد - رضوان عيسى - أحمد سعيد - محمد عجم.

ويضيف الكابتن "عبد الحميد": في فترة الثمانينيات ظهر في مدينة "حلب" أبطال مميزون باللعبة مثلوا المنتخبات الوطنية في المحافل العربية والدولية وحققوا انتصارات كبيرة، نذكر منهم "حسين كردية وجمال فرج وعلاء الدين كوسا والراحل غياث طيفور وأحمد وصلاح نكرش ومحمود حمشو" ولاننسى الأيادي البيضاء للمدرب المخضرم "مصباح السعدي" من خلال تدريبه للأبطال وتطوير قدراتهم ومهاراتهم الفردية، وجاء بعده شقيقه "ممدوح مع البطل محمد عبود" حيث لعبوا دوراً مهماً في تطوير اللعبة.

ويختم "المحمد" حديثه بالإشارة إلى أن أغلب إدارات الأندية بالوقت الحالي تتهرب من ممارسة وتنشيط اللعبة بحجج واهية بسبب قلة الموارد وعدم وجود قواعد وصالات ملائمة، مقابل ذلك تحرص اللجنة التنفيذية والفنية، ورغم الظروف الصعبة على بقاء هذه اللعبة حاضرة ومنافسة ولها روادها الذين يعشقونها مع تشجيع جيل الشباب على العودة لها وممارستها وتقديم كل ما يمكن من أدوات ووسائل الدعم من تجهيزات وبطولات ومشاركات وأجور تنقلات.

الملاكم الأولمبي "محمد مليس" بطولات وإنجازات.

دفتر الذكريات

من جهته يسترجع بطل الملاكمة الدولي السابق "رضوان عيسى"- 73 عاماً، ذكريات مشاركاته وانتصاراته وسفراته الطويلة بين دول العالم كلاعب ومدرب لللمنتخب الوطني وفريق "الجيش": بداياتي بدخول رياضة الملاكمة جاءت بالصدفة وبحادثة طريفة من خلال عراكي مع أحد أبناء حارتي، وبوقتها شاهدني المدرب "محمد عبود" وأخذني لنادي "الاتحاد" وعرضني على المدرب "محمد عجم" رحمه الله، والذي أعجب بعضلاتي وأخذ يدربني على التمركز وحركة اليدين واللسع، وأجرى لي اختباراً أمام أحد الذين يدربهم وقال لي بعدها "هذه الرياضة التي تناسبك وسوف تصبح بطلاً فيها"، وبعدها التحقت بنادي "الجيش" المركزي وتدربت تحت إشراف المدرب "سعيد جزائري"، ونلت في عام 1971 لقب بطل الجمهورية بوزن الستين كغ، وأذكر أنني فزت على البطل السابق للوزن "مأمون الراعي"، وبعدها مثلت المنتخب الوطني وفريق الجيش في دورات عديدة أهمها "هالي"، وبطولات العالم المصغرة ودورة الحزام الذهبي بـ"رومانيا" ودورة البحر الأبيض المتوسط بـ"الجزائر" ودورة الصداقة في "بلغاريا" و"روسيا"،

وفزت على بطل "بلغاريا" مرتين، ومرة على بطل "رومانيا"، وفي آخر مشاركة دولية نلت اللقب وكانت عام 1976 وأحرزت فيها ذهبية الدورة العربية الخامسة التي استضافتها "سورية"، وعدت ونلت لقب الجمهورية في عام 1980 واعتزلت بعدها اللعبة نهائياً، واتجهت لاتباع دورة تدريب عالية المستوى في "روسيا"، وأتيحت لي الفرصة لتدريب منتخب "سورية" الأول، وسافرت معهم للمشاركة بدورة أقيمت في "رومانيا".

ويختم "عيسى"حديثه بالقول: لعبة الملاكمة كان لها الكثير من الإنجازات على مستوى مدينة "حلب" ومنها خرج أغلب أبطال الملاكمة للمنتخبات الوطنية وفريق الجيش، والجميع كان يندفع لممارستها لأنها رياضة راقية جداً رغم قسوتها أحياناً، لكنها تتميز بالروح الرياضية العالية، أما الآن فالوضع محزن وغير ملائم لعودة اللعبة لسابق عهدها والأسباب متعددة، وأهمها تجاهل أغلب إدارات الأندية السورية لهذه الرياضة النبيلة بحجج غير مقبولة.

صعوبات وآمال

البطل السابق "أحمد سعيد" 48 عاماً يصف رياضة الملاكمة بالشيقة والممتعة، وله فيها الكثير من الذكريات، أهمها نيله لقب الجمهورية عدة مرات في فئتي الناشئين والشباب، مبيناً أن مدينة "حلب" رائدة بتلك الرياضة وخرّجت الكثير من الأبطال منهم "سعيد أحمد سعيد ومحمد شعيب سعيد ويمان سعيد وإيهم سعيد".

ويستذكر من مدربيه، البطلين "عبد الحميد محمد وأحمد نوح" وأنهما أصحاب الفضل عليه في مسيرته الرياضية. ويفخر بأنه أشرف على تدريب قواعد كثيرة من أهمهم الشهيد "عبد الله شيخ خميس والبطل حميد عبيد"، وعدد كبير من أفراد عائلته آل "سعيد"، لافتاً إلى أن هناك صحوة محدودة لعودة اللعبة لسابق عهدها، ولكن ما يحول دون ذلك غلاء التجهيزات المطلوبة.

ورغم كل المنغصات يبرز البطل الحلبي الدولي الحالي "محمد مليس" كوجه مشرق للملاكمة وهو يتحدث عن تجربته بالقول: بدأت من نادي "شرطة حلب" بإشراف مدربي الراحل "غياث طيفور"، الذي صقل موهبتي وشجعني كثيراً وطلب مني الاستمرار والمواظبة مهما كانت الظروف صعبة، وتمكنت من حصد كم كبير من البطولات والنجاحات المتلاحقة وتمثيل المنتخب الوطني والمشاركة في بطولة العالم في "روسيا" عام 2019، ونيل ذهبية البطولة العربية في "السودان"، ونيل لقب الجمهورية لمدة عشر سنوات، وآخر إنجازاتي حصولي على الميدالية الفضية هذا العام في "الجزائر".

ويختم "مليس" حديثه بالتأكيد على الظلم الذي تعرضت له اللعبة التي لم تأخذ حقها من وسائل الإعلام، فيما يدفع الأبطال من جيوبهم ورؤساء الأندية المحليين لايحبون هذه الرياضة، وكل الإشراقات التي تحدث هي بجهود فردية وبعض المحبين.

ويرى اللاعب أن الحل هو فرض ممارستها والاهتمام ببناء قاعدتها حتى يتم تخريج الأبطال الذين يرفعون أسم البلد في المحافل القارية والعالمية.

تم إجراء اللقاءات والتصوير في "صالة الأسد" الرياضية في "حي الجميلية" بـ "مدينة حلب" بتاريخ الثامن من شهر آب لعام ٢٠٢٣.