العسر المادي الذي وقعت فيه السيدة "حليمة أحمد" منذ عدة سنوات دفعها للاعتماد على ذاتها لإعالة أسرتها وخاصة أعمال الصيانة المنزلية ومنها صيانة الأحذية، لتتحول مهارتها فيها لمهنة كانت حكراً على الرجال، فتحدت صعوباتها وواجهت مخرزها في وقت حافظت على أحاسيس الأمومة وعلى مسؤوليتها تجاه بيتها وأطفالها، فجسدت صورة صادقة عن نجاح المرأة وقدرتها على تجاوز الصعاب.

تحدّي الصّعوبات

البداية كانت من تحدي الصعوبات التي واجهتها في صيانة أحذية أسرتها مع عدم توفر المال ووجود تفاصيل حياتية ومنزلية لها الأولية الأكبر، كتأمين الطعام وأجرة السكن مثلاً، فبدأت بعمليات الإصلاح اليدوية بالإبرة المنزلية والخيط العادي من دون أدنى فكرة عن أسلوب العمل إن كان سينجح أم لا، حيث كانت فكرتها التجريب ثم التجريب للوصول إلى جودة إصلاح تدوم كثيراً، وتمنح الحذاء صلاحية عمل جديدة تستمر قدر الإمكان.

هي كأم لم تتأخر عن واجباتها المنزلية التي ظهرت جلياً بحسن تربيتها لأطفالها ومعاملة الزوج معها

ومع تكرار محاولات الإصلاح ونجاح أغلبها من دون أن تضطر "حليمة أحمد- أم فرج" لترك منزلها وزوجها المريض باعتلال الأعصاب الوراثي، قررت الاستفادة من تجربتها في العمل، وخلق فرصة عمل جديدة مختلفة تماماً عن الطرق التي خاضت بها كفاحاً مريراً بحكم بعدها عن عائلتها بشكل عام، حيث كان أغلبها ناجحاً ولكنه مرحلي من دون استدامة، فالطريق الجديد من وجهة نظرها أكثر تحديداً، صعب ومختلف عن مختلف الطرق السابقة، وأضافت مخرجاته إلى قائمة الأعمال التي قامت بها سابقاً، ومنها العمل الزراعي والعمل المنزلي وفق حديثها الخاص لـ"مدونة وطن".

مصلحة الأحذية حليمة أحمد

تطوّر التّجربة

حليمة وزوجها نزار في المنزل المتواضع

تطورت خبرتها في العمل وباتت أسرع في إنجاز أعمال التصليح بعد أن تمكنت من استئجار كولبة صغيرة على الطريق العام مقابلة بلدية "الشيخ سعد"، فطورت "حليمة" أدواتها ومهارتها وأدخلت إلى شغل الإبرة والمخرز والخيط -التي اعتادت عليها رغم خطورة العمل بهما- المطرقة والسندان الأكثر خطورة وجهداً، حيث يحتاج العمل بهما إلى تركيز عالٍ وحذر، خوفاً من إصابة اليدين بضربة مطرقة أو دخول مسمار بها بلحظة عدم تركيز، حيث تذكر أن مرات عديدة دخل المخرز بيدها خلال خياطة الحذاء بلحظة عدم تركيز، ولم تهتم وقاومت الألم كما الرجال لتنجز العمل وتعود بالمال لأطفالها.

نجاح ومحبّة

تغيرت حياتها بالكامل بعد عملها بصيانة الأحذية، فباتت سيدة نفسها ولا يتحكم بها أي رب عمل كما السابق حين كانت تعمل بالأعمال الزراعية المجهدة، كما حسّنت نوعاً ما من المستوى المعيشي لأسرتها، فدخلها المادي بات يومياً ويقيها الحاجة، ولكن هذا لم ينسها الأيام الكثيرة التي كانت تبيت فيها وأطفالها من دون طعام، ما أنعكس على طبيعة الأسعار التي تتقاضاها جراء عمليات الإصلاح، وهي وفق حديثها لـ"مدونة وطن eSyria" تتحسس الزبائن الراغبين بصيانة أحذيتهم وتقدر أوضاعهم وأهمية إعادة تلك الأحذية للاستخدام مرة جديدة بعد انتهاء العمر الافتراضي لها، وخاصة في ظل الظروف الحالية الصعبة، ما انعكس على طبيعة علاقتها بالزبائن ومحبتهم لإدائها الاجتماعي والعملي، وكذلك بالنسبة لعلاقة المجتمع المحيط في المدرسة والحي بأطفالها والتسامح التام معهم، ما أثّر إيجاباً على عملية تحصيلهم العلمي فباتوا من الطلاب المجتهدين.

الإرادة والتّصميم

وتضيف: «لم أهتم للجهد والتعب العضلي الذي أشعر به يومياً خلال العمل، والذي يزداد كثيراً بعد العودة للمنزل ومتابعة تحضير الطعام وغسل الملابس يدوياً وتسخين المياه على الحطب.. لا يمكن لأي فرد من العائلة مساعدتي فأطفالي صغار وزوجي مريض، وهذا منحني صبراً كبيراً وطاقة تحمل كبيرة للاستمرار بمهنتي التي منحتني حياة جديدة ومختلفة عن السابقة، لذلك أحاول دائماً أن أكون متمكنة ومتقنة لمختلف تفاصيلها ليرتقي الإنجاز النهائي لمحبتي وإخلاصي لها».

ربّة المنزل

عملها بإصلاح الأحذية المختلف عن أي عمل قامت به الأنثى في عموم محيطها الجغرافي ومغامرتها وخوضها بهذه المهنة المتعبة والشاقة، لم ينسها أنها أنثى وأم ومدبرة منزل، فقد خصصت يوم الجمعة للعائلة ومتابعة شؤون الأبناء والاستماع لتفاصيل حياتهم، وتعزيل المنزل والجلوس مع زوجها بأجواء عائلية هادئة بعيدة عن تفاصيل المهنة ومتاعبها.

ويبين زوجها "نزار ملحم" أنه ينتظر عودة زوجته "حليمة" من عملها اليومي ليستقبلها بكلمات لطيفة وابتسامة نابعة من القلب، علّها تخفف عنها شقاء وتعب العمل، وهو رغم عدم قدرته الدائمة على الحركة يحاول القيام ببعض أعمال المنزل قبل عودتها.

مهنيّة واحترافيّة

بالنسبة لمجتمعها المحيط فقد شجعها أفراده دائماً وأثنوا على أدائها وجودته، وفق ما أكدته ربة المنزل وإحدى الزبائن "تغريد رسلان"، فالمهنية "حليمة" من وجهة نظرها سيدة تستحق كل تقدير واحترام، حيث تمكنت من كسر النمطية في العمل، وتحدت نظرة المجتمع وأثبتت وجودها كسيدة عاملة تنجز عملها بكل مهنية واحترافية تلقى استحسان الزبائن، كما تحاول تقديم النصح والمشورة فيما يتعلق بعملها.

وتضيف: «هي كأم لم تتأخر عن واجباتها المنزلية التي ظهرت جلياً بحسن تربيتها لأطفالها ومعاملة الزوج معها».