"هناك دائماً فرصة لتحقيق الأفضل والوصول إلى الهدف، ما دمنا متمسكين بالأمل ولدينا الحافز للعمل".. هذه رؤية لاعبة القوى "هناء شجاع" والتي حافظت عليها بالتزامن مع استمرارها بالتدريب، حتى مع ضياع فرصة المشاركة في بطولة آسيا لأسباب مادية، فقد آثرت عدم الاستسلام للظروف والمرض في إكمال ما حققته في بطولات على مستوى الجمهورية، والتي حطمت فيها أرقاماً عربية وآسيوية.

خير صدفة

"هناء" من سكان مدينة "السويداء" من مواليد عام 1990، نالت الشهادة الثانوية، ولكن ظروف الحرب في تلك المرحلة حالت دون متابعتها دراستها الجامعية، فشغلت نفسها بعدة أنشطة منها الدورات التعليمية وتنمية المواهب والقراءة وغيرها في طريق البحث عن حلمها في التعليم، وعندما حاصرتها البدانة، وجدت مشروع التفوق والنجاح بجدارة، حيث اتجهت للنوادي الرياضية لتجد حلاً لارتفاع الوزن بطريقة مرهقة وصعبة.

المدربة "هناء" مرنة ولديها معرفة واسعة بتخصصها، لديها قدرة كبيرة على تشجيع اللاعبة لتحقيق الأفضل دائماً وهي من المدربات القلائل اللواتي يساعدن اللاعبة على رفع قدرة التحمل

تقول "هناء": «أثناء متابعة التدريبات التقيت بالمدرب "مجدي أبو هرموش" والذي اهتم بتلقيني أهم المعلومات لممارسة رياضة سليمة، لكنه لاحظ خلال تدريبات الحديد على آلة "البنش برس"، أن لدي قدرة على رفع أوزان جيدة، وهنا كانت نقطة التحول، فطرح علي فكرة المشاركة بألعاب القوة البدنية وبطولاتها وكنت بعيدة جداً عن الأجواء الرياضية بالنسبة لعلاقتي مع الرياضة، حيث كانت فكرتي عن ممارستها بقصد اللياقة فقط وتخفيف الوزن».

هناء شجاع تدرب لاعبات

اللاعبة التي قدمت للحصول على لياقة وجسم نحيف، بات وزنها الحالي حوالي تسعين كغ وأصبحت قوتها العضلية طريقاً جديداً لبناء بطلة استطاعت -بعد تحضير شهر ونصف فقط- المشاركة بأول بطولة، وحصلت على المركز الأول على مستوى المحافظة على وزن (+84)، بعد اختبارات بألعاب القوة البدنية، السكوات والحديد ليفت وبانش برس (التقبين).

التَّحدي والنّجاح

بعدها شاركت اللاعبة في أول بطولة للجمهورية، حصلت فيها على المركز الثالث لتختص قوة بدنية، ونسيت فكرة تنزيل الوزن وعرفت طريقها واقتنعت أن التجربة الأولى لذات الوزن خطوة جيدة، واشتغلت على مشروع جديد وجدت به المتعة والراحة من أعباء كثيرة.

المدرب مجدي أبو هرموش يتابع اللاعبين

تضيف "شجاع": «تابع الكوتش "مجدي" التشجيع وبطريقة أقوى، فباشرت التحضير لبطولة جديدة عام 2019، وبعد ستة أشهر شاركت ببطولة الجمهورية وحصلت أول جمهورية، وكان عندي تحطيم رقم للسكوات، كنت الأولى بوزن مئة وخمسة وأربعين على الكتف».

شعور النجاح وتحقيق أرقام اختلط لدى "هناء" مع تألقها كلاعبة في مجال جديد يعتبره المجتمع غير منسجم مع نعومة المرأة والنظرة التقليدية لفكرة مشاركتها في هذه الرياضة، وأخذت الآراء تردها بطرق مباشرة وغير مباشرة، لكنها حسمت قرارها لمواجهة التنمر والإصغاء لنداء روحها التي اختارت الحديد، لعبة أخرجتها من حالات الركون إلى عالم التحدي والنجاح.

أرقام قياسيّة

تقول "هناء": «بالفعل كانت أولى المواجهات مع المجتمع، فبعد هذه البطولة التي تخصصت بها لاعبة قوة بدنية، وجدت الجميع حاضناً لموهبتي وما لدي من طاقات أعتز بها، وبشكل أو بآخر وجدت مكاني الذي كان عنوانه التعب والعناء وبذل أفضل ما لدي بتدريبات قاسية ومرهقة، كان حافزي دعم مدربي وثقتي بنفسي، وأن لدي القدرة على النجاح أمام نفسي بتحطيم أرقام أعتبرها بداية لحلم حقق لي الرضا وعدم الاهتمام برؤية المجتمع، المبنية على عدم الدراية بما تقدمه هذه الرياضة من فرص للاعبات لإثبات أنفسهن وما تقدمه لهن من فائدة صحية كبيرة».

ضياع الفرص

ولعل تتابع المشاركات دعم فكرة تمسكها بالرياضة رغم المعاناة والصعوبات التي ارتبطت بمتطلبات التحضير للبطولات التي تستهلك الكثير من الجهد العضلي والمعنوي والرمادي، إلى جانب عملها في التدريب وتأهيل لاعبات ولاعبين جدد.

وتقول: «هذا العام دعا الاتحاد لبطولة أندية خاصة، وحضرنا بأقل الإمكانات بنسبة لا تزيد على خمسين إلى ستين بالمئة من المطلوب من حيث التجهيزات والاستعداد، ورغم ذلك حطمت الأرقام القياسية لهذه البطولة ونافست في وزن ستة وستين رجالاً، وحصلت على أرقام أعلى وأرقام إناث من سبعة وثمانين وما فوق، وتمكنت من تحطيمها وحطمت نتائج ضاعفت ثقتي بنفسي وعليها».

وتتابع "شجاع" حديثها بالقول: «في شهر شباط من العام الماضي جهزنا لبطولة قاسية بتدريب مرهق في أجواء البرد القارس.. البطولة كانت في "دمشق" وحصلت على أول جمهورية، وأيضاً حطمت أرقام آسيا، ما أهلني للمشاركة على مستوى آسيا، لكن الظروف لم تكن مساعدة وأعني الظروف المادية، وذهبت الفرصة بكل بساطة، حصل ذلك بالرغم من جهود رئيس اتحاد القوة البدنية "زياد محمد" ومدربي، لكن الكلفة كانت أكبر من إمكانية الاتحاد ومن إمكانياتي الشخصية».

اللّاعبة المدرّبة

تشرف اللاعبة اليوم على تدريب لاعبين ولاعبات، وهي اليوم تحمل شهادة مدرب درجة ثالثة، وتستعد لترقية قادمة لتكمل مشوارها في هذه الرياضة التي تشعر أن من واجبها تعريف المجتمع بالجانب المشرق فيها، من حيث أهميتها والفائدة الصحية والإيجابية لضخامة الجسم والقوة العضلية في هذا المجال.

وتضيف: «بعد التأهل أشعر أن من واجبي متابعة كل اللاعبات اللواتي اخترن القوة البدنية طريقاً وموهبة، وأنصحهن أن هذه الرياضة رغم الصعوبة، فيها كثير من المتعة، وأنا ألمس التعب والدعم الكبير لأسرتي لأتابع مشواري الرياضي بأملي الدائم بالنجاح، وتحقيق حلم المشاركات الخارجية تكريماً لجهد والدي ووالدتي وأختي والدعم الكبير منهم جميعاً».

"ليلى أبو ترابة" طالبة الهندسة الكهربائية- سنة ثالثة تدربت تحت إشراف المدربة "هناء" لفترة طويلة، استطاعت خلالها الاستفادة من خبرتها في تدريب آمن حقق نتائج متميزة بما يرتبط باللياقة وتخفيف الوزن والتدريبات في القوة البدنية والنجاح بالحصول على جسم رشيق وقوي وتغيير النظرة النمطية في التعامل مع الحديد والأفكار السائدة عن هذه التدريبات.

تقول: «المدربة "هناء" مرنة ولديها معرفة واسعة بتخصصها، لديها قدرة كبيرة على تشجيع اللاعبة لتحقيق الأفضل دائماً وهي من المدربات القلائل اللواتي يساعدن اللاعبة على رفع قدرة التحمل».

مشروع جديد

المدرب "مجدي أبو هرموش" الحكم ومدرب القوة البدنية، والمشرف على تأهيل أبطال في هذا المجال يقول: «إصرار "هناء" دفعنا كنادٍ لتشجيعها والأهم روحها التي يدفعها طموح كبير، وقد لمست أن لديها مشروعاً، ومن الخسارة أن تبقى كمتدربة فقط أو كلاعبة عادية، في البدايات واجهت صعوبات وتم اجتيازها بنجاح، واليوم نعلق آمالاً كبيرة عليها بعد تفوقها في أكثر من بطولة على مستوى الجمهورية، وهذا جهد أربع سنوات فقط.. أرقامها تتطور باستمرار وأملنا بالتمثيل الخارجي، ورغم المعوقات وقلة الدعم، لكننا نعمل على مشروع جديد مع "هناء" التي تمثل حلم نساء كثيرات في دخول لعبة القوة البدنية».

في المكان المناسب

أخيراً تشعر "هناء" بالتفاؤل بوجود سيدات مقبلات على رياضة القوة البدنية بأعمار 30 إلى 40 عاماً، ولديهن القدرة على التدريب وبذل جهود للنجاح والتميز، وهي تحاول دعم كل الراغبات بالمتابعة، فمن تجربتها الشخصية، تشير إلى أن الرياضة أضافت الكثير لصحتها الجسدية والنفسية، وهي مستمرة حتى تأخذ مكانها المناسب في البطولات الخارجية بثقة وثبات.