لا يزال "عيسى علوش" سائق أحد قطارات الخطوط الحديدية السورية منذ ما يقارب الثلاثين عاماً، يتذكر محطات من العصر الذهبي الذي عاشته الخطوط الحديدية السورية، حيث كان العمل يتواصل على مدار الساعة لإنهاء العمل الضخم والمتواصل، فيما يتحدث السائق بحرقة عن فترة العمل الحالية بسبب الحرب وما تركته من تأثيرات كبيرة على حركة القطارات، وقلصتها بشكل عام وحدّت من المناطق والمحافظات التي يمكن الوصول إليها سواء لنقل البضائع أو الركاب.

رحلة حياة

يقول "علوش": «حمولات كبيرة جداً نقلت من المرافئ الشاطئية إلى المرافئ الجافة في الداخل السوري وبالعكس، بإشراف مختصين ومشرفين وسائقين سوريين، خلال رحلة عمل طويلة وممتعة، وأذكر أنه لم يكن بمقدور أي أحد قيادة القطار، حيث خضعنا بعد التخرج من معهد الخطوط الحديدية لدورة استمرت عدة أشهر، لتعلم كيفية قيادة القطار والتعامل معه في الحمولات وتعدد العربات والرصف في المرافئ وتجاوز الأعطال البسيطة أو غير الميكانيكية خلال رحلات العمل، والتي لم تخلُ واحدة منها من المواقف غير الاعتيادية، وخاصة منها في المناطق ذات الطبيعة والتضاريس الصعبة كالمنحدرات وصعوبة القيادة فيها، وكذلك بالنسبة لتعرضنا للرشق بالحجارة من أطفال بعض المناطق التي باتت معروفة منذ عشرات السنين».

وصلت خدمات الخطوط الحديدية إلى مراكز الإنتاج بشكل مباشر، من خلال التفريعات الحية الموجودة حتى الآن، ما اختصر الزمن وحقق مستوى عالياً من الأمان، نتيجة عدم تأثرها بالعوامل الجوية، وهذا حقق ميزة الاستمرار بالنقل وخفف من الازدحام على الطرق، وخفف من كميات استهلاك المحروقات لذات الحمولات والمسافات بغير وسائل نقل، وهو الأمر الذي دفع للاستمرار بتطوير الشبكة وإنشاء مواقف حتى ضمن القطاعات الجغرافية الحيوية الصغيرة كما في مدينتي "بانياس" و "جبلة"

عصب النقل

شكلت الخطوط الحديدية شبكة متكاملة ربطت أطراف البلاد ببعضها، وباتت العصب الرئيسي للترانزيت منذ العام 1970 وحتى العام 1990 وصنفت كأطول شبكات النقل البري في "سورية" مع وصولها لحوالي /2450/ كم، وأهم ما ميزها أنها قدمت خدماتها للعملاء والزبائن في القطاعين العام والخاص على حد سواء، حتى وصلت لمختلف مراكز الإنتاج وربطتها بأغلب مراكز التصدير، ما ساهم بتطوير الحياة الاقتصادية والاجتماعية على التوازي، وهذا فرض حالة من المواكبة الدائمة لتطوير المنظومة بشكل عام ومنها العربات التي باتت أحدث وبسرعة تصميمية وصلت لحوالي /120/ كم بالساعة مكيفة بالنسبة لنقل الركاب، وحوالي /80/ كم بالساعة بالنسبة للشحن، وفق ما أكده الدكتور "مضر الأعرج" رئيس فرع المؤسسة العامة للخطوط الحديدية في "طرطوس".

الدكتور مضر الأعرج

شبكة محورية

خارطة الخطوط الحديدية

شمل محور النقل البري عبر شبكة الخطوط الحديدية كامل الجغرافية السورية مستفيداً من الطبيعة الجغرافية السهلة، وركز على محاور الشمال والجنوب وبالعكس عبر ممرين أساسيين كان الأول "القوقاز- تركيا- سورية- الأردن- السعودية"، ومنها إلى بقية دول الخليج، والثاني "أوروبا- تركيا- سورية- الأردن"، قاطعة مدن "حماة- دمشق- حلب- حمص"، وكذلك محور (غرب شرق) وبالعكس من "أوروبا" عبر المرافئ السورية إلى شرق "آسيا"، وهذا كان بحد ذاته قيمة مضافة لتلك الشبكة التي شكلت من وجهة نظر عدوانية تهديداً اقتصادياً اجتماعياً واستراتيجياً، ولهذا تم التعامل معها بحقد كبير مع بدء الحرب على " سورية".

ويضيف "الأعرج": « تم تفكيك شبكات السكك الحديدية في المنطقة الشرقية بشكل شبه كامل وبيعها لدول الجوار.. شبكات اختصرت الزمن ورفعت مستوى الأمان، هذا الفعل الذي لم يكن عبثياً وإنما كان نتيجة الأهمية الكبيرة التي أثبتتها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، حيث شكلت محاور نقل تميزت بقصرها دون منافس، وكذلك أسعارها المنخفضة مقارنة مع وسائل النقل الأخرى وخاصة للمسافات البعيدة، إضافة إلى نقل الحجوم الكبيرة للبضائع بالقطار الواحد تصل لحوالي /1800/ طن أي ما يعادل حمولة /50/ سيارة شاحنة تقريباً».

ويتابع "الأعرج" حديثه بالقول: «وصلت خدمات الخطوط الحديدية إلى مراكز الإنتاج بشكل مباشر، من خلال التفريعات الحية الموجودة حتى الآن، ما اختصر الزمن وحقق مستوى عالياً من الأمان، نتيجة عدم تأثرها بالعوامل الجوية، وهذا حقق ميزة الاستمرار بالنقل وخفف من الازدحام على الطرق، وخفف من كميات استهلاك المحروقات لذات الحمولات والمسافات بغير وسائل نقل، وهو الأمر الذي دفع للاستمرار بتطوير الشبكة وإنشاء مواقف حتى ضمن القطاعات الجغرافية الحيوية الصغيرة كما في مدينتي "بانياس" و "جبلة"».

تنظيم وإدارة

لم تشأ هذه الشبكة العنكبوتية البقاء دون تنظيم وخاصة بعد العام 1914، حين منحت السلطنة العثمانية المفوض السامي الفرنسي في "سورية ولبنان" حقوق الاستثمار، حيث قرر الأخير خلال مرحلة الاستعمار العسكري عام 1923، تنظيم وإدارة الخطوط الحديدية وإنشاء أول مرجع حكومي لها، وهذا من شأنه أن يحقق أهمية كبيرة بعمليات نقل البضائع والأفراد.

وبحسب حديث الدكتور "الأعرح" تم تشكيل مجلس استشاري فني معني بجميع الشؤون المتعلقة بطرق استثمار السكك الحديدية، وتنسيق معاملاتها عام 1945 حتى مطلع عام 1948، حيث استلمت الحكومة السورية القسم السوري من "خط حديد بغداد"، وبعدها بعام واحد صدر المرسوم التشريعي رقم /10/ المتضمن اعتبار إدارة "خط حديد بغداد" شخصية حقوقية ذات استقلال مالي بإشراف وزارة الأشغال العامة والمواصلات، وبعدها توالت القرارات التنظيمية لمصلحة الخطوط الحديدية حتى العام 1964، حيث صدر قرار إحداث المؤسسة العامة للخطوط الحديدية".

وختم الدكتور "الأعرج" حديثه لمدونة وطن eSyria بتوضيح أهم أهداف مؤسسة الخطوط الحديدية السورية بالقول: «نهدف في عمل المؤسسة لتأمين عمليات نقل البضائع والسلع بين مختلف المحافظات من جهة وبين المنافذ البرية والبحرية إلى المحافظات المختلفة أو إلى الخارج بطريق الترانزيت من جهة أخرى، إضافة لتأمين نقل البضائع والمنتجات بين مواقع الإنتاج إلى الأسواق الداخلية أو إلى منافذ التصدير، وكذلك دعم الاقتصاد الوطني سواء في التجارة الداخلية أو في التجارة الخارجية، عن طريق تسهيل توزيع البضائع داخلياً أو تصديرها إلى الخارج بالسرعة اللازمة والأسعار الملائمة، وتأمين تنقل الركاب بين مختلف المحافظات».