يعدُّ الطريق الرئيسي الواصل بين مدينتي "حلب" و"دمشق"، واحداً من أهم وأقدم الطرق التي أنشئت في "سورية" خلال فترة الخمسينيات، لما لهذا الطريق من أهمية حيوية وبشرية واقتصادية وتجارية وزراعية، تمثلت في نقل القوافل والحجاج والمحاصيل الزراعية والصناعية التي كانت رائجة في تلك الحقبة بين المدن والبلدات التي يمر بها.

مراحل وتعديلات

ومع تطور الزمن وكما يذكر المؤرخون جرت عدة تعديلات جوهرية على شكل الطريق من حيث تبدل أرضيته وتغير مساره ورصفه على عدة مراحل، من التراب للحجر للأسفلت وصولاً لشكله الحالي كخط نقل أتوستراد دولي سريع أطلق عليه اسم (M5)، حتى عدَّ واحداً من أهم الطرق الدولية في منطقة الشرق الأوسط، لما يتمتع به من ميزات ومواصفات في كل مرافقه الخدمية والمرورية.

مشيت عليه أربع مرات بالتناوب بين السير على الأقدام وركوب الخيل برفقة والدي، وكان الزمن يستغرق معنا خمسة عشر يوماً، كان ذلك في بداية حقبة الستينيات، وأذكر أن مسار الطريق في بعض أجزائه حجري مرصوف بعرض أربعة أمتار ويتسع لمرور أربعة خيالة، كان يبدأ من "ضاحية خان العسل" حتى "تفتناز" نحو "خان السبل" و"خان شيخون" وبعد "حماة"، يتحول لطريق زراعي وترابي بين الوديان ويستمر بهذا الشكل حتى خروجنا من مدينة "حمص" ليعود بشكل طريق حجري بازلتي حتى مدخل مدينة "دمشق"

كان هذا الطريق خارج الخدمة خلال فترة الحرب لمدة قاربت الثماني سنوات، واستعيض عنه بطريق فرعي بديل بطول مئة وخمسة وثلاثين كم، أرهق المسافرين كثيراً بطوله وعدم جاهزيته وكان ينطلق من "دوار الصاخور" بـ"حلب" مروراً "بالسفيرة" و"خناصر" "أثريا" ثم "حماة"، وعندما عاد الطريق للعمل بعد التحرير وتم -بشكل فوري ومستعجل- إجراء أعمال الصيانات الضرورية للعودة لوضعه الطبيعي.

المهندس"علي الخويلد" رئيس فرع المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية بحلب

شريان اقتصادي

المهندس"عدنان طرقجي" الباحث "أحمد الغريب" السائق"كمال صبوح" وشهادات قديمة وحاضرة حول الطريق الدولي

موقع مدوّنة وطن "eSyria" زار فرع المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية في حي "الأعظمية" بمدينة "حلب"، والتقى رئيس الفرع المهندس "علي الخويلد" الذي زود المدونة بالكثير من المعلومات عن أهمية وتاريخ ونشأة هذا الطريق الدولي الحيوي الذي يربط مدينة "حلب" بالمحافظات والبلدات الكبرى الواقعة على محاذاته.

يقول "الخويلد": «يعد طريق أتوستراد "حلب" "دمشق" بشكله الحالي واحداً من أهم الطرق الدولية السريعة، حيث يعدُّ بمنزلة العصب والشريان الاقتصادي المهم الذي يربط ويخدم المدن السورية الكبرى ببعضها من جوانب عديدة، تم تأسيسه في نهاية4 حقبة الستينيات من القرن الماضي، ويبلغ طوله من عقدة "دوار الموت" بمدينة "حلب" حتى مدخل أبواب مدينة "دمشق" 365 كم، وبحارتين عرض كل واحدة أربعة عشر متراً، يتخللهما منصف بحواجز أمان بيتونية بدل المنصف النهري السابق، يتمتع الطريق بخصائص وميزات فريدة عند تأسيسه أهمها عوامل الأمان في الانحناءات والمنعرجات والارتفاعات وبناء الجسور والعبارات وتصريف المياه، ونصب الشاخصات المرورية التحذيرية على طوله، مع فتح نوافذ مرورية فرعية عليه للمدن والقرى والبلدات الواقعة على جانبيه حتى تستفيد من وجوده في نقل مواطنيها وطلابها ومحاصيلها ومنتجاتها الزراعية والصناعية>>.

أعمال الصيانة الفورية للطريق والجسور والعبارات

صيانة مستعجلة

وكما هو معروف ونتيجة لظروف الحرب الأخيرة خرج الطريق من الخدمة منذ مطلع عام 2012 وأعيد فتحه في بداية عام 2020 بعد تحريره واستلامه من الجيش العربي السوري وجرى القيام بإجراءات الصيانة الإسعافية لإعادته لسابق وضعه.

وعن ذلك يضيف المهندس "الخويلد": «فرع المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية بمدينة "حلب" وهو من يتولى مهام واختصاصات الإدارة العامة وحماية الطريق وهو المسؤول أيضاً عن الصيانة والإشراف وإعداد الدراسات وحماية الطرق المركزية،وهذا ما قام به الفرع بعد التحرير حيث تم استلام الطريق في مطلع 2020.. قمنا بالكشف الفوري عليه وإعداد الكشوف التقديرية للصيانة بالتعاون مع مؤسسة الإسكان العسكري، وإجراء الصيانات الدورية له مع الجسور وتأمين حماية الطريق من التعديات حتى مدخل مدينة "سراقب" نهاية عمل فرع "حلب"، حتى عاد الطريق لشكله الطبيعي والسير عليه بكل راحة وأمان».

حكاية الطريق

يروي المهندي المتقاعد "عدنان طرقجي" للمدونة بدايات الطريق، باعتباره أحد المشرفين السابقين من المؤسسة العامة للطرق ويقول: «بدأ العمل بإنشاء الطريق الحالي من العقدة صفر "دوار الموت" حتى مدينة "سراقب" في عام 1969 وانتهى العمل به عام 1975، وعهد تنفيذ الطريق في وقتها لشركة "أبو خاطر وأخرس وعطية"، وفي البدء تم استملاك الأراضي الزراعية بعرض طولي على الجانبين وصل إلى 125 متراً، وأسس بارتفاع يتراوح ما بين ثلاثين سم حتى المترين حسب وضعية الأمان، وعند الإنشاء طبقت عليه كافة المواصفات الفنية والمعايير حسب قاعدة "بروكتور" للسلامة المرورية بدرجة الرص، من قشط التربة وحفر الخنادق وتصريف المياه ووضع طبقات الأساس والقاعدة المكونة من (الحجر المكسر)، والاهتراء بسماكة خمسة سم مع الدحل والرش بالماء، وأخيراً الطبقة الاسفلتية (mco)، مع تنفيذ الجسور والعبارات والفتحات وتخطيطه النصفي باللون الأبيض ووضع الشاخصات المرورية، وتحديد السرعات المسموحة ونصب اللوحات الاسمية للمدن والقرى، مع تخديمه ببناء الاستراحات للمسافرين، وبعد مدينة "سراقب" يتابع مساره باتجاه مدينتي "حماة وحمص" حيث تصبح عائدية العمل لفرع محافظة "حماة"، وعهد في وقتها كما يذكر المهندس "طرقجي" لشركة يوغسلافية لتنفيذه وصولاً لمدينة "دمشق"، وتم تطبيق المواصفات والمعايير الفنية نفسها في المرحلة الثانية والتي طبقت في مدينة "حلب" حتى تتوحد كل الأمور الفنية».

ويضيف المهندس "طرقجي" حديثه للمدونة" أنه قبل تأسيس الطريق الدولي كان الطريق المتبع آنذاك والمسمى الآن بطريق "حلب إدلب" القديم، يمر "بضاحية "خان العسل" و"اورم الكبرى" و"كفر حلب"، ثم يخترق قرية "تفتناز" باتجاه "سراقب" اتجاه "خان السبل" وصولاً لـ"معرة النعمان" و"خان شيخون" و"حماة"، وكان ذلك الطريق يتراوح ما بين الزراعي والترابي والحجري المرصوف والزفتي في بعض أجزائه.

بين الماضي والحاضر

سائق حافلة النقل "كمال صبوح أبو محمود" يقول للمدونة: <<منذ أكثر من أربعين عاماً وأنا أنقل الركاب بحافلتي على خط "حلب" "دمشق" من دون توقف، أسافر صباحاً واعود٦ مساءً، هذا الطريق من أسلس الطرق الدولية، لي معه ذكريات وقصص جميلة، أحفظ تضاريسه ومطباته وانحناءاته، عليه إقبال شديد وعلى مدار الأربع وعشرين ساعة لا يعرف الهدوء ولا السكون>> .

بينما يقول الباحث التاريخي "أحمد الغريب" مدير قلعة "حلب" الحالي: «قبل تأسيس الطريق الحالي كان التوجه من مدينة "حلب" نحو "دمشق" يمر بالطريق القديم "خان العسل" "أورم الكبرى" ثم "تفتناز" و"سراقب" "خان السبل"، ولا يدخل مدينة "معرة النعمان" بل ينحرف عنها نحو الشرق بحدود 7 كم بقرية "الخوين"، يتابع بعدها مساره نحو "خان شيخون" و"قلعة المضيق" "حماة" "حمص" "دمشق" والطريق أغلبه ترابي زراعي وفي بعض أجزائه رصف بالحجر البازلتي الأسود، حيث اكتسب درجة من الصلابة نتيجة المرور المستمر للناس وعربات الجر والخيل فوقه، وكان يسمى طريق الحج.

ونفى "غريب" أن يكون الرومان هم من شق وأسس هذا الطريق، رغم وجود طريق روماني آخر متعارف عليه ما بين "دانة الحلقة" و"لواء اسكندرون"، ويتابع وبمرور الأعوام تم وضع قميص زفتي فوق أحجاره. وللأسف كما يقول الباحث "غريب" حتى تاريخه لم يجر أي بحث أو تنقيب أثري عن تاريخ هذا الطريق».

الدكتور "أيمن سيد وهبة" قال: «تم شق طريق "حلب" "دمشق" مبتعداً عن طريق القوافل قليلاً ،فلم يعد يمر من "خان طومان" وتحولت "خان طومان" إلى منطقة غير استراتيجية نتيجة فتح الطريق الجديد، إلا أنّ الطريق ما زال يمر من "خان العسل" ويتجه إلى طريق "إدلب" القديم ومنه إلى "دمشق" عبر طريق شديدة الالتواءات.. في السبعينيات تم اختصار الطريق فلم تعد تمر القوافل في مدينة "إدلب" بل تتجه مباشرة إلى "معرة النعمان".

وبدأ في ذلك الوقت أهالي "حلب" الميسورون يشترون الأراضي في "خان العسل" وبناء الاستراحات والمسابح الخاصة لهم، لكن الحالة لم تتطور كثيراً بين الأهالي بسبب غلاء الأراضي هناك».

وأخيراً تواصل معنا "الحاج عمر الشعبان" 75 عاماً شارحاً لنا ذكرياته عن هذا الطريق الذي سار عليه مراراً ومشياً على الأقدام بين مدينتي "حلب" و"دمشق" قائلاً: «مشيت عليه أربع مرات بالتناوب بين السير على الأقدام وركوب الخيل برفقة والدي، وكان الزمن يستغرق معنا خمسة عشر يوماً، كان ذلك في بداية حقبة الستينيات، وأذكر أن مسار الطريق في بعض أجزائه حجري مرصوف بعرض أربعة أمتار ويتسع لمرور أربعة خيالة، كان يبدأ من "ضاحية خان العسل" حتى "تفتناز" نحو "خان السبل" و"خان شيخون" وبعد "حماة"، يتحول لطريق زراعي وترابي بين الوديان ويستمر بهذا الشكل حتى خروجنا من مدينة "حمص" ليعود بشكل طريق حجري بازلتي حتى مدخل مدينة "دمشق"».

تم إجراء اللقاء داخل المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية بمدينة "حلب" وأخذ لقطات تصويرية من مدخل طريق أتوستراد "حلب" "دمشق" بتاريخ الثامن عشر من شهر أيار لعام 2022.