اشتهر التشجيع الرياضي في الملاعب والصالات الرياضية داخل مدينة "حلب" خلال العقود الخمسة الأخيرة، برونقه وطقوسه وعاداته وتقاليده الجميلة التي زينت المدرجات من خلال تحضيرات وترتيبات بهتافات حماسية طابعها الإثارة والندية.

وعندما نذكر التشجيع الرياضي الحلبي لا بدّ لنا من الوقوف مع أول رابطة مشجعين لنادي "الأهلي" الذي تحول اسمه مطلع عام واحد وسبعين إلى "الاتحاد"، قبل أن يعود منذ أيام قليلة لتسميته الأصلية التي وافق عليها المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي وهي "أهلي حلب"، ومع كل هذه التبدلات والأزمان كانت رابطة المشجعين حاضرة وملازمة ولم تغب شمسها عن تشجيع ناديها، مع وجود بعض الفوارق اللوجستية التي فرضتها الظروف الفنية والمادية والمعنوية.

عشت أحلى الأيام والذكريات والانتصارات في نادي "أهلي حلب"، وما زاد حلاوة تلك الأيام جماهيرنا الذواقة التي كانت تدعمنا وتشجعنا بكل حماسة وروح رياضية، وتساعدنا على تحقيق النتائج الإيجابية، وبكل صراحة مباراة بلا جمهور مثل الحديقة التي بلا ورود، وجماهير نادينا كانت مضرب المثل بين جماهير الأندية السورية، ومنهم تم اقتباس فكرة إنشاء روابط مشجعين للأندية الأخرى

رحلة بحث

موقع مدوّنة وطن "eSyria" وفي رحلة بحث طويلة تواصل مع الأشخاص وروابط المشجعين والمؤسسين القدامى للتشجيع الرياضي لتدوين كل تلك الذكريات الجميلة عن أهمية وطرائف وقصص التشجيع الرياضي.

أعضاء الرابطة القدامى

يقول "علاء زنابيلي" المنسق الإعلامي الحالي لرابطة مشجعي نادي "أهلي حلب": «نادينا كان السبّاق على مستوى القطر في تأسيس أول رابطة مشجعين في الملاعب السورية، كان ذلك في عام 1981، انطلقت الفكرة من المشجع الراحل "بشير عداس"، حيث اقترح على زملائه فكرة إنشاء رابطة تعنى بالتشجيع وحضور المباريات وشد أزر الفريق أثناء اللعب، ولاقت الفكرة الترحيب والموافقة من زملائه الصيدلاني "حسان حاج عارف" و"عبد الستار ويس" و"ضياء موصللي" و"عبد القادر سلطان" و"محمد أبو عباية" و"حمدي قواف" و"فائز كوسا" و"خالد أبو شعر" و"عيسى شيخو" و"ماجد عبس" والملحن "مازن الأيوبي" وغيرهم الكثير، لتكون تلك الفكرة هي النواة الأولى لبلورة وتشكيل أول رابطة، وكان عملها عفوياً غير منظماً ويعتمد على الجهود والاجتهادات الفردية وعدم التحضير المسبق، وعُهِدتْ إلى "محمد وحيد كادورة" حينها رئاسة تلك الرابطة وقيادة الجماهير الحاضرة في الملاعب من خلال التصفيق والهتافات للاعبين أثناء نزولهم أرض الملعب، وكذلك عند قيام أي لاعب بتسجيل هدف، ولم يقتصر التشجيع على فريق رجال كرة القدم، بل امتد لمختلف الألعاب الأخرى وخاصة كرة السلة والمنتخبات الوطنية عند حضورها للعب في مدينة "حلب"، فكانت الجماهير تخرج من الملعب البلدي وتتوجه نحو "صالة الأسد" لتشجيع الفريق السلوي».

ويضيف "زنابيلي": "انضم بعد فترة لرابطة المشجعين "رشاد طباخ أبو زاهد" ومعه "عبد الودود دهان أبو الليل"، حيث كانا يشعلان المدرجات بأهازيجهما وغنائهما، وانضم لهما فيما بعد الحاج "رضوان منلا محمد"، وأشهر العبارات التي كانت تردد "يا صلاة الزين يا صلاة الزين على الأهلي يا صلاة الزين" و"شد الهمة يا أهلي"، و"قالوا عنا مدرسة قالوا عنا كلية بدك تتعلم طابة شوف لعب الحلبية"، وكانت ترافق تلك الموشحات نقرات الراحل "شحود" المميزة على (الدربكة)، حيث كان له حضور فاعل، ومع زيادة الخبرة والتمرس في العمل أخذ التشجيع طابع التنظيم والتحضير والتنسيق والترتيب قبل كل مباراة، وعهدت إلى الراحل "محمد قضيب البان" رئاسة الرابطة وقيادة الجماهير من على المدرجات، كما تبرع بكل اللوحات الخشبية من ورشة أهله "بحي الجابرية"».

المشجع الرياضي الظريف الراحل "محمد بطش" فاكهة الملاعب

الظريف البطش

الحماس ومتعة اللعب بالحضور الجماهيري الكثيف

ويتابع "زنابيلي": «بعد وفاة ورحيل بعض المؤسسين القدامى قاد الرابطة "أبو علي مدارتي" صاحب العبارة الشهيرة "كيلو بكيلو" والمستمدة من عمله كخضرجي، واشتهر بزيه الأحمر الكامل ونزوله مع الفريق أثناء عزف النشيد، وانضم إليهم الراحل "أبو علي وزان"، وبعد سفر "المدارتي" عهدت رئاسة الرابطة فيما بعد "لمحمد عبد الوهاب أبو عباية" والأعضاء "غسان عمران" و"حسام دهان" و"محمد أبو أمين"، الذين قادوا الرابطة لفترة زادت على الخمسة عشر عاماً، وفي هذه الفترة انتظم العمل بشكل مميز من خلال شراء لباس وأعلام وحفظ الأناشيد وأخذ الكلمات والألحان من شعراء وملحنين، والسفر ومتابعة الفريق أثناء لعبه خارج المحافظة.. وبعدها دخل المشجع الظريف والطريف الراحل "محمد البطش" "أبو إبراهيم" الرابطة، وأعطى للتشجيع نكهة وميزة بلباسه وحركات أصابعه السينمائية التي كانت تصفق لها الجماهير كثيراً».

عودة بعد توقف

خلال الأزمة الأخيرة ونتيجة ظروف الحرب وبطء النشاط الرياضي، توقف نشاط الرابطة قليلاً ليعود بعد انتهاء الأزمة بحركة متسارعة ونشطة لدعم فرق النادي وبإدارة جديدة مؤلفة من "أحمد نعساني" و"حسام دهان" و"غسان عمران" والهتّافين الشهيرين الأخوين "طه ومحمد مجدمي" و"آل حلاق" و"ماجد عبس" و"محمد حاج أرحيم" و"عدنان كردية" و"حسين عساني"، وقامت هذه الرابطة بتقديم كل أنواع الدعم والتشجيع المعنوي للفريق بغية عودته لمكانته ومستواه الطبيعي كما قبل الأزمة، مع تطور واضح في طريقة العمل والتنظيم والسفر والتشجيع والتحضير.

ويمتاز أعضاء رابطة مشجعي النادي حسب قول "زنابيلي" بارتدائهم الزي الأحمر، مع حمل الأعلام والتلويح بها أثناء المباريات، وهتاف الأناشيد والرديات التي تحث اللاعبين على الحماسة والتشجيع وتحقيق الفوز والعمل على تزيين المدرجات والمنصة قبل يوم من أي مباراة، مع المحافظة عليها عند الانتهاء وطويها، ولا غرابة في تنظيم وتنسيق العمل فيما بين أعضاء الرابطة كل حسب اختصاصٍ يوكل إليه ما بين هتاف وعزف وتصفيق وترديد وغناء وتشجيع.

شهادات رياضية

لاعب الثمانينيات الدولي السابق "جمال هدلة" يقول: «عشت أحلى الأيام والذكريات والانتصارات في نادي "أهلي حلب"، وما زاد حلاوة تلك الأيام جماهيرنا الذواقة التي كانت تدعمنا وتشجعنا بكل حماسة وروح رياضية، وتساعدنا على تحقيق النتائج الإيجابية، وبكل صراحة مباراة بلا جمهور مثل الحديقة التي بلا ورود، وجماهير نادينا كانت مضرب المثل بين جماهير الأندية السورية، ومنهم تم اقتباس فكرة إنشاء روابط مشجعين للأندية الأخرى».

الصيدلاني "حسان حاج عارف" يقول للمدوّنة: «من منطلق حبنا ودعمنا لنادينا "الاتحاد" وفي بداية الثمانينيات وبعد ما كنا نتابع ونشجع الفريق في الملاعب بشكل فردي ودون تنظيم، جاءت فكرة تشكيل أول رابطة تشجيع للنادي وتسلمت في وقتها مهام المنسق الإعلامي، واتفقنا بين بعضنا على أن دورنا ومهامنا تنحصر في تشجيع اللاعبين أثناء المباريات فقط، دون التدخل بالعمل الإداري والفني لأن ذلك ليس من اختصاصنا، مع انتقاء الهتافات الرياضية المعبرة التي كان يكتبها لنا الشاعر "زياد حبال"، ونرددها أثناء المباريات بكل أدب وروح رياضية، ودون الإساءة للفريق المنافس، وعشنا وقتها أحلى الأيام والذكريات مع الانتصارات والبطولات التي حققها الفريق.. لم نكن نتقاضى أي مال من أحد ولا من الإدارة بل كنا ندفع مصاريفنا من (جيوبنا)، وذاع صيت جمهورنا ورابطتنا على مستوى القطر والوطن العربي بالتشجيع والتنظيم».

ويختم المشجع الأهلاوي السابق "حمدي قواف" الحديث بالقول: «كنت من أوائل المؤسسين والمساهمين بتشكيل أول رابطة للمشجعين، وعهدت إلي في وقتها الأمور المالية والاشتراكات التي كنا ندفعها لأجل شراء الأعلام والآلات الموسيقية المرافقة لعملنا، ودفع أجور المواصلات لسفرنا لدعم الفريق وطعامنا البسيط الذي كان يقتصر على (سندويشة) وعبوة ماء، وكل هتافاتنا كانت منظمة ومنضبطة، ولم يكن لنا أي تدخل بشؤون اللاعبين والمدربين، وبالأصل لم يكن ليسمح لنا بمثل هذه التصرفات، فمهامنا تنحصر بالتشجيع من المدرجات فقط، ودعم المنتخبات الوطنية عند حضورها لمدينتنا».

تمت اللقاءات والتصوير بتاريخ الثامن من شهر نيسان لعام 2022 في ملعب السابع من نيسان بمدينة "حلب".