بعد غياب لأكثر من ثلاثين عاماً عن أجواء ريف "السويداء"، عاد خبز التنور من جديد ليزين الموائد ولتعود رائحة الخبز العربي من جديد تعبق بالمكان، لتنعش فينا ذاكرةً قد طوتها السنين ولم يعد منها سوى صور تذكارية احتفظ بها الأبناء في ألبوم صورهم، فالتنور الذي كان من ذكريات الماضي بات حاضراً فينا هذه الأيام، والأرض التي هجرها الجرار الزراعي عاد إليها من جديد.

الخبز العربي

يبدو أن الغلاء المهيمن على الحياة المعيشية للمواطن دفع أبناء الريف لضخ روح الحياة بـ"التنور" التي بدأت ناره تتوهج من جديد.

أم "طلال مقلد" تقول في حديثها لمدوّنة وطن "eSyria": "من يقصد ريف المحافظة زائراً هذه الأيام من غير الممكن أن يغادره دون أن يشمّ رائحة خبز التنور التي عادت لتنشر في كل زاوية من زوايا الريف، وهذه العودة مردها تحقيق اكتفاء الأسر الذاتي من الخبز، خاصة في ظل وجود نقص في خبز الأفران، الأمر الذي دفع أبناء الريف لتعويض هذا النقص والتوجه نحو "كار" الخبز العربي، وهو الذي غاب عن ريفنا لأكثر من ثلاثين عاماً".

العودة إلى خبز التنور

وتضيف: "عاد أبناء الريف لزراعة القمح مجدداً، علماً أن هذه الأراضي لم تتم زراعتها منذ عشرات السنين، لذلك كانت العودة إلى الخبز العربي عودة للماضي الجميل، عندما كان أفراد الأسرة كافة يجتمعون عند طبق الخبز للظفر برغيف طازج أو ما تسمى باللهجة المحلية "طلمية"، إضافة لذلك فالعودة إلى الخبز العربي لها فوائد عديدة أولها العودة إلى زراعة الأراضي بمحصول القمح خاصة بعد أن تركت بوراً لسنوات عدة، والأهم من ذلك فالخبز العربي صحي ويحمل فوائد لكونه مصنوع من الدقيق الخالص.

كار الأمهات

بدوره يقول "عاطف الأوس": "كثير من أبناء جيل الستينيات والسبعينيات يتذكرون جيداً كيف كانت أمهاتنا تصنع لنا الخبز العربي أو ما نطلق عليه التنور، ومع مرور الزمن بات الخبز العربي من الماضي بعد أن حل مكانه خبز الأفران، إلا أن هذا الماضي أبى أن يبقى مؤرشفاً في خزائن الذكريات، فعاد إلينا حاملاً معه إرث آبائنا وأجدادنا، حيث بدأت أمهاتنا تضخ روح الحياة ببيوت النار التي كانت معدة لصناعة خبز التنور، وبعودة بيوت النار إلى الواجهة عاد معها الصاج و"الكارة" و"المرقة"، والأهم عادت رائحة الخبز العربي تعبق بالمكان من جديد، مبشرةً بعودة النساء الريفيات إلى ماضي أمهاتهنّ الجميل".

عاطف الأوس

ويتابع "الأوس" بالقول: "صناعة الخبز العربي العائدة من جديد إلى ربوع ريفنا، تعد خطوة في الطريق الصحيح خاصة وأننا نملك الأرض والقمح، عدا عن ذلك وضمن الظروف المعيشية الحالية بات خبز التنور الحل الأمثل لمشكلة نقص الخبز، علاوة على ما ذكر، فالخبز العربي عاد أيضاً حاملاً معه واجب الضيافة لكونه جزءاً من تراثنا الذي طالما تغنينا به، ومع عودته بات المرء يشعر بانتمائه لبيئته التي نما وترعرع بها، مؤكداً على ضرورة زراعة كل شبرٍ من الأراضي القابلة للزراعة بمحصول القمح وبالتالي العودة إلى الخبز العربي لأنه لا بديل عنه".

أم طلال مقلد