اشتهرت مدينة "حلب" بصناعة وبيع الحلويات بمختلف أنواعها، ومعروف عن أهالي المدينة وأبناء ريفها حبهم للحلويات الشعبية في سهراتهم الشتوية سواء كانت من مشتريات السوق أم من صناعتهم في منازلهم.

ومن أهم ما يتناوله الحلبيون في فصل الشتاء الحلويات قليلة التكلفة مثل (القطايف والسيالات والكنافة والمشبك) لكونهم يستطيعون صنعها في منازلهم على أيديهم أو شراءها من الباعة بأسعار مقبولة.

حال عائلتنا مثل حال باقي العوائل الحلبية، حيث كانت والدتي تحضر القطايف والسيالات بالمنزل بحضور لمة الأهل والأقارب، وتتميز هذه الحلويات بمذاقها ونكهتها اللذيدة ومهاودة سعرها، وما زلنا حتى الآن نتناولها ونحضرها أيام شهر رمضان وفي السهرات الشتوية

(ع الأصل دور)

موقع مدوّنة وطن "eSyria" جال في بعض أسواق حلب القديمة والمحلات التي تنتج هذه الأنواع الأخيرة من الحلويات، والبداية كانت من لقاء "أحمد كزة" أحد أحفاد "الحاج عبد الوهاب كزة" الذي يعدُّ من أشهر صانعي المشبك في "حي طريق الباب"، ليروي لنا تفاصيل مهنتهم: «نعمل بمهنة صناعة المشبك في محلنا هذا منذ أكثر من سبعين عاماً وورثناها جميعاً، ويعدُّ جدي أشهر من اشتغل بصناعة المشبك بمدينة "حلب".. كانت تأتيه الزبائن من مختلف أحياء المدينة ويشتد عليه الإقبال بشكل كثيف أيام شهر رمضان سواء قبل أو بعد الإفطار، وكان يبدأ عمله اليومي من الساعة الثالثة عصراً حتى منتصف الليل، وتخصص ببيع المشبك واللقم بنوعيه العادي والمحشي بالجوز، وتعلم منه والدي وأعمامي أسرار المهنة، وبعد وفاته في الثمانينيات قام أبي وأعمامي بإدخال ثلاثة أصناف جديدة مطلوبة للسوق وهي (القطايف والسيالات والكنافة النية)، وكل المنتجات الإضافية مع المشبك هي صناعة حلبية محلية، يقوم صاحب كل محل بشغلها وتحضيرها بنفسه ومن لا يستطيع شغلها بذاته لا يعدُّ من أبناء الكار والمصلحة».

قطع اللقم من العجين قبل القلي بالزيت

ويضيف "أحمد" : «يبدأ عملنا داخل المحل وتحضيرنا من بعد منتصف كل يوم، ومكونات حلوياتنا مؤلفة من الطحين والسميد بالدرجة الأولى مع السكر والماء الفاتر، ولكل صنف طريقة تحضير وفترة زمنية خاصة لتكون المادة جاهزة للبيع، ويتم بيع الصنف وهو طازج وساخن بعد تحليته وتصفيته من القطر الطبيعي المحلى».

مكونات

وانتقلت المدوّنة لحي "باب جنين" والتقت الحاج "أحمد ملقي" الذي شرح لنا مكونات المواد المعروضة فوق بسطته قائلاً: «بالنسبة للقطايف والسيالات والشبك، تتكون من خلط السميد بالماء الفاتر مع الخميرة، بينما اللقم مصنوعة من الطحين مع الماء الفاتر، أما عجينة الكنافة فهي خلطة مؤلفة من الطحين والسمنة والماء، ويحتاج تحضير كل صنف إلى مدة تقارب الساعتين حتى ترتاح الخلطة وتصبح جاهزة».

صب عجينة القطايف على صاج النار

ويتابع "الملقي" حديثه بالقول: «جدي الراحل "الحاج يوسف ملقي أبو عيدو" هو أول من عمل بمهنة صب القطايف والسيالات بمدينة "حلب"، وذاع صيته بهذه المهنة، وكانت الزبائن ومحلات بائعي هذا النوع من الحلويات يتواصلون معه لأجل الشراء وبشكل يومي لتكون طازجة، ويقدمونها في سهراتهم وأفراحهم ومناسباتهم بعقد القران والزواج وحفلات النجاح في الشهادات الدراسية، وبالنسبة للقطايف نقوم ببيعها إما مشغولة وجاهزة بعد قليها بالزيت النباتي، وتكون محشية بالقشطة أو القريشة أو الجوز، أو يأخذها الزبون وهي عجينة ويقوم هو بمنزله بتحضيرها وفق ما يرغب، وطريقة تحضير كل هذه الأنواع من الحلويات تكون سهلة ولا تحتاج للوقت سواء في المحلات أو في المنازل باستثناء المشبك الذي يحتاج لمهارة وقالب خاص».

أهل الكار

بدوره يقول بائع المشبك "محمود عسلية"-خمسون عاماً: «منذ أربعين عاماً وأنا أشتغل ببيع "المشبك" في محلي بحي "باب النصر"، وأشهر بائعي المشبك بمدينة حلب كان الراحل "حج فؤاد" في "حي المشاطية" وأولاد "الأزور" في "حي الرمضانية" و"أولاد حج عبدو كزة" في "حي طريق الباب" وأولاد "حج محمد لحفي أبو بكري" في "سوق دكانين حجيج" و"أولاد الأطرش" في"حي كلية العلوم"، وهؤلاء هم سادة صناعة المشبك واللقم بمدينة "حلب"، وهم من حافظ على هذا النوع من الحلويات بعد ظهور الأنواع غالية الثمن من البقلاوة والمبرومة والبلورية».

القطايف والسيالات جاهزة ومحضرة للبيع

الإعلامي "صفوان قوقو"-خمسة وخمسون عاماً والمختص بالبحث في المهن التراثية يقول: «اشتهرت مدينة "حلب" ومنذ القدم بصناعة الحلويات البسيطة وغير المكلفة، ومن أهمها المشبك الذي كان يتم بيعه في أغلب الأحياء القديمة، ويتهافت الناس على شرائه في فصل الشتاء لمذاقه اللذيد وبراعة أهل "حلب" بصناعته وجودته وانخفاض سعره، واشتهر أولاد "دقو" و"فاعور" و"قوقو" بأحياء "الكلاسة" و"باب أنطاكية" و"باب الحديد" بصناعة وبيع المشبك، ولا يزال هذا النوع من الحلويات موجود بالسوق ويفضله الكثير من الناس على الحلويات الفاخرة».

للذواقين

"ضياء موصللي"-تسعة وخمسون عاماً قال: «أنا ابن حي شعبي "بباب الحديد"، وأذكر تماماً أنه كان يوجد في كل حي من أحياء المدينة (حلونجي) لبيع الحلويات الشعبية من (قطايف وسيالات وعجينة كنافة ومشبك)، وهي حلويات مرغوبة لدى الناس لسهولة وسرعة إنجازها ومهاودة سعرها، والفرق بينهما أن كل هذه الحلويات يمكن شغلها وتحضيرها بالمنازل إلا المشبك فله قالب خاص لصبه في مقلاة الزيت الساخن داخل المحل، وأذكر أنه في السبعينيات وحتى الثمانينيات كنا نشتري المشبك من جارنا "أبو عبدو حبو"، ولم يكن يتجاوز سعر كيلو المشبك مع اللقم ثلاث ليرات آنذاك بينما الآن هو بحدود ستة الآف ليرة».

بينما يقول "محمود داية"-خمسة وأربعون عاماً : «حال عائلتنا مثل حال باقي العوائل الحلبية، حيث كانت والدتي تحضر القطايف والسيالات بالمنزل بحضور لمة الأهل والأقارب، وتتميز هذه الحلويات بمذاقها ونكهتها اللذيدة ومهاودة سعرها، وما زلنا حتى الآن نتناولها ونحضرها أيام شهر رمضان وفي السهرات الشتوية».

تم إجراء اللقاءات والتصوير بتاريخ الثالث عشر من شهر شباط لعام 2022 في حي "طريق الباب" وحي"باب جنين".