أكثر من 50 عاماً مرت ولا يزال "الياس حنا" يتذكر تلك اللحظات التي رافقت هجرته إلى "الولايات المتحدة"، بمساعدة أحد أصدقائه، لإكمال دراسته والعمل لإعالة نفسه وأسرته، وهو الذي تحمل المسؤولية في سن مبكرة، بعد مرض والده ووفاته لاحقاً.. وهو في طريق الاغتراب أخذ عهداً على نفسه بمساعدة أهله في الوطن عندما تحين الفرصة، فكان له ما أراد.

رحلةُ الاغتراب

يبدأ "حنا" حديثه للمدوّنة عن تجربة الاغتراب ورحلة الشقاء الأولى: «دراستي بمراحلها الثلاث الابتدائية والإعدادية والثانوية كانت في مدينتي "القامشلي"، كنت مهتماً وحريصاً على إتمام الدراسة الجامعيّة أيضاً، لكنني عانيتُ كثيراً حتّى خلال دراستي الثانوية بسبب مرض الوالد ورحيله عن الدنيا، وتحملي مسؤولية العائلة كوني كبيرهم، لم يكن موردنا اليومي حينها يتجاوز الـ100 ليرة سورية، وهو مبلغ كان يجب أن يكفي أسرة مكونة من سبعة أفراد، وضمن هذه الظروف الصعبة راسلني صديق لي في "أمريكا" بأن أذهب لإكمال الدراسة والعمل، لعلني أتمكن من تدبير أموري وأمور عائلتي، قطع لي تذكرة الطائرة، والقبول الجامعي، ووفر لي مصروفاً حتّى أصل إليه، وهكذا بدأت رحلة الاغتراب التي عاهدت نفسي أنه إذا نجحت فيها فسأكون عوناً وسنداً لكل من يحتاج المساعدة ويطلبها».

الكثير من العناوين تعجبني في شخص الطيب "الياس حنا" فقد نفذ وعده تجاه وطنه وأهله بالشكل المثالي، اتجه للأمور التي يحتاجها الطالب والطفل وكبير السن، لا يتردد في تلبية ومساعدة المئات والآلاف، لديه 13 شركة في "أمريكا " يسخرها لخدمة وطنه، لم يهتم بعقوبات "قيصر"، ويتجاهل أي أمر يكون عائقاً أمام مساعدة أبناء وطنه

خطوةٌ خطوة

كانت سنواته الأولى في المغترب صعبة جداً لا يزال يتذكر كيف كان ينام على الأرض، يأكل وجبة واحدة في اليوم في سبيل توفير مبلغ مالي يستطيع من خلاله إتمام دراسته الجامعية في كلية الهندسة الميكانيكية هناك، وأيضاً إرسال بعض المصروف إلى أهله في الوطن.

يرعى الفرقة الفنية لتنمية مواهب الشباب الفنية

وبمزيد من الصبر والإرادة استطاع "حنا" الحصول على الشهادة في كلية الهندسة، واتّجه بعدها لإكمال الدراسة في إدارة الأعمال والتي تجاوزها مع نيل درجة الماجستير فيها أيضاً، بالتزامن كان يصعد خطوة بخطوة نحو تجاوز أزمته المالية، وبدت الانفراجات واضحة في حياته فأسس الشركات، وبات اسماً مهماً في عالم التجارة، ولم يبقَ إلا أن يبر بوعده لتقديم المساعدة لكل من يحتاجها.

يقول عن ذلك: «بعد 20 سنة من الغربة، قمتُ بزيارة للبلد، سمعت عن شاب ناجح في الشهادة الثانوية، وحصل على 228 درجة، ولم يستطيع إكمال دراسته، تذكرت نفسي عندما كنت طالباً، طلبتُ من كل من يريد إكمال دراسته إخباري وكل مصاريفه علي، وسألت عن امرأة لا معيل لها وأيضاً تكفلت بكل مصاريفها، هاتان القصتان كانتا البداية نحو رعاية شباب وأسر وعوائل وأرامل بالمئات».

يحضر ويشارك في احتفاليات خاصة بالمواهب التي يرعاها

مؤسسة خيرية

مع مرور الأيام ازداد عدد الطلاب والأرامل، وانتقلت الأرقام من الفردية إلى العشرات والمئات، والآن بالآلاف، حالياً 800 طالب جامعي من منطقة الجزيرة "السورية" يتابعون دراستهم على نفقته، بالإضافة إلى عديد الأسر والأرامل وكبار السن.

عن قصة الأقساط المدرسية لإحدى المدارس الخاصة، يضيف: «لا أعلم باسم أي طالب أو أرملة تسفيد من خدماتي، هذا طلب خاص مني، طبعاً سمعتُ من مقربين لي خلال زيارتي أيضاً لـ"القامشلي" بأن بعض الطلاب يدرسون في مدارس خاصة، ويفكرون بترك التعليم لعدم قدرتهم على دفع الأقساط، ودون تردد أرسلت من يسأل عن العدد وقيمة المبلع المالي، وصلني بأن العدد يتجاوز الـ1000 طالب وطالبة، في اليوم الثاني كان المبلغ كاملاً لدى إدارة المدرسة، وتابعوا دراستهم، مع مرور الزمن أصبحت لدي مؤسسة "الياس حنا" الخيرية، من خلال كم الخدمات التي تقدم لأهلي وبلدي».

معاهد وفرق رياضية

يضيف "حنا" : «تصلني رسائل مختلفة من أهلي في الوطن، بأن الوضع المادي للناس صعب جداً.. قبل عامين وتحديداً في عام 2019 وصلتني رسائل كثيرة من الأهل تطلب المساعدة، قررتُ الذهاب للمطار مباشرة، لم أهتم لجائحة "كورونا" وبعد المسافات، وفور وصولي قررت تقديم الدعم الغذائي، بتوزيع السلل الغذائية من خلال لجان مختلفة، اتجهت لافتتاح معاهد للتعليم، ولاحقاً إنشاء فرق رياضية وفنية وكورالات موسيقية لتنمية المواهب وكل ذلك مجاناً، كل هدفي وحرصي أن يبقى الناس هنا، ليكملوا عيشهم في وطنهم، وذهبت لتبني فكرة تزويج من لا يملك القدرة على ذلك، ورعايتهم حتى إنجاب 3 أطفال، لدي المئات في كل فرقة ومعهد، حالياً نبني داراً للعجزة بكل احتياجاتها، لدي فروع في "حلب والحسكة وريف دمشق" وقريباً في "حمص"، وفي جميع المحافظات السورية».

عناوين الدعم

يحتفي "الياس حنا" بين الحين والآخر مع الفرق الفنية والرياضية التي أسسها في مدينتهم، هذا أمر أيضاً مهم، حسب ما يقوله "خالد نور الدين" من أهالي مدينة "القامشلي" : «الكثير من العناوين تعجبني في شخص الطيب "الياس حنا" فقد نفذ وعده تجاه وطنه وأهله بالشكل المثالي، اتجه للأمور التي يحتاجها الطالب والطفل وكبير السن، لا يتردد في تلبية ومساعدة المئات والآلاف، لديه 13 شركة في "أمريكا " يسخرها لخدمة وطنه، لم يهتم بعقوبات "قيصر"، ويتجاهل أي أمر يكون عائقاً أمام مساعدة أبناء وطنه».

"الياس حنا" من مواليد "القامشلي" 1951، لديه ثلاثة أبناء، ومنذ أن كانوا صغاراً يأتي بهم إلى وطنهم ومدينتهم حتّى يبقى التعلق والتشبث بالوطن حسب كلامه.