ظلّت ماكينةُ الخياطة حتى وقت قريب جزءاً أساسياً من جهاز العروس في العديد من مناطق السويداء، ترافق العروس إلى بيت الزوجية ويُخصص لها مكانٌ مميزٌ في البيت تلجأ إليه ربّة المنزل بين الحين والآخر عندما يأتي الدور على الماكينة في إصلاح الألبسة أو خياطة الجديد من ستائر وأغطية من خلال ما تعلمته الزوجة من أمها.

على البساطة

تستعيد السيدة "نهال حمزة" 53 عاماً وهي ربّة منزل من قرية "رساس" جنوب "السويداء" ذكرياتها مع ماكينة الخياطة، وكيف خاطت والدتها على هذه الماكينة الصغيرة ألبسة العائلة، في زمن كانت فيه كل ملابس العائلة تمرّ عبر هذه الماكينة، فالأمُّ تخيط ملابس النوم للأولاد.. «كان طقساً طريفاً تعيشه معظم الأسر في ذلك الزمن، تشتري الأمهات أثواباً من القماش من أنواع خاصة وتصنعن منها (أرواباً) طويلةً للبنات و(بيجامات) للشباب وللأم والأب أيضاً، في زمنٍ تتحدُ فيه العائلة بلباس المنزل ولباس النوم كما كان الجميع يشتركون على الطعام والوجبات العائلية، وهذه الماكينة رافقت جهازي عند الزفاف، واحتلت مكاناً مميزاً في منزلي، أهتم بها ولا أستطيع الاستغناء عنها، لكن اختلفت طريقة الاستخدام، لأن أولادنا اعتادوا الألبسة الجاهزة لذلك فقد اقتصر استخدام الماكينة على إصلاح الملابس وتجميلها ما أمكن».

أتقنت الخياطة باستخدام الماكينة وكانت جزءاً من تسليتي الصيفية، وتمكّنت بواسطتها من إصلاح كثير من ألبستي وكانت لديّ دائماً فرصة لخياطة قطع جديدة انسجمت مع ذوقي

مكانةٌ مميزةٌ

تحتلُ ماكينة الخياطة حيزاً عاماً في المنزل، وهي كمثيلاتها من الآلات كالغسالة أو البراد أداة لا يمكن الاستغناء عنها، لكن الفارق هو رغبة ربّة المنزل باستخدامها وموهبتها في الخياطة والتصميم.

السيدة نهال حمزة

تقول المهندسة "غادة مسعود" المهتمة بالأعمال اليدوية: «الماكينة قطعة أساسية بالنسبة للمنزل، وكانت أهم قطعة في جهاز العروس، ووفق ذلك الزمن كانت غالية نسبياً لكن فائدتها أكبر من تكلفتها.. وما زلت أذكر كيف كانت والدتي تهتم بالماكينة وكيف حافظت عليها لتظلّ جاهزة عند الحاجة أو مع أي فكرة خياطة تحتاج لتنفيذها».

وتضيف: «أتقنت الخياطة باستخدام الماكينة وكانت جزءاً من تسليتي الصيفية، وتمكّنت بواسطتها من إصلاح كثير من ألبستي وكانت لديّ دائماً فرصة لخياطة قطع جديدة انسجمت مع ذوقي».

الماكينة وسيلة النساء لستر العيوب والعمل

المهندسة احتفظت بالماكينة القديمة التي تعلمت بها طريقة الخياطة، وحاولت تطويرها بمحرك كهربائي وقامت بصيانتها عدة مرات، ففي تربية ولديها احتاجت كثيراً للماكينة في تبديل سحّاب بنطلون أو إصلاح قميص أو حتى خياطة قطعة كاملة، إلى جانب احتياجات المنزل والأغطية وتفاصيل مختلفة، وتضيف: «حتى وإن كنت منشغلة بالدراسة والعمل كان استخدام الماكينة هواية بالنسبة لي، فأنا من جيل تدرّب على هذه الماكينة بماركتها المميزة والمألوفة واكتسبتُ كما كثيرات مهارة كبيرة في الخياطة والدرزة وطرق تنظيف أطراف القماش، ومهارات أعدّها مفيدة جداً لربّة المنزل».

مصدرُ دخلٍ

"مها الجغامي" موظفة تستعد للتقاعد لكنها لم تغادر مهنة الخياطة التي تعلمتها منذ الصغر وكانت الماكينة وسيلتها لتحسين الدخل وخاصة أنها لم تضطر لشراء واحدة، واستفادت من ماكينة والدتها لتتعلم خياطة الوسائد و(الشراشف) و(ديارة) الطفل والستائر والتنجيد، ووجدت في هذه المهنة فائدة كبيرة عادت عليها بدخل جيد وتضيف: «وجود الماكينة ساعدني في إيجاد عمل إضافي أمارسه بالمنزل أو المحل، من هنا اشتغلت على القص وتعلم طريقة الخياطة الصحيحة لأنني تعلمت على يدي والدتي فنون الدرزة وتطبيق القماش بالشكل الصحيح والجميل، اليوم -وأنا أستعد للتقاعد- أشعر بوفاء هذه الماكينة وكم ساعدتني عبر سنوات العمل والجدّ ولا أفكر بالتخلي عنها فقد ازدادت شباباً لأني أعتني بها وأعرف أن المحافظة عليها واجب فقد قدمت لي الكثير».

مئةُ عامٍ

بدورهم يشير ورثة المرحوم "هندي شرف" وهم القائمون على إدارة أقدم محلات "السويداء" لشراء وصيانة ماكينات "سنجر"، إلى أن (موديل) الماكينة القديم بقي منذ أكثر من مئة عام مطلوباً، ولم تطرأ عليه تغييرات كبيرة، وسجلات المتجر -الذي أسسه "شرف" منذ العام 1984 وسط المدينة في مكان يسمى "مية التربة" واستقطب كل من اهتم بالخياطة- حوت مبيع مئات الماكينات، وكذلك إصلاح ماكينات تجاوز عمرها مئة عام.

القائمون على إدارة المتجر حافظوا على الحرفة من حيث طريقة التعامل القديمة عندما كان سعر الماكينة ألفي ليرة أو أقل، وساروا بها من ذاك الزمن، أتقنوا تفاصيلها وعملية الصيانة والإصلاح وحتى هذا التاريخ يعرضون الماكينة القديمة بتصميمها المعتاد إلى جانب أنواع حديثة منها، ويتحدثون عن أن هذه الماكينة التي وصل سعرها اليوم إلى 250 ألفاً بقيت الأجمل، والشكل المحبب للسيدات بوصفها ماكينة منزلية قوية ومتينة عبرت من قرن إلى آخر بذات المتانة، منها ماكينة اليد التي تديرها المرأة بيدها ومنها ماكينة القدم، وفي النوعين يمكن استخدام المحركات الكهربائية لتخفيف الجهد وبعض إضافات للدرزة والأزرار.