منذ عشر سنوات مضت وتحديداً في العام 2011 أصبحت "دير عطية" وهي إحدى مدن القلمون الغربي في محافظة "ريف دمشق"، ثاني مدينة سورية بعد "حماة" تنضم إلى الشبكة العالمية للمدن الصديقة للمسنين، التابعة لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، حيث أعلنت المنظمة بالتعاون مع وزارة الصحة أن "دير عطية" مدينة صديقة للمسنين وذلك في احتفالية نظمت لهذه الغاية، تضمنت افتتاح عيادة وحديقة خاصة بالمسنين، وبهذا انضمت المدينة إلى قائمة المدن الصديقة للمسنين على مستوى العالم، لتغدو ثاني مدينة سورية صديقـة للمسنين، بعد "حماة" ذات الرقم 34 على مستوى العالم.

متطلبات

يقول الدكتور "أيمن دعبول" منسق مشروع المدن الصديقة للمسنين في تصريح لــ(مدوّنة وطن): إنّ فكرة المشروع تنطلق من متطلبات التطور الاجتماعي للفئات العمرية، حيث تشير التوقعات إلى أنه وحتى عام 2050 ستكون فئة المسنين هي الشريحة العمرية الأكبر وبالتالي يترتب على كل المجتمعات والدول الاستعداد لتوفير عوامل اجتماعية وصحية واقتصادية ملائمة لها.

ويشير "دعبول" إلى أن هدف المشروع يتمثل باستثمار طاقات وإمكانيات المسنين الذين تتراوح أعمارهم بين 65 و70 عاماً، وخدمتهم إضافة إلى تقديم الرعاية الصحية للفئة الأكبر أي 70 وما فوق عبر التشاركية مع المجتمع الأهلي، مشيراً إلى أن المسن يحتاج إلى دعم مالي وصحي واجتماعي ويستحق الحصول على وسائل الترفيه والراحة، ما يتطلب تكافل جميع الجهات لدمجه في المجتمع وتجنب عزلته بعدما بذل جهداً كبيراً خلال حياته.

اجتماعات لمناقشة واقع المسنين

شيخوخةٌ آمنة

زيارة المسنين ( مريم الزحيلي )

من جانبه يقول الدكتور "محمد زرزور" أمين سر اللجنة المشكلة لمتابعة مشروع مدينة "دير عطية" صديقة للمسنين في حديث لــ(مدوّنة وطن): إن جملة من الأهداف تسعى وزارة الصحة إلى تحقيقها من أجل رعاية أفضل للمسنين ومنها الوصول إلى مرحلة الشيخوخة بأمان وصحة، وتسهيل رعاية المسنين وتقليل اعتمادهم على الغير وتقليل العبء على من يرعى المسن، إضافة إلى تعزيز النظرة الإيجابية للشيخوخة وتوعية المجتمع حول كيفية الوصول إلى شيخوخة آمنة، وإعداد بيئة داعمة للأفراد والأسر لاتباع أسلوب صحي في الحياة.

ويلفت الدكتور "زرزور" إلى الإجراءات التي قامت بها لجنة مشروع مدينة "دير عطية" صديقة للمسنين ومنها افتتاح عيادة خاصة للمسنين ضمن المواصفات العالمية، جُهزت من قبل وزارة الصحة ممثلة بمديرية صحة "ريف دمشق"، وكذلك تم إنشاء حديقة للمسنين حسب المواصفات العالمية، ناهيك بوجود صرح حضاري هو دار المسنين الذي يعد من العلامات المميزة في رعاية المسنين بالإضافة إلى تأمين الدواء للمسنين مجاناً وخاصة دواء مرضى السكري والأمراض المزمنة الأخرى.

ماري سمعان

1800 مسنّ

ويضيف "زرزور" أنه تم إصدار بطاقات شخصية للمسنين الذين قدر عددهم بحوالي 1500 مسن، وهذه البطاقات تميز حاملها وتخوله الحصول على امتيازات متعددة مثل إعفائه من الوقوف بالدور ومنحه تخفيضات عند الشراء من الفعاليات الاقتصادية والطبية ومراجعة الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان والمخابر وجميع الخدمات الطبية، كما تم تقديم الدواء المجاني لــ50 مسنّاً مقعداً يصلهم الدواء إلى بيوتهم، وذلك بدعم من المجتمع المحلي ووزارة الصحة والمعاينات الدورية من قبل عيادة المسنين المتنقلة، كما أنشئت مع العيادة الثابتة في مركز "دير عطية" الصحي عيادة متنقلة، حيث تم تنظيم أضابير خاصة بكل مسن وفق نموذج خاص، وبلغ عددهم / 1800 / مسن قدمت لهم جميع الخدمات الصحية المجانية والخدمات الاجتماعية بما فيها الزيارات المنزلية والخدمات الأخرى التي تخص الطرق والأرصفة ووسائل النقل، والخدمات الثقافية لتعريف الأجيال باحتياجات المسنين في المجتمع.

ويشير أمين سر اللجنة إلى أن المشروع والأعمال والمبادرات لتحقيق المعايير الدولية للمسنين تعثرت نوعاً ما بسبب الحرب الإرهابية إلا أنها لم تتوقف، والخدمات التي تقدمها العيادات في مركز "دير عطية" الصحي والعيادة الخاصة بالمسنين دليل واضح على ذلك، وبعد الاستقرار الأمني الذي تنعم به المنطقة كان لا بدّ من الانطلاقة لإتمام المشروع ولكن جائحة "كورونا" وقفت اليوم في طريق إعادة عجلة الحياة للمشروع الذي لا بدّ من العودة إليه ضمن الإجراءات الاحترازية.

ضرورةٌ ملحّة

وعلى هامش الملتقى الذي دعت إليه كنيسة "رقاد السيدة العذراء" في "دير عطية" لمناقشة واقع المسنين في المنطقة، قال راعي كنيسة "رقاد السيدة العذراء" الأب "باييسيوس الجريس" في تصريح لــ(مدوّنة وطن): إنّ مدينة "دير عطية" مهيأة لمراعاة ظروف المسنين واحتياجاتهم، فالطرق آمنة عندما يسير عليها المسن، حيث جرى مراعاة ارتفاع الأطوال في الأرصفة، والمواصلات مهيأة لاستقبال المسن فيها، موضحاً أن مشروع مدينة" دير عطية" صديقة للمسنين الذي تم تنفيذه منذ قرابة العشر سنوات، تمت فيه مراعاة الظروف الصحية والنفسية للمسنين ومن الضروري أن تتم إعادة إحياء واستثمار هذا المشروع للاستفادة منه من قبل المسنين كافة في المدينة.

فيما أوضحت مسؤولة العمل الاجتماعي للمسنين في الكنيسة "فيرا سلوم" في حديث لــ(مدوّنة وطن) أن المدينة قامت بتنفيذ المعايير التي تم تحديدها ونجحت في مساعدة المسنين على الحياة من دون تعب، واستطاعت اللجنة المشكلة لهذه الغاية دمج كبار السن في المجتمع واستطاع المسن ممارسة حياته الطبيعية من دون تعب، وبطريقة مستقلة دون الاعتماد على المرافقين.

وفي تصريح لــ(مدوّنة وطن) طالبت الناشطة في المجال التطوعي المهندسة "مياس الخوري"، بإعادة تطبيق هذا المشروع في "دير عطية" لخدمة المسنين فهؤلاء باتوا اليوم بحاجة ماسة للرعاية أكثر من أي وقت مضى، لهذا إعادة تفعيل المشروع ضرورة ملحة وخطوة في الاتجاه الصحيح.

إلى الأفضل

وخلال زيارة مقر مشروع "دير عطية" صديقة للمسنين الذي تبرع ببنائه السيد "محمد التجار" أحد المحسنين في المدينة التقينا بعدد من المسنين أثناء مراجعتهم العيادة السكرية، وأعربت "فاطمة معاد" 77 عاماً، عن أنها تشعر بالسعادة لما تلقاه من المجتمع المحلي على نطاق واسع، وخاصة الخدمات التي يقدمها المركز الصحي وعيادة المسنين على الرغم من أن المشكلة الرئيسة التي يعانيها المسنون هي كيفية العيش بتقاعد حكومي يبلغ 60 ألف ليرة سورية شهرياً.

وقال" أحمد السعيد" 70 عاماً: "كنت أمضي كل الشتاء في الفراش كي أظل دافئاً، إذ إنني لا أملك ثمن الوقود، أما اليوم وبفضل أعضاء مشروع "دير عطية" صديقة للمسنين حالنا بات أفضل بكثير.. إنهم يقدمون لنا ما نحتاج إليه ويتناسب مع سننا، وأصبح الاهتمام أكبر بما نحتاج إليه أكثر من ذي قبل".