لم ينقطع خبرها عن الدنيا، فرغم وفاتها لا تزال سيرة الراحلة "خديجة إسماعيل" تجري على ألسنة أهالي منطقتها "المالكية"، كواحدة من صاحبات الأيادي البيضاء، وهي التي اعتادت طيلة حياتها على جلب المياه من أماكن بعيدة للأسر المحتاجة والتي ليس لديها معيل، أو لكفاية حاجة المسجد من المياه، عندما كان جلبها يتم بواسطة القرب والدواب.

سُقيا الماء

وعن تفاصيل عمل الراحلة "خديجة" يقول الحاج "خير الدين حسين" من أهالي منطقة "المالكية": «قبل عشرات السنين، كانت الينابيع هي مصدر التزود بالمياه، وغالباً ما كانت هذه الينابيع بعيدة عن المنازل، ويصعب على كثيرين الوصول إليها كونها تقع بين الوديان والجبال.. ولكن ورغم هذه المشقة هناك سيدات أخذن على عاتقهن القيام بهذه المهمة، ومنهم الراحلة "خديجة" التي حرصت طيلة حياتها على جلب المياه وبشكل تطوعي لجامع قريتها بشكل يومي، إضافة إلى تزويد الكثير من بيوت القرية بالمياه ونقلها على كتفها من الينابيع، وظلت سيرتها خالدة على لسان أهل المنطقة رغم وفاتها لما قدمته من جانب اجتماعي وإنساني مميز».

مواقف الراحلة "خديجة" على لسان أهالي ذلك الزمن نُقِلت لنا رغم وجودي في منطقة تبعد عن مناطقهم، والخالة "بيراز" شربتُ من يديها المياه خلال وجودي في القرية لأيام، هذه القصص والمواقف خلقت جواً اجتماعياً مميزاً للمنطقة عامة، فأجيال تنقل القصص لأجيال

خدمة جليلة

وليس بعيداً عن قرى منطقة "المالكية" التي تشتهر بكثرة ينابيعها، امرأة أخرى فرضت اسمها بين النساء اللواتي حملن على عاتقهن تأمين المياه من الينابيع، كانت عملية صعبة وشاقة على النساء، ولكن الهدف من ذلك تأمين الماء لكل بيت وأسرة، خاصة في فترة عدم وجود شبكتي المياه والكهرباء في القرى سابقاً.

بيراز

ويوثّق الباحث "عمر اسماعيل" وهو من أهالي منطقة "المالكية" قصصاً لعدّة نساء تطوعن للقيام بهذا الحانب المجتمعي والإنساني، ويشيد بدور "بيراز كنعان" فقد كان (قلبها على تلامذة المدارس)، تجهز لهم المياه أثناء الفرص، لم تنقطع عن المهمة وأداء هذا الواجب لحظة واحدة حسب كلام الباحث.

مشهد الأطفال وهم يركضون بشكل جماعي من مدرسة "عين ديوار" إلى منزل "بيراز" لا يزال في مخيلة الباحث "عمر" يقول عن ذلك: «هناك في كل زمان ومكان أناس لهم أيادٍ بيضاء في تقديم خدمات جليلة، وفي غاية الأهمية، الأهم أنها تطوعية ودون انتظار مقابل أو حتى كلمة شكر، وهذا هو حال "بيراز كنعان"، حيث جنّدت نفسها لأطفال المدرسة بشكل خاص، كان التلاميذ يملؤون باحة منزلها حركة وضجيجاً، مع ذلك كانت سعادتها لا توصف، كانت تجهّز المياه للتلاميذ الذين يأتون إلى المدرسة من قرى أخرى، وكان حرصها عليهم مضاعفاً، ومن خلال تلك اللحظات الطيبة بمنحهم المياه ارتبطت معهم ومع أهلهم بعلاقات اجتماعية قائمة حتى اليوم، يصل عمر تلك العلاقات لأكثر من نصف قرن، كما كانت تقوم بتأمين المياه لمواقف أخرى تخدم المجتمع، وعملية نقلها للمياه كانت من الينابيع البعيدة والشاهقة».

خديجة

مواقف إنسانية

ينابيع منطقة عين ديوار

تلك المواقف خالدة في أذهان كل من عاصرها وسمع عنها، يجدون فيها لغة محبة وسلام، لا يمكن لأهل تلك الفترة نسيان ونكران أهل تلك المواقف، يقول عن ذلك "خالد عبد الحميد" من أهالي ريف "القامشلي": «مواقف الراحلة "خديجة" على لسان أهالي ذلك الزمن نُقِلت لنا رغم وجودي في منطقة تبعد عن مناطقهم، والخالة "بيراز" شربتُ من يديها المياه خلال وجودي في القرية لأيام، هذه القصص والمواقف خلقت جواً اجتماعياً مميزاً للمنطقة عامة، فأجيال تنقل القصص لأجيال».

أجريت اللقاءات في تلك المنطقة مع مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 13 أيلول 2021.