في الجهة الشمالية الشرقية لمدينة "حلب" يقع حيُّ "باب الحديد" المهم بموقعه الجغرافي والاستراتيجي، بما يخدم ويلبي متطلبات وحاجيات أهالي المدينة من جميع النواحي الصناعية والتجارية والزراعية والمهنية.

بني الحيُّ على الطراز المعماري العربي الجميل، وهو موغل بالقدم والتاريخ، والشواهد الأثرية داخله ما زالت حاضرة وباقية، ممثلة ومنقوشة في الأزقة والحوانيت والمنازل والحمامات والجدران.

عشت وتربيت ولعبت ودرست في هذا الحي "باب الحديد" مدة أربعين عاماً قبل أن أنتقل لحي آخر، كل أبناء الحي يعرفون بعضهم بعضاً، كنا نتقاسم همومنا وأفراحنا وأحزاننا ونتفقد مرضانا ونزورهم ونحترم كبيرنا إذا مرّ من أمامنا ونحسب له الحساب

بناءٌ أثريّ

"باب الحديد" في "حلب" هو واحد من سبعة أبواب هي "باب أنطاكية" و"باب الفرج" و"باب النصر" و "باب المقام" و"قنسرين" و"باب الأحمر"، وهو يقع شمال قلعة "حلب" مباشرة، وسمي بـ"باب الحديد" لأن الحوانيت التي تجاوره كان يصنع فيها الحديد وله اسم آخر "باب القناة" والمقصود قناة الري من قرية "حيلان" التي كانت تصل الحي ويشرب منها الأهالي، وبعض المؤرخين قالوا إنه أطلق عليه "باب الحديد" لأنه مصنوع كله من الحديد، وعرف أيضاً بـ"باب بنقوسا" الذي بناه "قانصوه الغوري" عام 1059 هجرية، وفي داخل الباب المدرسة "الأتابكية" التي أنشأها "شهاب الدين الظاهر غياث الدين غازي" في عام 618 هجرية.

صلةُ وصلٍ

يحتفظ الحي حتى الآن بجمال طرازه المعماري وشكله الخارجي، وحديثاً وتخفيفاً للازدحام المروري تم إنشاء دوار في وسط الحي الذي يعرف بدوار "باب الحديد"، والحي صلة الوصل بين أحياء "قاضي عسكر" و"اقيول" و"باب النصر" و"بانقوسا" و"ميسلون" و"جبل العظام" و"حارة الباشا" و"ميسلون" و"قارلق" و"البياضة".

و"حارة الباشا" هي من أكثر الأحياء والمناطق الأثرية ومنها خرجت أشهر العائلات الحلبية، وتعود أهمية حي "باب الحديد" لأنّه عقدة مرور رئيسية لهذه الأحياء، كما أنه مركز سوق تجاري وصناعي وزراعي لبيع وشراء حاجيات أهالي الأحياء المجاورة له.

سوقُ "جب القبة"

ولعلّ أشهر الأسواق المنبثقة عنه هو سوق "جب القبة" الذي يقع إلى الجنوب الغربي منه، ويحتوي في طرفيه على مئات المحلات التجارية لاستقبال بضائع الزبائن باكراً القادمة من الأرياف القريبة والبعيدة وهي من مشتقات الحليب والسمن والأجبان بشكل خاص، إضافة للصوف والملح والزيوت والأسمدة

والسمسم والزعتر.

تبدأ الحركة في السوق الساعة السادسة صباحاً ولا تنفضُّ حتى عصر اليوم، ويأتي إلى هذا السوق كل بائعي الجملة والمفرق لاقتناء حاجيات محلاتهم من جميع أنحاء المدينة، والطريف بالأمر أن لكل زبون مفرق تاجر محدد داخل السوق لا يبدله إطلاقاً يبتاع منه وبشكل سنوي وفصلي دائم حسب الحاجة والمؤونة.

ويعدُّ حمام "باب الحديد" من أهم الحمامات الأثرية داخل المدينة القديمة، حيث يعود بناؤه إلى أكثر من خمسمئة عام وكان يجلب لأهالي الحي أجواء سعادة بالأفراح والمناسبات والأعراس، ويمكنه استقبال أكثر من خمسمئة شخص وله واجهات أثرية حجرية وأسقف وأقواس وأبواب خشبية، وبناؤه حجري تراثي وفق الطابع العمراني القديم، يزوره أغلب أبناء المدينة، ويقطن الحي عوائل حلبية شهيرة، أغلبها كان يعمل بمهن تجارية.

شهادةُ أهل الدار

المهندس" منتصر خواتمي" صاحب أحد المحال في السوق يقول: «أملك محلاً لبيع الحلاوة الحلبية بجانب هذا الباب الأثري "باب الحديد"، ورثت العمل في هذا المحل القديم الذي يبلغ عمره 90 عاماً عن والدي بعد وفاته، والباب له تسمية أخرى "باب القناة" وكان الحيُّ قبلةً للسائحين والزوّار من مختلف أنحاء العالم، وكذلك يتجولون في الأحياء الأخرى مثل "قبو النجارين" و"المخفر"، إضافة لزيارات الحمامات الكثيرة الموجودة بداخل الحي وزيارة "سوق النحاسين" القريب من هنا، ومن ثم النزول نحو حي "باب النصر" و"جادة الخندق"، وكانت محلاتنا كافة تنتعش بالحالة الاقتصادية والبيع والشراء، وبشكل عام الحي له نشاط تجاري للفلاحين والصناعيين وأهالي المدينة».

"حمدي قواف" واحد من أبناء المنطقة يقول: «عشت وتربيت ولعبت ودرست في هذا الحي "باب الحديد" مدة أربعين عاماً قبل أن أنتقل لحي آخر، كل أبناء الحي يعرفون بعضهم بعضاً، كنا نتقاسم همومنا وأفراحنا وأحزاننا ونتفقد مرضانا ونزورهم ونحترم كبيرنا إذا مرّ من أمامنا ونحسب له الحساب».

كلُّ ما تطلب

بدوره يوضح العم "جمال فلرو" الملقب "أبو بكري" صاحب محل بيع أدوات زراعية أن «الحي يحتوي كل ما يلزم الصناعيين والزراعيين والمهنيين وأبناء المدينة نظراً لضخامته وأهميته، وبداخله كان يوجد كراج سفر للريف الشمالي، وهناك عدة أسواق مهمة تتبع لحي "باب الحديد" مثل "سوق الجاج" و"الحدادين" و"الخشابين" و"الجبيلة" و"دوار القلعة"، ومن أهم الأسواق "جبة القبة" هو سوق كبير ومهم جداً للمنتجات الحيوانية ومشتقاتها فهو سوق لا ينام والحركة فيه لا تتوقف بين البائع والمشتري، وبالقرب من هنا توجد مطحنة الحي الشهيرة لصاحبها "شبارق" ومسجد وحارة "بانقوسا" التي تشتهر بصناعة الحلويات العربية وسوق اللحوم والخضار، وهناك محل شهير لتفصيل "الصرماية الحمراء" الملازمة للباس العربي من (كلابيات وعبي وشالات والشروالات وسمنيات وطاقيات) أثناء الأعراس على يد "صبحي تومان"، وأيضاً سوق للأقمشة والألبسة والأحذية ومحلات سنّ مقصات الحلاقين، ويوجد هنا سوق للحبال والخراطيم والصباغة والعدد الزراعية والصناعية ومحمصة للموالح كانت تصدّر الموالح للمدن الداخلية والدول المجاورة».

تمّ اللقاء والتصوير داخل حي "باب الحديد" بتاريخ العشرين من شهر أيلول لعام 2021.