احتلّ السفر إلى مدينة "أربيل" في "العراق" خلال الأعوام القليلة الماضية، وما زال، اهتمامَ فئةٍ كبيرةٍ من السوريين وخصوصاً الشباب منهم، بقصد البحث عن مصدر أفضل للرزق وتحسين واقعهم المادي، ومنهم من قصدها كمحطة على طريق الهجرة الدائمة.

مغامرةٌ ولكنْ

وصل "طوني" الشاب الثلاثيني إليها، وهو يحلم بإيجاد فرصة عمل تحقق له دخلاً مادياً يساعده في تأمين مستقبله، هذا ما بدأ به حديثه مع مدوّنة وطن "eSyria" حيث يقول: «مثل أيِّ شاب فإنَّ حلم تكوين أسرة هو الهدف الأهم بالنسبة لي، هذا الأمر قد يكون من الصعب تحقيقه في ظلِّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها في بلدنا، خاصةً مع تدني الأجور المادية، وغلاء المعيشة، والتكاليف الباهظة التي يحتاجها مشروع تكوين الأسرة، كان عليَّ المجيء إلى "أربيل" من أجل ذلك رغم أنَّها مغامرة كبيرة، تشوبها مخاطر وعقبات جمّة، فالكثير ممن قدموا إلى هنا، تعرَّضوا لعمليات نصبٍ جرَّاء وعودٍ وإغراءات قُدِّمت لهم قبيل السفر من "سورية"، اكتشفوا عند وصولهم زيفها، وهو ما حدث معي بشكلٍ شخصي، لكن وجود أصدقاء لي هنا ساعدني على تخطي ذلك، والبحث عن فرصة عمل حقيقية ومناسبة».

هذه الفرصة مكنتني من التقرب من أجواء العمل الطبيِّ المشابه لتخصصي كطبيب أسنان، وتكوين شبكة علاقات واسعة فيه، لذا سنحت لي لاحقاً، وظيفة عملٍ كمساعد طبيب حيث استمر ذلك الأمر لمدة شهرٍ تقريباً، بعدها حصلت على فرصة العمل بتخصصي الأصلي.. وبات الاستقرار هنا خياراً مطروحاً

تشابهٌ مجتمعيّ

يتابع "طوني" الحديث عن واقع الحياة الاجتماعي والاقتصادي في "أربيل" ليؤكد – حسب رأيه – التشابه الكبير بين عادات المجتمع فيها، مع ما هو عليه الحال في "سورية"، مضيفاً بقوله: «الودُّ الذي يكنُّه سكانُ البلد الأصليون للسوريين بشكلٍ خاص، والمعاملة الحسنة التي يعاملونهم بها، وثقتهم بمهارة العامل السوري في شتى مجالات العمل المسند إليه، فضلاً عن أعداد الوافدين الكبيرة من السوريين؛ كلها أمور خففت من الشعور بالغربة، إضافة إلى المردود المادي الذي يتقاضونه هنا.. بالنسبة لي، حظيت بفرصة عمل جيدة، في إحدى شركات صناعة (الشيبس) لمدة 12 ساعة يومياً، وهو العمل نفسه الذي كنت أمارسه في أحد المعامل التي كنت أعمل بها في مدينة "حسياء" الصناعية».

الشاب طوني الياس

البحثُ عن التميّز

الإعلامية ميرنا محمد

بدورها تقول "ميرنا محمد" الشابة السورية التي تعمل في مجال الإعلام في حديثها لمدوّنة وطن "eSyria": «عدد القنوات التلفزيونية الموجودة هنا وتنوّع توجهاتها، والاحترام الذي يبدونه للشخص الذي يعمل في مجال الإعلام، لأنهم يعدّونه شخصاً مسؤولاً وملتزماً بمهنته وبمبادئ عمله، والحرية الممنوحة له في تنفيذ عمله، عدا عن الأجر المادي، والمكتسبات الأخرى من تعويضات المسكن والتنقل وغيرها، كلُّ ذلك كان سبباً في مجيئي إلى هنا».

تشير "ميرنا" إلى أن آلاف السوريين الموجودين في "أربيل" جاؤوا بحثاً عن واقع أفضل، ساعدهم في ذلك سهولة الوصول إليها، وتكلفة السفر القليلة مقارنةً بدولٍ أخرى، إضافةً لفرص العمل الموجودة هنا، وتقارب نمط الحياة والعادات المجتمعية المشابهة إلى حدٍّ كبير لما هي عليه في "سورية"».

طائرة السفر في مطار بغداد

محطةُ هجرة

كانت "أربيل" بالنسبة لي ولعائلتي محطة انتظارٍ على طريق الهجرة إلى إحدى الدول الأجنبية، إلاَّ أنَّ ذلك لم يتحقق حتى أيامنا هذه.. هذا ما قاله طبيب الأسنان "كنان" المختص بجراحة الوجه والفم والفكين خلال حديثه مع مدوّنة وطن "eSyria" مضيفاً: «تجربة قدوم شابٍ مثلي، مع زوجتي وطفلي الصغير كانت مغامرةً وصراعاً مع الوقت، لأنَّ التقدُّم بطلبات الهجرة لأي دولة غير معروف المصير، إن كان رفضاً، أم قبولاً، والانتظار هو سيد الموقف، لذا كان عليَّ البحث عن فرصة عملٍ أيَّاً كانت ضمن تخصصي العلمي، من أجل تأمين معيشة عائلتي هنا».

ويصف الطبيب "كنان" رحلة البحث عن فرصة العمل تلك بأنها لم تكن سهلة بالمطلق، فهو ابتدأ عمله كمندوبٍ في إحدى الشركات الطبية في "أربيل"، ويتابع قائلاً: «هذه الفرصة مكنتني من التقرب من أجواء العمل الطبيِّ المشابه لتخصصي كطبيب أسنان، وتكوين شبكة علاقات واسعة فيه، لذا سنحت لي لاحقاً، وظيفة عملٍ كمساعد طبيب حيث استمر ذلك الأمر لمدة شهرٍ تقريباً، بعدها حصلت على فرصة العمل بتخصصي الأصلي.. وبات الاستقرار هنا خياراً مطروحاً».

ويبقى السؤال..

إنَّها عيناتٌ مختلفةٌ من عشرات آلاف السوريين الذين اضطروا للهجرة إلى "أربيل" بسبب تأثيرات الحرب التي عانى منها السوريون على مدار السنوات العشر الماضية، لكن يبقى السؤال الأهم هو: من المسؤول عن إيقاف نزيف الهجرة اللا محدود للشباب السوري وخسارة كفاءاته العلمية والمهنية التي تحتاجها عملية إعادة الإعمار المنشودة، وكيف سيتمُّ ذلك الإيقاف؟؟

نهايةً نشير إلى أنّ اللقاءات مع المشاركين قد جرت جميعها عبر خدمة "الماسنجر".