يعدُّ "حي الميدان" الواقع في الجهة الشمالية لمدينة "حلب" واحداً من أهم أحيائها الصناعية والتجارية المتخصص بإصلاح وتعمير السيارات الصغيرة والمتوسطة للنوعين العام والخاص، كما تنتشر فيه مخازن القطع التبديلية الجديدة والمستعملة، فضلاً عما يتمتع به أصحاب الورش من مهارات الإصلاح وبأقل التكاليف المادية الممكنة.

أباً عن جد

تجاور حي "الميدان" من جوانبه أحياء صناعية متداخلة ومتشاركة معه في المهنة نفسها، وهي "السليمانية" و"بستان الباشا" و"ميسلون" و"سليمان الحلبي"، وتأخذ محلاته الطابع الصناعي المحض لإصلاح السيارات وبيع القطع التبديلية، وفي هذا يقول "هايرو صاموئيل ديكران" صاحب أحد محلات خراطة المحركات في حديثه لمدوّنة وطن: «أتيت من مدينة "القامشلي" إلى مدينة "حلب" في عام 1980، تعلمت المهنة على يد أحد أشهر الحرفيين حينها "مهران عنبرجيان"، وبعد إتقاني العمل تشاركت مع أحد الأصدقاء في افتتاح ورشة خاصة بنا لخراطة جميع أنواع المحركات بحي "الميدان"»، مضيفاً: «جوهر عملنا مشترك ومرتبط مع محل "المكنسيان" ونقوم باستلام المحرك العاطل ونعيد (خراطته) من جديد ونحاول قدر الإمكان تسريع العمل، فأغلب زبائننا من خارج المحافظة وتحديداً من المنطقة الشرقية، وما يعوق عملنا أحياناً عدم توفر بعض القطع التبديلية وخاصة للعربات قديمة الصنع، وهنا نتواصل بمعارفنا داخل المدنية أو خارجها لتأمين المطلوب، وفي حال فقدانها نحاول صبّ وتصنيع تلك القطعة البديلة بشكل مماثل على أن تؤدي الغرض نفسه، مهنتنا متوارثة أباً عن جد للحفاظ على قيمتها وأهميتها».

أتيت من مدينة "القامشلي" إلى مدينة "حلب" في عام 1980، تعلمت المهنة على يد أحد أشهر الحرفيين حينها "مهران عنبرجيان"، وبعد إتقاني العمل تشاركت مع أحد الأصدقاء في افتتاح ورشة خاصة بنا لخراطة جميع أنواع المحركات بحي "الميدان"

أخلاق المهنة

يتشارك أصحاب الورش في الحي بالعمل ويقدمون النصح والمشورة والخبرة الفنية لبعضهم، ما زاد من شهرة الحي كأهم مقصد لإصلاح السيارت في "حلب"، وهناك مثل متداول هنا (إذا بدك تصلح الدوزان مالك غير الميدان).

ورشة هايرو لخراطة المحركات

يقول "سعيد معاز" صاحب محل لـ(دوزان) السيارات: «تعلمت مهنتي هذه منذ الصغر وفي هذا الحي تحديداً وعلى يد معلم أرمني "اسكندر مومجيان" الذي كان يعاملني معاملة أبوية، كان يشاركني الطعام والشراب أثناء فترة الغداء بالمحل، ويترك مفاتيح المحل لدي أثناء سفره خارج المحافظة للعمل، ويوصيني بألا أزعج أي زبون حتى لو تأخر بالدفع المستحق عليه، لقد كان حريصاً على أن أتقن (كار) المهنة على أصولها، ويطلب مني التروي والهدوء أثناء استلام الأجور وتسليم القطع لأصحابها بعد إنجازها بشكل كامل، واستلام كافة التصليحات القادمة للمحل، ورغم افتتاح محلي الخاص ما زال معلمي يتواصل معي حتى الآن، ويطمئن على حالي وأحوال عائلتي وصحتي، وبالمقابل أذكره بكل الخير والعرفان بالجميل على ما قدمه لي من خبرة، فقد كان سبباً في تعليمي هذه المهنة التي أعيش منها».

مهنة متوارثة

داخل "حي الميدان" تجد الأعمار اليافعة الصغيرة بشكل ملفت، وهي تمارس مهنة تعلم إصلاح آليات بكافة أنواعها وبيع القطع التبديلية، وعن ذلك يقول "جورج سلوكجيان" بائع قطع تبديلية: «تعلم المهنة والدوام بالمحل، هو طبع متجذر لدى أغلب الشباب هنا، فأغلب أبنائنا يعودون للالتزام في محل الوالد أو المعلم سواء لتعلم التصليح أو لبيع القطع التبديلية، ويعود ذلك لسهولة تعلم المهنة في الصغر، والحفاظ عليها.. كثيرون لا يحبذون الارتباط بالعمل الوظيفي، وهكذا تبقى مهنتنا مصانة ومحفوظة وفي أيدي أولادنا ينقلونها من جيل لآخر».

ورشات بخ السيارات داخل الميدان

ذكريات

حنا بالي أحد ابناء الحي وحديث الذكريات

في حديثه للمدوّنة يقول السائق المتقاعد "حنا بالي": «أصولي من مدينة "ديار بكر" جاء والدي لمدينة "حلب" في عام 1911، سكنّا هنا في هذا الحي بسلام وأمان، عشت طفولتي وشبابي وترعرت في هذا الحي الجميل، وعملت بمهنة تصليح السيارات لدى معلمي "آكوب بربريان" الذي هاجر لألمانيا في السبعينيات، تحولت بعدها للعمل كسائق شاحنة كبيرة ضمن المحافظات، وما يميز أهالي الحي هنا المحبة السائدة والعيش المشترك بين الجميع، نتقاسم مع بعضنا بعضاً الهموم والأفراح والأحزان والكل يحترم المناسبات الاجتماعية والدينية لدى الآخرين».

تمّ إجراء اللقاءات والتصوير من داخل حي "الميدان" بتاريخ 18 من شهر حزيران لعام 2021.