لم تمنعه سنوات عمره التي تجاوزت الستين من ممارسة رياضة الجري، تلك الرياضة التي كان للعداء الرياضي "عيسى سليمان" باع طويل فيها، وحتى اليوم لا يزال يجوب شوارع وملاعب مدينته "حلب" جرياً على قدميه، متحدياً تقدمه في السن وظروفه المادية والاجتماعية الصعبة، فرياضة الجري بالنسبة له هي بمنزلة الأوكسجين، وهي التي تمنحه السعادة وتعوضه عن نواقص العوز والحرمان، على حد قوله.

قصة البدايات

مدوّنة وطن "eSyria" زارت العداء الرياضي والملقب بالوسط الرياضي بـ "ابو العيس" أثناء قيامه بتمرينه اليومي المعتاد للجري في ملعب "الأخوة" بحي "المحافظة" فقال:« أنا من مواليد عام 1960 من مدينة "حلب" بحي "الأشرفية"، وبداية علاقتي ومحبتي للرياضة كانت منذ الصغر، ومثل الكثير من زملائي أحببت لعب كرة القدم وتابعت هوايتي بالانضمام لفرق الأحياء الشعبية حتى حصولي على الثانوية في عام 1982، وأثناء خدمة العلم كنت أتمرن وأشارك بسباقات الماراثون والضاحية بين الوحدات العسكرية وأحرزت عدة بطولات متتالية».

رغم دخولي عمر الستين لم ولن أفكر بالتوقف نهائياً عن الجري بمختلف أنواعه، لأنه برنامجي اليومي الذي أتنفس وأعيش حياتي لأجله

ويضيف: « بعد نهاية خدمتي الإلزامية اتخذت قراراً بعدم التوقف عن رياضة الجري، مع العمل على تطويرها، وبأسلوب مقبول أستطيع أن أحقق فيه أرقاماً وأزمنة أفضل من السابق، وبدأت بالمداومة على الجري لمدة ساعتين يومياً على ملعب "رعاية الشباب" بحي "السليمانية"، وفي عام 1995 وأثناء أحد تماريني كان مدرب ألعاب القوى "محمد أوسو" الموجود على مضمار الجري، يراقبني ويدون أرقام وأزمنة الجري التي أحققها، وبعد نهاية تمريني حدثني وطلب مني الانضمام فوراً لمجموعته التي كان يشرف على تدريبها، وبعد فترة من الالتزام معه بدأت أشعر بتحسن مستواي، لأنضم بعدها لفريق "حلب" لألعاب القوى، وأشارك في عدة سباقات مثل سباق خمسة كيلو مترات، وسباق عشرة كيلو مترات بمدينة "دمشق" حيث سجلت زمناً جيداً وهو (ست عشرة دقيقة و أربع عشرة ثانية) وتابعت بسباقات الأربعمئة والثمانمئة والموانع، إضافة لسباقات الضاحية والماراثون وحصلت في السباق الأخير على المركز الخامس على مستوى القطر وهنا زاد تعلقي وعشقي لهذه الرياضة».

مع لاعبه أشرف رمضان أثناء التمرين اليومي

برنامج يومي

ممارسة لعب الكرة أثناء الاستراحة

يشير "سليمان" إلى أنه استمر بممارسة نشاطه الرياضي وتمارينه اليومية لمدة عشر سنوات متتالية دون توقف أو انقطاع أو حتى نيل استراحة ولو ليوم واحد، وشارك في كافة الاختبارات على مستوى المحافظة والقطر، وتمكن من تحقيق نتائج جيدة، ليكون عام 2004 نهاية المطاف به كعداء وبطل يدخل المشاركات والبطولات الرسمية، لكن ورغم ذلك لم يعلن توقفه عن تمارينه اليومية وبقي مواظباً عليها حتى اليوم.

وعن برنامجه اليومي يقول: «ممارسة الرياضة تحتاج للتنظيم والابتعاد عن كل ما يضر الجسم.. أستيقظ باكراً في السابعة مع تناول وجبة الإفطار، وتكون حقيبة اللباس الرياضي مجهزة ونظيفة ومرتبة أصطحبها معي إلى دوامي الوظيفي، وبعد الانصراف أذهب مباشرة للملعب لإجراء الحصة التدربية والبداية تكون لمدة أربعين دقيقة بتمارين إحماء ثم يلي ذلك تنفيذ الحصة الرياضية حسب الخطة المقررة، وتستغرق بحدود ساعة كاملة، أعود بعدها للمنزل سيراً على الأقدام وأنام باكراً في العاشرة مساءً».

المدرب زكريا حمامي

أرقام وطرائف

مسيرة "سليمان" تحمل وعلى مدار أكثر من أربعين عاماً حسبما يقول الكثير من الطرائف والذكريات والأرقام القياسية، ومن أهمها أنه لم يستقل أية وسيلة نقل ضمن المحافظة إطلاقاً فهو يتنقل على قدميه، وفي إحدى السفريات لمدينة "اللاذقية" طلب من سائق الحافلة التوقف قبل وصولها للمدينة بأربعين كيلومتراً وتابع طريقه عدواً، وفي جعبته أرقام قياسية ومدونة، فمعدل عدوه اليومي يقدر بعشرة كيلو مترات، وبحسبة بسيطة يمكن القول إنه قطع خلال مسيرته الرياضية مسافة تقدر 94 ألف كيلومتر، أي ما يعادل محيط الكرة الأرضية.

وعن طموحاته حتى وهو في هذا السن يعرب "سليمان" عن أمله في قطع مسافات طويلة بين دول الجوار لكن ذلك يحتاج -حسب قوله- إلى برنامج منظم ودقيق وتنسيق وترتيب بين عدة جهات وميزانية مالية كبيرة وهي غير متوفرة لديه، مضيفاً بالقول: «رغم دخولي عمر الستين لم ولن أفكر بالتوقف نهائياً عن الجري بمختلف أنواعه، لأنه برنامجي اليومي الذي أتنفس وأعيش حياتي لأجله».

كفاءة مشهودة

من جهته يقول مدرب القواعد بكرة نادي الاتحاد "زكريا حمامي": «أعرف الكابتن "سليمان" منذ أكثر من ثلاثين عاماً مواظباً على الملاعب من دون القطاع، وبكافة الظروف المناخية الصعبة، وكثيراً ما طلبت مشورته لتقديم برنامج محدد لرفع اللياقة البدنية للاعبي فريقي ولم يبخل علينا وكان يقدم خدماته بكل روح رياضية ويشرف على تنفيذه بذاته مجاناً ودون أي مقابل».

فيما قال لاعبه "أشرف رمضان" طالب هندسة: «هو مدربي في ألعاب القوى منذ سبع سنوات، ويشرف على كافة تماريني اليومية، ويرافقني بكل البطولات، ويقدم لي الإرشاد والنصح وساعدني بتطوير مستواي وهو صاحب أخلاق رفيعة ومحبوب من جميع اللاعبين ويعدُّ خبرة متميزة مشهوداً لها بالكفاءة».

تم إجراء اللقاءات والتصوير بتاريخ السابع عشر من شهر حزيران لعام 2021 بملعب "الأخوة" بحي "المحافظة".