تعتبر "الهبرية" من الأزياء التي لا تزال تحافظ عليها المرأة في ريف "دير الزور" كغطاء للرأس، والتي تختلف بالشكل واللون لتعبر عن الحالة الاجتماعية لساكنات تلك المنطقة.. وقد تكون زوجة أحد ملوك "ماري" من بين أول من وضعن غطاء الرأس في أعراسهن.

"مدونة وطن eSyria" التقت بتاريخ 6/9/2013 السيدة "سلوى المحمد" التي تحدثت عن عصابة الرأس بالقول: «يتمثل اللباس التقليدي في "دير الزور" بالنسبة للعازبات بثوب ملون يعرف "بالعصبة أو الهبرية" وهو وشاح حريري يستر شعر الرأس بحيث لا يظهر منه سوى الوجه، والعصبة هي تاج المرأة في الريف فبعد أن تنتهي من ارتداء ثيابها تبدأ بتثبيت العصبة على رأسها بطريقة فنية تأخذ منها وقتاً طويلاً كي تبدو بشكل لائق، وقد تستعين المرأة بصديقتها أو إحدى جاراتها لتعصيب رأسها ممن لديهن مهارة في هذا المجال والصبية التي لم تتجاوز ربيعها الخامس عشر تستعين بأمها والتي تقوم بتدريبها حتى تتقن الطريقة بنفسها».

يا ريمتي فرعي كوري العصابة.. كور تسوين كل من خبز على الصاج والتنور تسوين كل قرايا حلب والشام واسطنبول.. والموصل المعتبر وديار بكر ياريمتي فرعي ردي العصابة رد.. من يوم فرق الحلو عقلي شرد ما رد وإن كان ياريمتي بهوشه وضرب كرد.. بالسيف لضرب حليلج وأخج ليا

وتشير إلى أن العصبة أو "الهبرية" توّجت في الغناء الشعبي حيث قيل:

الهبرية ذات القطعةالواحدة

«شطف جوز الهباري وناحت الروح.. ولا تحسبون غيركم يسكن الروح

من يومٍ فارقناكم فاضت الروح.. يمته نرجع للفرات ويلمنا

تعليق الدنانات في الهبرية

شطف جوز الهباري انحدر ورّاد.. ونسف جوده على الجتفين ورّاد

شطف جوز الهباري ما جفاني.. يا شوف العين منهن ما جفاني

أنا الوجعان هاتولي جفانِ.. حدر من تحت زيج الثياب

شطف جوز الهباري على طول.. وحزن من يومن فارقنّا على طول

حبيبي لا تطول السفرة على طول.. تروح بساع وترد لي الجــواب».

وعن طريقة وضع "الهبرية" تقول: «بما أنها تصنع من الحرير الخالص لذلك نراها شفافة وناعمة الملمس وقوامها رفيع وراق بالنسبة لقوام الأقمشة بشكل عام، وتضع المرأة العصبة وتطويها وتلفها على رأسها فتصل مقدمة العصبة إلى أعلى جبين المرأة وتغطيه وتطوى من جانبي الرأس بشكل لولبي ويشد طرفا العصبة إلى مؤخرة الرأس فيضفي شكل العصبة على وجه المرأة الأناقة والجمال حيث تتدلى تحتها الجدائل تسمى "كذلة" وفي غناء "الميمر" من الموروث الشعبي الفراتي قيل:

(ما مرّ علينا بو كذيلة ما مر.. حاير أحب الحنج لولا المنحر‏

يم الخديد الوردتين الجنة‏.. عجوز ما ترضى بشغل الجنة)».‏

وتضيف: «"للهبرية" أشكال وألوان متعددة فعندما ترتدي المرأة المسنة "عصبة حمراء" يكون نذرها مقبولاً في مسألة ما وتبقى على رأسها بهذا اللون لمدة أسبوع أو شهر حسب المدة التي حددتها في نذرها، أما المرأة العجوز فترتدي عصبة سوداء ذات إطار أبيض، بينما تضع المتزوجات عصبة بلون أسود فقط، على عكس العصبة الملونة التي ترتديها الفتيات».

ويتحدث الباحث "عبد القادر عياش" في مجلة "صوت الفرات" عن أشكال الملابس وتطورها في "دير الزور" ويقول: «أول ما تعنى به المرأة الفراتية لباس الرأس لتغطي شعرها وتبرز جمال وجهها وهو العصبة وهي عبارة عن منديل متسع تطويه طياً خاصاً وتعصب به رأسها بشكل خاص، يبدو من الأمام على هيئة التاج فوق مفرقها وهي أشبه بالعمامة وهي قديمة في الدير ترجع إلى العصر العباسي، وتنفرد به المرأة الديرية من سائر السوريات».

وعن أنواع "الهبرية" يضيف: «لبست المرأة الديرية أنواعاً من العصائب منها محرمة قطنية مدققة حمراء من أربع فجج، وهناك عصبة "عبده وجرغد" وهي عصبة كبيرة فجة واحدة خمرية اللون وكفية ساعورية، وهناك عصابة سوداء تأتي من حلب، وأشهر العصائب عصابة "دوسة المهرا" وهي عصابة سوداء مقصبة، وعصابة "عجاج الخيل" وهي سوداء وبيضاء وكل منها ذات شراشيب، وعصابة "الهباري رقاب الحمام" من الحرير الرقيق مؤلفة من أربع قطع خمرية اللون وكانت تعلق بأطرافها أباريق فضة صغيرة تسمى "دنانات" لتتدلى من خلفها، وغالباً ما يكون لباس رأس الصبايا منديلاً مشغول الأطراف بالخيط أو البربر أو حبات عقود الخرز».

ويبين "عياش" أن العصبة ذكرت في الموليا الفراتية حيث قيل:

«يا ريمتي فرعي كوري العصابة.. كور تسوين كل من خبز على الصاج والتنور

تسوين كل قرايا حلب والشام واسطنبول.. والموصل المعتبر وديار بكر

ياريمتي فرعي ردي العصابة رد.. من يوم فرق الحلو عقلي شرد ما رد

وإن كان ياريمتي بهوشه وضرب كرد.. بالسيف لضرب حليلج وأخج ليا».

وعن صناعتها يضيف "عياش": «أما فيما يتعلق بصناعة "الهباري" الأصلية، فقد كانت تصنع جميعها من الحرير الطبيعي، ويتم نسجها بواسطة النول اليدوي، ومن ثم يتم صبغها بألوان محددة، وغالباً ما تكون ألواناً زاهية تدلُّ على الفرح، فهناك "الهباري" ذات اللونين الأزرق والأصفر، ومنها ما هو أحمر داكن أو فاتح، وعليها أحياناً رسوم نباتية منها ورق "العنب" وعرق "الفستق"».

أما من الناحية الأثرية فأشار "عقبة معن" مختص بالآثار إلى أنه وجد في مملكة "ماري" الأثرية وثائق تميز المرأة المتزوجة وغير المتزوجة في الزي، فالأولى ترتدي غطاء للرأس في تفريق لها عن غير المتزوجة وهذا الغطاء يسمى "الآكادية" أو "كتوم"، ومما يدل على ذلك وفق الوثائق الأثرية وضع غطاء لرأس العروس "شيبتو" زوجة الملك "زمري ليم" من قبل موفدي الملك وذلك ضمن مراسيم الزواج التي تمت في قصر "يارليم ليم" كما أن مغنيات المعبد كن يرتدين هذا الغطاء على روؤسهن، وأضاف: «تروي الكتب التاريخية أنَّ السوريين كانوا سادة صناعة اللباس، فقد استطاعوا في أواخر الألف الرابعة ومنتصف الألف الثالثة قبل الميلاد أن يجوبوا البحار ويحملوا إنتاج صناعاتهم ومنتجاتهم كالمنسوجات والأصبغة والحبوب والخمور والزجاج وغيرها إلى أكثر بقاع العالم، وأول المصادر التي تتحدث عن الأزياء في سورية لا يتجاوز تاريخها الألف الثالث 2300ق.م».

وحول معنى كلمة "الهبرية" يوضح السيد "محمد الحمود" مدرس لغة عربية ويقول: «"الهبرية" تعني في اللغة ما طال من ذهب القطن، وما تناثر من القصب والبردي وما طار من الريش، وما يتعلق بأسفل الشعر مثل النخالة ويعرف بقشرة الرأس، وتستخدم هذه المفردة في الريف الفراتي عموماً، والديري خصوصاً كمرادفة لمفردة "هباري"، و"الهباري" كما هو معروف أحد أشهر الأزياء النسوية الفراتية عموماً في الماضي، والذي يستخدم كعصابة على الرأس وهذا ما تردد في الغناء الفراتي (رحنا نتصيَّد قطا ونسمع نغيط الوز... يالشاكفات الهباري فوق ثوب الجَّز)».