تركزت أعمال المسح الأثري التي قامت بها دائرة آثار "السويداء"، في القسم الجنوبي من منطقة "اللجاة" الواقعة شمال المحافظة، وهي استمرار لما تم إنجازه في المواسم السابقة في محافظة "درعا"، وتحديداً في منطقتي "الشرائع" و"إزرع".
وقد وثقت الدائرة ما يزيد على 500 موقع أثري في تلك البقعة المثيرة للدهشة لما تحويه من تكامل بين الطبيعة وما خلفه الإنسان على مر التاريخ.
بدأت مراحل العمل وفق خطة مدروسة ومعمقة من قبل الدائرة، حيث بدأت بتحديد الشكل العام للخربة، وتحديد الأبنية المهمة فيها، وتحديد البيوت العادية، ورسم محيط الخربة بالكامل، ثم رسم مقطع للخربة يتم توضيح مناسيبها وجغرافيتها بالنسبة للتضاريس المحيطة بها
مدونة وطن eSyria التقت الباحث الأثري "وليد أبو رايد" بتاريخ 8/7/2013 الذي تحدث عن أهم المواقع التي جرى البحث والتوثيق فيها، فقال: «كان مركز العمل قرية "داما"، وجميع القرى المحيطة بها من جميع الجهات شرقاً، حتى قرية "حزم"، ومن قريتي "القراصة" و"نجران" جنوباً، ثم الوصول إلى قرية "الطف"، ومنارة "الشريف" التي تعتبر مركز "اللجاة". وبعد الانتهاء من أعمال المسح والتجول في هذا القطاع تبين أنها الأهم في منطقة "اللجاة" لكثرة المواقع الأثرية المنتشرة فيها، والتي تعود إلى كافة الأزمنة والعصور التاريخية القديمة. وخير شاهد على ذلك هو قريتي "المتونة" و"القراصة"، إذ تحويان تجمعات سكنية فيها من الأوابد المعمارية ما يثير الاهتمام! فمن البيوت الدائرية التي تعود إلى البرونز القديم، وصولاً إلى الأبراج الإسلامية التي كانت تستخدم للمراقبة، وهي متشابهة إلى حد كبير إذ تم تمييز أقدم تاريخ في هاتين المنطقتين وتبين أنهما تعودان إلى الزمن البرونزي القديم، إضافة إلى ذلك الخرب التي تعود إلى العهد الروماني والعصر البيزنطي المتناثرة في كل القرى وأهمها خرب "عريقة" و"صميد" العتيقة، وخربة "المردومة" الواقعة إلى الشمال الشرقي من قرية "البستان"، إضافة إلى الأبراج الواقعة على طرفي الرصيف، وهو الطريق الروماني الذي يطلق عليه اسم طريق الحج».
وعن مراحل العمل التي تم إنجازها، وكيف بدأت أضاف: «بدأت مراحل العمل وفق خطة مدروسة ومعمقة من قبل الدائرة، حيث بدأت بتحديد الشكل العام للخربة، وتحديد الأبنية المهمة فيها، وتحديد البيوت العادية، ورسم محيط الخربة بالكامل، ثم رسم مقطع للخربة يتم توضيح مناسيبها وجغرافيتها بالنسبة للتضاريس المحيطة بها».
وعن كيفية العمل في هذه الأماكن والآلية المتبعة لكون المنطقة واسعة وممتدة كثيراً، تابع "أبو رايد" القول: «كانت آلية العمل تتم وفق أشكال مدروسة، كتحديد الشكل الخارجي للبيت المراد رسمه، وتحديد التقسيمات الداخلية لهذا البيت. وعمل كروكي يوضح الشكل مع التفاصيل على الورق، وإعطاء كل جدار رقم خاص به. أما الخطوة الأهم فهي المرور على كافة هذه الجدران بواسطة جهاز G.P.S، وتحديد الأطراف الخارجية للجدران، ومتابعة العمل في المنزل والقيام بأعمال الطباعة. ومن ثم العودة إلى الموقع، والتأكد من صحة العمل، وشكل المنزل المرسوم».
وعن أحد النماذج التي تمت دراستها وتوثيقها بالكامل، وأهم الاكتشافات فيها، فبين بالقول: «بعد الانتهاء من العمل توضح لنا مثلاً أن خربة "اللبوة" هي عبارة عن قرية متكاملة تبلغ مساحتها حوالي 3.5 هكتارات، محاطة بسور عرضه متران من الشمال، أما في الجنوب فيوجد العديد من بقايا أبراج دفاعية يبلغ ارتفاعها 12 متراً، وهي مبنية أصلاً على مرتفع صخري ارتفاعه 5 أمتار، أما في الداخل فيوجد بقايا أدراج ممتدة على كامل الجهة الجنوبية لهذا السور، ونستنتج من ذلك أنها كانت مبنية بأكثر من طابق! إضافة إلى سور عرضه حوالي 10 أمتار، ولكن وظيفته غير معروفة. يتم الدخول إلى القرية من خلال ثلاث بوابات: الرئيسية فيها تقع في الجهة الجنوبية، إضافة إلى بوابتين تقعان في الجهتين الشمالية والشرقية».
الأستاذ "مزيد الصحناوي" عضو الجمعية التاريخية في المحافظة، تحدث عما يمكن أن تضيفه هذه الأعمال الأثرية للدراسات التاريخية التي تجرى عن منطقة "اللجاة"، فقال: «يعرف الجميع أهمية هذه المنطقة عبر التاريخ، وهي تعتبر من أغنى المواقع الأثرية في سورية، وأكثر المناطق التي جرت فيها المعارك، والبعض يطلق عليها الملاحم نظراً للعدد الكبير من الجنود الغزاة الذين سقطوا بين لجاتها المتناهية الصعوبة، والبطولات التي سطرها أهل هذه المنطقة بأعدادهم القليلة. ونحن نعمل على دراسة وتحليل وقائع ما جرى عبر التاريخ في هذه المنطقة، إن التوثيق عامل حاسم في معرفة الأسماء والطرق والأبراج التي تمر علينا في المراجع القديمة التي نلجأ إليها في دراستنا عن هذه المنطقة الغنية».