فرحة تعم قلوب أبناء الساحل السوري مع بدء الانقلاب الشتوي الربيعي، فتمتلئ البيادر والساحات بالمبتهجين بقدوم الربيع وتعمر حلقات الدبكة والرقصات الفلكلورية والسهرات وفق طقوس اجتماعية متوارثة من مئات السنين.

فعيد "الرابع" كما يطلق عليه في "طرطوس" هو احتفال شعبي جماهيري وفق طقس اجتماعي متوارث، ابتهاجاً بقدوم الربيع وتزين الطبيعة بألوانها الزاهية، وهذا وفق حديث المعمر "علي حماد" من مدينة "طرطوس" لمدونة وطن eSyria خلال لقائها بتاريخ 28/4/2013، حيث أضاف: «أذكر أننا في كل عام مع انتهاء فصل الشتاء البارد وقدوم فصل الربيع بشمسه اللطيفة وطبيعته الزاهية الجميلة، كنا نقصد البيادر في إحدى القرى القريبة من المدينة للاحتفال بهذا الانقلاب الفصلي، وكانت تُحدد القرية المناسبة للاحتفال قبل موعده بعدة أيام، وكانت تتبدل في كل عام لتشمل مختلف المناطق والقرى تقريباً، فترى جميع أبناء المدينة والقرى الريفية التي أدركت الموعد والمكان، يقصدون الاحتفال لعقد حلقات الدبكة الشعبية والرقصات الفلكلورية، فتزين الساحة الواسعة بالرجال والنساء والشباب والصبايا».

قد تكون تسمية "الزهورية" من الأزهار لكونها تتم في فصل الربيع، وهذا العيد تحتفل به دول مثل "مصر" ويطلقون عليه اسم "شم النسيم"، و"ايران" ويسمى عيد "النوروز"، والجميع يفضلون الاحتفال به في أحضان الطبيعة حيث كان يتم هذا الاحتفال بمنطقتنا الشمالية من "الساحل السوري" في قرية "كرسانا" في بقعة تقع جنوب شرق القرية

السيدة "وجيهة زيني" من المعمرات التي ما تزال تذكر كيف كانت تقام الاحتفالات بعيد "الرابع" ضمن منطقة "بانياس"، وعنها تقول: «كان موقع الشيخ "أحمد الدرسيني" من أبرز مواقع إقامة "الرابع" في كل عام فساحته الطبيعية المكتظة بالأشجار خير مكان للاحتفال الذي كان يستمر منذ صباح السابع عشر من نيسان وحتى مسائه وعلى مدار أربعة أيام تقريباً، فترى أبناء المنطقة قادمين من مختلف القرى ليشاركوا ببهجة هذا العيد الشعبي الاجتماعي المتوارث، فتعمر ضمن الساحة الوجبات الشعبية والجلسات الطبيعية وحلقات الدبكة بمختلف فنونها، ويتنافس الشباب والصبايا على قيادة راعي الأول في حلقة الدبكة ليثبتوا جدارتهم وبراعة أبناء القرية التي ينتمون لها، ناهيك عن المعمرين أيضاً اللذين يزينون الدبكات بزيهم التقليدي الشعبي، ومنهم من يحضر معه صديقه عازف الزمر وضارب الطبل لكونهم منسجمين مع بعضهم بعضاً، وهنا تجتمع حولهم الناس لمتابعة دبكاتهم التي لا يعلى عليها دبكة».

من طقوس الفرح بقدوم الربيع

الباحث التراثي "حسن اسماعيل" تحدث عن هذا الطقس الشعبي فقال: «في منتصف شهر نيسان من كل عام وبناء على العرف والتقاليد الشعبية المتوارثة يكون الاحتفال بعيد "الرابع" وهو عيد قدوم الربيع بجماله وزهو ألوانه وبدء حياة جديدة متجددة فيه لمختلف الكائنات الحية ومنها تجدد النشاط لحياة الإنسان بعد فصل بارد متعب وشاق.

وكان يجتمع أبناء القرى بعد اتفاق على إقامة "الرابع" في مكان يحدد وفق مساحته الفسيحة ليستوعب الأعداد الكبيرة التي ستقصده، وقد كانت البيادر إحدى أهم هذه المواقع، إضافة إلى جانب المقامات الدينية، حيث الأشجار الكثيفة التي تظلل المكان، فينتشر بجانبها الباعة الجوالة بمختلف اختصاصاتهم وخاصة منها المعنية بالأطفال وألعابهم».

حسن اسماعيل

ويضيف السيد "حسن": «جميع أنغام الدبكة الشعبية كانت تقوم على أغنية "أم الزلف" التي تعني في قاموس "اللغة العربية" الروضة أو المكان المعشب المزدهر أو الثوب الملون المزركش، والزلف هي كلمة آرامية من أصل فينيقي تعني كما قلت "الثوب المزركش" حيث كان السوريون القدامى يلبسون آلهتهم عشتار ثوباً ملوناً مزركشاً في "عيد الربيع" ويغنون لها "يا أم الزلف"».

وفي لقاء مع الباحث التراثي "برهان حيدر" تحدث عن عيد "الرابع" فقال: «هو عيد "الزهورية" كما يطلق عليه في "اللاذقية"، والزهورية هو طقس اجتماعي سنوي يكون في آخر يوم خميس من شهر نيسان، ويكون أيضاً في الرابع من نيسان شرقي أي في السابع عشر من نيسان على التقويم الغربي، حيث يودع الناس فصل الشتاء ببرده ويتمتعون بالربيع الدافئ باحتفالهم به في كل عام عندما تعود الحياة والجمال إلى الطبيعة، فيلتقي أبناء الريف في هذا اليوم في مكان معين يتسم بالجمال والاتساع، وعادة يكون في إحدى الغابات المعروفة بجمالها وبهائها أو في إحدى الفسحات الكبيرة أو على البيادر.

وقد كانوا يأتون إليها سيراً على الأقدام من القرى المجاورة، ويمارسون في هذا اليوم مختلف الأنشطة التجارية والمعايدة والدبكة والرقص الشعبي والعشق، وكثيراً ما يتعرف الشباب على فتيات القرى المجاورة، فتكون "الزهورية" موسم من مواسم الحب والزواج، وكانت فرصة للصغار للتمتع بهذا اليوم وشراء ما يرغبون به من الحلويات والثياب وركوب الأراجيح ومشاهدة صندوق الدنيا "صندوق الفرجة" وشراء البالونات وأبو رياح وهي مروحة هوائية صغيرة معلقة بعصا يحملها الطفل ويفرح بدورانها وهو يركض».

وعن سبب تسميته بهذا الاسم يقول: «قد تكون تسمية "الزهورية" من الأزهار لكونها تتم في فصل الربيع، وهذا العيد تحتفل به دول مثل "مصر" ويطلقون عليه اسم "شم النسيم"، و"ايران" ويسمى عيد "النوروز"، والجميع يفضلون الاحتفال به في أحضان الطبيعة حيث كان يتم هذا الاحتفال بمنطقتنا الشمالية من "الساحل السوري" في قرية "كرسانا" في بقعة تقع جنوب شرق القرية».