لرعاية الطفل في الماضي طقوس تختلف عنها الآن فقد وجب على جداتنا التوحد مع الطبيعة والاستفادة من موجوداتها البسيطة فاستخدموا "التراب" كحفاض للأطفال، و"القش" كمهاد لهم، وأطعموهم الحليب مع مسحوق الأرز أو خبز التنور.
مدونة وطن eSyria التقت السيدة "حياة سلمان" بتاريخ 20/12/2012 حيث حدثتنا عن المراحل الأولى للعناية بالطفل منذ لحظة الولادة قديماً، وقالت: «قبل أن يولد الطفل كنا نعمد إلى تجفيف أوراق "الريحان" بشكل جيد ثم نقوم بطحنها على "الرحى" ودقها "بالجرن" ونخلها "بالغربال" جيداً حتى تصبح ناعمة جداً, وعند ولادته كنا نغسلها بالماء الساخن المذاب به القليل من الملح ونسكبه على المولود ونتركه على جسده حتى اليوم التالي كي يتعقم جسمه ولحمايته من التشققات في المستقبل, ونقوم بعدها بتغسيله جيداً من الملح وبعد تجفيفه نضع له "الريحان" المطحون جيداً تحت إبطيه وعلى رقبته وقدميه وفخذيه وكفيه وفي كل الأمكنة التي يتعرق بها الإنسان، ثم نلفه بقطعة من القماش النظيف ونتركه لمدة يوم كامل للاعتقاد بأنه لن يكون هناك رائحة للعرق أبداً, وبعد ذالك كان يؤتى بالكحل العربي المصنع يدوياً لتكحل به حواجب الطفل وجفنيه باستخدام ريشة الطائر بشكل ناعم ومشذب وتعاد العملية لمدة شهر كامل ظناً بأن رموشه وحواجبه ستصبح سوداء ومنمقة بعد أن يكبر».
كان يوضع الطفل قديماً في سرير مصنوع من عيدان الخشب, وهو ضئيل العمق قليل الارتفاع, في داخله مهاد مصنوع من "القش" أو "قشر البرغل"، وله ذراع تصل بين طرفي السرير ليسهل حمله ثم تقوم بلفه (بالقماطات) المصنوعة من القطن وهي عبارة عن قطعة قماش ولها من أطرافها ما يشبه الحبال حيث يلف بها الطفل وتمد من تحت السرير ليعاد ربطها على ذراع السرير في الأعلى كي لا يسقط منه أو يختنق إذا تحرك ودخل رأسه تحت الأغطية بحكم انشغال والدته عنه معظم أوقات النهار
حفاض التراب كان حلاً لمشكلة قلة القماش وصعوبة الغسيل سابقاً بحسب ما حدثتنا السيدة "بدرة خدام" حيث قالت: «كانت النسوة تعمل على جمع تراب من الأرض ويقمن بدقه مراراً وتكراراً ثم يعملن على نخله "بالغربال" حتى يصبح ناعماً جداً وخالياً من الشوائب والحصى, ويجمعن التراب الناعم في وعاء كبير, ثم تضعه الأم على قطعة قماش قديمة لأحد الملابس الرثة وتسمى "طريبة" ويلف بها الطفل بإحكام وعند استيقاظ الولد تقوم المرأة بإزالة التراب عن جسمه ورميه بعيداً فيبقى الحفاض نظيفاً غير ملوث, وبعدها تغسل الطفل بالماء النقي لإعادة العملية مرة أخرى أثناء النوم أما خلال النهار فتكتفي بوضع قطعة قماش نظيفة عليه».
وأضافت: «بعد عدة سنوات من هذا العمل المضني أصبحت النسوة يستخدمن قماشاً أبيض من القطن الخام حيث تقوم الأم بقصه إلى عدة قطع على شكل مربعات, ثم تجعله على شكل مثلث وتوضع خلف ظهر الطفل ويمسح بعدها بزيت الزيتون وتدخل زاوية المثلث بين قدميه ليشد طرفا المثلث الآخران على بطنه وتثبت بدبوس ويوضع فوقها قطعة من النايلون, ثم تزال قطعة القماش هذه وتنظف من الأوساخ لتوضع مع الأقمشة الأخرى في وعاء كبير معد للغسيل وتوقد النيران تحتها حتى تصبح نظيفة ومعقمة ويضاف إلى الماء المغلي قطعة زرقاء اللون تسمى "النيلة" كي يزداد غسيلها بياضاً لتتباهى به النسوة أمام جاراتهن».
الأسِرّة الخشبية مملكة الطفل قديماً، فكان يقضي معظم وقته بها لانشغال الأم بأمور أخرى، وقد تحدثت السيدة "جهينة معلا" الملقبة "أم عمار" عن ذلك قائلة: «كان يوضع الطفل قديماً في سرير مصنوع من عيدان الخشب, وهو ضئيل العمق قليل الارتفاع, في داخله مهاد مصنوع من "القش" أو "قشر البرغل"، وله ذراع تصل بين طرفي السرير ليسهل حمله ثم تقوم بلفه (بالقماطات) المصنوعة من القطن وهي عبارة عن قطعة قماش ولها من أطرافها ما يشبه الحبال حيث يلف بها الطفل وتمد من تحت السرير ليعاد ربطها على ذراع السرير في الأعلى كي لا يسقط منه أو يختنق إذا تحرك ودخل رأسه تحت الأغطية بحكم انشغال والدته عنه معظم أوقات النهار».
كانت صحة الأطفال قديما ممتازة وأكثر مناعة منها الآن بسبب الأغذية الصحية الخالية من المواد الكيماوية الضارة التي طالما أطعمت السيدة "حليمة عدرة" أبناءها منها، وقد حدثتنا عنها قائلة: «كنا نرضع الطفل من حليبنا لمدة سنتين كاملتين ثم نلجأ إلى حليب البقر الطازج وكانت النساء القديمات يقلن لنا أن نتناول "الدقدوق" وهو البرغل الناعم جدا الناتج عن طحن القمح ويسمى أيضا "الفريفور" الممزوج بزيت الزيتون وهو مفيد جداً لإدرار حليب المرأة, وفي عمر /4/ أشهر كنا نطعم الطفل مادة تسمى"عرروط" وهي مادة مصنوعة من الأرز حيث يتم طحن الأرز جيداً ثم يضاف إلى الحليب مقدار ملعقتين من هذا المستحضر ويغلى على النار حتى يصبح سميكاً، ثم يبرد فيصبح جاهزاً لإطعامه للأطفال الصغار, وبعد أن يكبر قليلاً كنا نطعمه حليباً مضافاً إليه خبز التنور حتى يبلغ السنتين من العمر وعندها يستطيع أكل كل أنواع الطعام الذي نحضره له, وعند بكاء الطفل كنا نضع له "لهاية" مصنعة يدوياً وهي عبارة عن قطعة من "الراحة" أو "المربى" مربوطة بقطعة من الشاش أو القماش ويتم ربطها بذراع السرير الخشبي خوفاً من أي يقوم الطفل ببلعها فيتعرض للاختناق».
ما تزال ذكريات الطفولة القديمة حاضرة في ذاكرة الكثير من النسوة لتبقى حديث سهرات السمر وشاهداً على معاناة قديمة للتكيف مع الظروف المحيطة والاستفادة من خيرات الطبيعة.