هي من الترب التي ذاع صيت استخدامها في "حلب"، وكثرت فيها الروايات الشعبية التي يتناقلها أهالي المدينة، حول سحرها على الأطفال.
تربة الهلك أو الهلّك كما هو معروف تل مرتفع يقع في الجهة الشمالية من "حلب" وقد تعارف الناس قديماً على أن تربته تصلح في لف الأطفال الرضّع وتبعد عنهم المغص وغير ذلك بعد تسخينها قليلاً، حيث كان الباعة يجوبون شوارع المدينة، وهم يقودون عربة محملة بصفائح ترابة الهلك منادين للبيع وكانت قيمة كل صفيحة في ذلك الوقت تتراوح بين 20 ـ 25 قرش سوري.
وكانت التربة تتمتع بالعديد من الألوان بحسب تواجدها في المنطقة ذاتها فمنها من تحمل اللون الأبيض ومنها من كانت تصطبغ باللون الأصفر الكاشف
آلية استخدام تربة "الهلّك"
يذكر الباحث والكاتب المسرحي "منير حلاق" عن الآليات التي كانت تستخدم بها الأمهات ترابة الهلك فيقول «كانت الأم تعمد إلى تسخين كمية من هذا التراب في الشتاء، وتضعها بين قطعتين من القماش لتظل دافئة، ثم تضعها تحت الطفل لتغطي إليته وفخذيه وبعدئذٍ تلفه بقطعة كبيرة من القماش المشمع وأخيراً تلفه بالقماط ـ القنداق ـ وأما في فصل الصيف فلا حاجة إلى تسخينه وهناك العديد من الحلبيين ممن سافروا إلى القارة الأمريكية قديماً وطلبوا من أهلهم وأقاربهم المقيمين في "حلب" إرسال كميات منه إليهم».
ومن أهالي المدينة القديمة في "حلب" وتحديداً من منطقة "باب الحديد" تحدث الحاج "أحمد عتّوك" أن الأهالي كانوا يقومون بشراء الترابة من الباعة المتجولين في الطرقات، وكان يقدر ثمن علبة التربة ذات الحجم المتوسط حوالي خمس قروش سورية في فترة الخمسينيات.
وحول كيفية حصول الأهالي على التراب قال "عتوك": «سابقاً كان يأتي بائع التراب وهو يحمل التربة على حيوانات الركوب وينادي بها في الأزقة والحارات بقوله ... "تراب الهلّك .... تراب الهلّك" وكان العديد من الأشخاص ممن يملكون أطفال رضّع يشترونه ويضعونه في حفاض الطفل لكي لا يلوث نفسه».
وتابع "عتّوك": «كانت الأم قديماً وفي الشتاء تضع التراب في علبة خاصة لكي تحفظه من رطوبة الشتاء وليبقى محافظاً على تجانسه وخلال الاستعمال كانت تأتي بالتراب وتفرشه بشكل مستوي لتغطية جميع حواف القماش "الحفاض" وكان مقاسه 40 × 60 سم وكان اسم القماش ترليبازين وهو مصنوع من القطن، وعند الانتهاء من لف الطفل تأتي الربطة لتحزم الحفاض في شكله النهائي وفي الآونة الأخيرة تم استبدال قماش "الترليبازين" القطني بقماش مصنوع من شمع العسل الطبيعي كبديل عن مادة القطن وقد اختفت تلك العادة مع بداية السبعينيات».
وحول الروايات الشعبية المتداولة حول أصل تربة "الهلّك" حدثنا بها "غسان عكام" تاجر حديد من أهالي المدينة القديمة بمنطقة "باب الحديد" قائلاً : «في قراءتي بموسوعة "خير الدين الأسدي" فإن منشأ هذه التربة يعود إلى هلاك الناس في طوفان النبي "نوح" عليه السلام" وخصوصاً أن جنوبي أرض "الهلّك" توجد مقبرة تسمى بمقبرة "جبل العظام" ويتخلل حجارة جبلها كثير من العظام، وهناك من الروايات العلمية التي تقارب الرواية الشعبية بأن "سورية" كانت أرض مائية ومن خلال الأطوار الجيولوجية ظهرت اليابسة على أرضها وتحولت عظام الموتى وبقايا الحيوانات إلى تربة جافة».
لكن تربة "الهلك" لم تكن عبارة عن تربة ممهدة والكلام لـ "عكام": «وإنما كانت عبارة عن كتل ترابية يتم تفتيتها في منطقة "بعيدين" بجانب منطقة "الهلّك" بواسطة مطحنة حجرية ليتم تحويلها إلى ذرّات ترابية صغيرة أو بودرة صالحة للاستعمال ويتم نقلها عن طريق حيوانات الركوب كالبغال والحمير».
وختم "عكام" قائلاً: «وكانت التربة تتمتع بالعديد من الألوان بحسب تواجدها في المنطقة ذاتها فمنها من تحمل اللون الأبيض ومنها من كانت تصطبغ باللون الأصفر الكاشف».