تاريخ عريق وأرشيف كبير ومتنقل، خبرة في إدارة الفرق الفنية وقيادتها. نشأ في بيت يحترم الفن ويقدره فاكتسب بذلك الخبرة اللازمة للخوض في هذا المجال. عشق الآلات الإيقاعية وحارب بجهد وتصميم ليتوج عشقه بالعزف عليها. إنه الأستاذ الباحث "صالح بكداش" هو من التقاه موقع eSyria وحدثنا كيف بدأت ونمت مواهبه. يقول:

«استفدت بشكل كبير من خبرة خالي "محمد أمين أبو العيون" رحمه الله فقد كان منشداً ومغنياً بارعاً للموال الحلبي تربطه بمتذوقي الفن وصانعيه أوثق العلاقات، وبالتالي كان داره مجمعاً لقدماء المطربين والشعراء والموسيقيين. وبما أن مصلحة والدي وجدي هي "الحلاقة" فإن حوانيتهما كانت أيضاً كما هو معروف قديماً مكاناً مناسباً وملائماً للاجتماعات وخاصة الفنية منها. اتجهت أنا تلبيةً لرغبة والدي نحو تعلم الخياطة فامتهنتها فترة وعملت فيها بجد لكن تعلقي الشديد بالفن أبى أن يغادرني. فاشتريت "طبلة" وخبأتها في المنزل حيث كان أخي الأكبر يتلقى دروس العود على يدي الأستاذ الكبير المرحوم "رزوق وردة"، فكنت غالباً ما أتسلل إلى غرفته محاولاً التقاط وحفظ ما تسمعه أذناي، وكنت أسعى دوماً إلى العزف معهم. وكما أسلفت عن الحالة الاجتماعية الفنية الغنية بأرباب الفن والتي آلت بي لمعرفة عميقة بالفنان المرحوم "فؤاد خانطوماني" والمرحوم "صبري مدلل" الذي دعاني ذات مرة لحضور حلقات الذكر التي كان يحييها في جامع الروضة برفقة الفنانين "حسن حفار" و"عبد الرؤوف حلاق"، وكنت حينذاك مازلت أعمل في الخياطة فطلبت من صاحب العمل أن أنصرف أيام الثلاثاء قبل ساعة من انتهاء دوامي متعهداً بتعويض ذلك خلال أيام الأسبوع. وافق على ذلك وواظبت أنا على حضور هذه الحلقات بشكل مستمر وكنت أملك في تلك الأيام مسجلة قديمة أصحبها معي أينما ذهبت سجلت عليها كل تلك الحلقات التي كنت أحضرها، ومازلت حتى اليوم أحتفظ بالتسجيلات».

بهذه الخطوات تشبعت ذاكرتي بما هو أصيل وقديم. فحفظت ما قارب مئتي موشح ومئتي قصيدة، وآن الأوان هنا لدراسة شغفي الأول وهو الإيقاع. فدرست آلة "الرق" عند الأستاذ "عبد الله حكواتي" وبدأت العمل في الأعراس الشعبية، لكني كنت أقول إني أعمل في الإنشاد وذلك كما تعلمون تجنباً للألسنة التي لم تكن ترحم كل من دخل مجال الفن

في تلك الفترة رأى "صالح بكداش" أنه من الضروري صقل هذا الشغف بالموسيقا وتنميته علمياً فانتسب في العام /1980/ إلى معهد حلب للموسيقا، ودرس مادة "الصولفيج" عند الأستاذ الكبير المرحوم "نديم الدرويش" و"الموشحات" عند الأستاذ "بهجت حسان". ومشى الخطوات الأولى في التعلم على آلة "الكونترباص": «بهذه الخطوات تشبعت ذاكرتي بما هو أصيل وقديم. فحفظت ما قارب مئتي موشح ومئتي قصيدة، وآن الأوان هنا لدراسة شغفي الأول وهو الإيقاع. فدرست آلة "الرق" عند الأستاذ "عبد الله حكواتي" وبدأت العمل في الأعراس الشعبية، لكني كنت أقول إني أعمل في الإنشاد وذلك كما تعلمون تجنباً للألسنة التي لم تكن ترحم كل من دخل مجال الفن».

في لقاءمعإذاعة مونتكارلو بباريس

وعن المرحلة التي تلت مرحلة البدايات وكيف دخل الأستاذ "صالح" مجال العمل والفرق الموسيقية أجابنا: «تعرفت على الأستاذ المرحوم "حسان تناري" وعملت معه في فرقة "الوتر الذهبي" مدة أربع سنوات تعرفت على الأستاذ "محمد قصاص" فشكلنا فرقة "ليالينا" وكنت أنا المدير الفني والمنسق العام لعمل الفرقة من جميع النواحي. وكانت باكورة أعمال هذه الفرقة هو حفل تكريم الفنان "محمد عبد الوهاب". وفي العام /1991/ قدمت إلى سورية لجنة من تونس من شأنها التنسيق لبرنامج "شيوخ الطرب من حلب" والذي كان مقرراً تقديمه ضمن فعاليات مهرجان "قرطاج" فشكلنا مع الأستاذ "محمد قصاص" فرقة "شيوخ الطرب"، وكانت آنذاك تتألف من المطربين "عبد الرحمن مدلل"، "محمد محبك"، "مصطفى ماهر"، "عبد القادر حجار"، وكانوا يقدمون فقرات مشتركة بينما كان المطرب المرحوم "أديب الدايخ" يقدم فقرات منفردة. نجحنا بحمد الله وقدمنا في تونس أكثر من ثلاثين حفلة، لكن بعض الظروف آلت دون استمرارنا في هذه الفرقة».

في هذه المرحلة انتسب "بكداش" لنادي شباب العروبة وصار يحضر دروس الموشحات عند الأستاذ الفنان "عبد القادر حجار"، حيث واظب عليها لمدة سنتين، وبعدها عمل مع فرقة الفنان "نور مهنا " من عام /1993/ حتى عام/1998/ ومعه شارك في مهرجانات "المحبة" و"جرش" وسافر إلى كل من فرنسا وأميركا وكندا إضافة إلى لبنان. لكن الإقامة الأساسية كانت حينذاك في العاصمة "دمشق" وهناك التقى بالأساتذة "نوري اسكندر"، "وفتحي الجراح" ومعهم عمل في مجالات الغناء السرياني والتراتيل الكنسية واستفاد من عمله هذا خير استفادة. وبالتزامن مع ذلك كنت قد أسست مع الأستاذ "كامل بازرباشي" فرقة "ليالي الأندلس" والتي أقتصر عملها على مدينة "حلب" فقط: «أما مشروعي الكبير وحلمي فهو كان في فرقة "روائع التراث للثقافة والفنون" وهي مؤلفة من سبع مجموعات هن: "مجموعة شباب الطرب"، "مجموعة الغناء الإفرادي"، "مجموعة الثنائي الغنائي"، "مجموعة مولوية" ،"مجموعة الرقص الحلبي مع القدود"، "مجموعة رقص السماح مع فرقة الموشحات"، "مجموعة التخت الشرقي للقوالب الآلية". ومع بداية عمل هذه الفرقة واجهتنا بعض الصعوبات في مجال التجهيزات الصوتية فقمت باقتناء أجهزة صوت خاصة متكاملة واتبعت عدد من الدورات في "الميكساج" وهندسة الصوت على الكمبيوتر. قدمت مع هذه الفرقة حفلة في قلعة حلب بحضور الأمير "كريم آغا خان" رئيس ومؤسس شبكة "الآغا خان" للتنمية، وأيضاً قدمنا حفلة بحضور وزراء السياحة العرب. والآن أعمل على وضع اللمسات الأخيرة لفرقة "فن وبس" والمؤلفة مني ومن كل من الأساتذة "محمد شيحان"، "بشار الحسن"، "يوسف تعمري"، "عماد جدعان" وتعتمد هذه الفرقة على إشراك كل العناصر في التلحين والتوزيع والغناء إضافة لعزفه على آلته. ويمكننا قراءة الخط الأساسي للفرقة بأنه الفن الموجه إلى أبسط طبقات المجتمع وبنفس الوقت إلى النخب الثقافية فيه ويعتمد عمل الفرقة بشكل أساسي على احترام روح العمل الجماعي وتقديم ما هو جميل فقط للسامعين .أنتجنا لحد الآن عدداً من الأغاني أبرزها أغنية "مصالح" وهي أغنية ناقدة ساخرة مما نلمسه اليوم في المجتمع من تراجع لبعض القيم، وأيضاً أغنية وطنية بعنوان "يا روح قلبي سورية". تعاونا أيضاً في كلمات أغاني هذه الفرقة مع الفنان "فتحي الجراح". ومازالت الخطوات الآن في بداياتها وأنا أتوقع مستقبلاً كبيراً لهذه الفرقة لأنها تسعى لتقديم الفن الملتزم والنظيف ولأن الرابط الذي يربط أعضاءها قوي وقديم جداً».

خلال تواجده في فرنسا

ومن الجدير بالذكر أن الأستاذ "صالح" عزف مع كل من الفنانين "عصمت رشيد"، "شادي جميل"، "ربا الجمال"، "حمام خيري" وفي العام /1990/ تمت استضافة الفنان الكبير "سيد مكاوي" في "حلب" وكان أيضاً من ضمن الفرقة التي عملت معه. وللأستاذ "صالح" مشاركات في مهرجان الأغنية السورية بدوراته الثانية والثالثة والرابعة والخامسة. وأيضاً مهرجان "المدينة" في تونس والذي كان منقولاً على الهواء مباشرة على القناة التونسية. ويعد من مؤسسي إذاعة (شهبا FM) وقد زودها بمخزون لا يستهان به من الأرشيف المحفوظ لديه والذي يسعى الآن لجمعه بما حوى من تراث وأغانٍ قديمة وتقديمه ضمن موقع الكتروني خاص به يعنى بتجميع وحفظ التراث. وهو بصدد وضع اللمسات الأخيرة على كتاب يتحدث فيه عن الإيقاع وتاريخه وأصول تدوينه، كما يعمل حالياً على التجهيز لمشروع "أوبريت إيقاعي" سيتم تنفيذه قريباً حسب توفر الظروف المناسبة.

بقي أن نذكر أن الباحث الأستاذ "صالح بكداش" من مواليد مدينة "حلب" عام /1962/ وهو متزوج وأب لابنتين وشابين. "محمد" وعمره أربعة وعشرون عاماً يعمل في مجال صناعة الألبسة، وهو بالإضافة لذلك عازف على آلة القانون وخريج المعهد العربي بحلب. و"حسام" يعمل في مجال برمجة الحواسيب وعازف أيضاً على آلة العود وخريج المعهد العربي كذلك.

في فرنسا