كانت الأبواب القديمة ومازالت تلخص القيمة الجمالية للبيوت وكانت عنوانا للخصوصية التي أسست وبشكل فطري لمنظومة من القيم والعادات والمصطلحات التي تربط أهل البيت بكل من هو خارج هذا البيت من ضيوف وزوار وغرباء. الباب القديم إذن وفي مخيلتنا الشعبية سوف يظل مثل بوصلة تشير على الدوام إلى جغرافيا الغياب التي لن تخلو بدورها من دلائل وعلامات تطرق أبواب إدراكنا الخفي في منازلنا الأولى.
eAleppo التقى الأستاذ "عمر عكام" المهتم بالأمور التراثية وعرض جزءاً من أساليب الهندسية المعمارية التي أقيمت على أبواب المدينة القديمة حينما قدم موضحاً أسلوب البناء فيها حيث بدأ حديثه بوصف "باب الحارة" بالقول: «إن البيت الحلبي القديم له خصائص تختلف اختلافاً في العادات والثقافات عن البيئة الحديثة اليوم ومن الأجدر أن نبدأ من الباب الذي يحمي سكان الحارة أو المدينة المصغرة عن المدينة الأصليّة، وهذه الأبواب تكون كبيرة ويأخذ البناء المحيط بالباب شكلاً يُشبِه شكل القلاع الكلاسيكية، وغالباً كان الباب يصنع من خشبٍ معيّن وتكون مادّة معدنيّة ملصوقة فوق هذا الباب قد تأخذ أحياناً أشكالاً معيّنة وأحياناً لا تأخذ أيّ شكلٍ وداخل هذه الأبواب توجد شبه مدينة وكأنّها بيت واحد».
تحتوي الحارة وراء هذا الباب على حوانيت وأزقة، ويكون البيت ملاصقًا للبيت، والأزقة ليست متسعة، وهذا يدل على أن المحبّة والوئام هما الضابطان لعلاقة الفرد بمجتمعه الصغير- الحارة- مع مجتمعه الكبير- المدينة
وأضاف قائلاً: «تحتوي الحارة وراء هذا الباب على حوانيت وأزقة، ويكون البيت ملاصقًا للبيت، والأزقة ليست متسعة، وهذا يدل على أن المحبّة والوئام هما الضابطان لعلاقة الفرد بمجتمعه الصغير- الحارة- مع مجتمعه الكبير- المدينة».
أبواب المنازل الحَلبيّة...
إن المتجول في حارات وأزقة المدينة القديمة قد لاحظ عدم تقابل أبواب البيوت مع بعضها وهذا ليس من قبيل المصادفة وإنما كان هناك هندسة ذوقية عُملت عليها وحول هذا يضيف "عكام" بالقول: «لا يكون باب أيّ منزل أمام البيت الآخر؛ بل يكون على بعد معيّن بحيث إن فُتحَ الباب لا يطلّ الجار على بيت جاره وعلى هذا النمط يُبنى الزقاق ويصنع الباب من الخشب الذي يأخذ أشكالاً مختلفة، ولكل باب "سقّاطة" ولها أشكال كثيرة فمنها ما هو على هيئة كفّ اليد، ومنها ما هو على هيئة رأس وقد يكون الرأس رأس حيوان وهو "الأسد" وهذا الفن يعود بتاريخه إلى البيزنطيّين، ما يعني أن هذا النوع من الأبواب قديم جداً يمكننا أنْ نعيدَه إلى العصر الروماني أو البيزنطي.
وغالباً ما تكون "السقّاطة" في الجانب الأعلى من الباب وسببَ علوها هو الطارق لأنّه سوفَ يكونُ شخصا كبيرا سواء أكان رجلاً أم امرأة، وهذه النوع من "السقَّاطة" موجود في مدينة أصفهان في "إيران" أيضاً حيث يوجد نوعان الأول كبير والثاني صغير وذلك بسبب تمييز الطارق هل هو ذكر أم أنثى. وفي أسفل الباب الحلبي يوجد حلقة نحاسيّة وهي عبارة عن دائرة مفرغة خلفها دائرة ممتلئة عند طرقها تصدر أصواتا، يعلَم عندها أن الطارق هو طفل صغير».
أبواب الحوانيت والمطاحن
لكن باب الحانوت يختلف عن باب المنزل من حيث الشكل والوظيفة وعن هذا يقول "عكام": «في وقتنا الحاضر فإن باب المنزل يختلف كليّاً عن باب الحانوت فأبواب الحوانيت تكون خشبيّة أيضاً ولكنها مؤلفة من قطع خشبية تثنى عند فتح باب الحانوت فيطوى الباب وهو عبارة عن ألواح توضع بشكل طولاني ويكون لها سيخ من حديد ويوضع القفل عليه».
أبواب الخانات وأسواق المدِينة...
إن أبواب الخانات لا تختلف كثيراً عن أبواب الحارات من حيث حجمها وشكلها أيضاً وأشار إليها الدكتور "محمد حسن عبد المحسن" رئيس قسم اللغة العربية في معهد العالي للغات بـ "حلب" فيقول: «لكن يضاف إلى ذلك وجود باب صغير في داخل الباب الكبير فهو مؤلّف من بابين الأوّل هو الكبير والثاني هو الصغير الذي يوضع في الجانب الأيمن للباب، وأبواب المدينة تكون ذات حجم أصغر من أبواب الخانات بقليل ولا يكون فيها بابٌ صغير ومن أشهر خاناتها منها خان "الحلواني" و"الحميدية" و"الحبال"، و"الغنام"، و"الجمرك"، و"الفرايين"، وخان "الجلبي"، وخان "البيك"، و"خان البنادقة" خان قديم كان يقيم فيه التجّار البنادقة الإيطاليين. إضافةً إلى كم هائل من الخانات الأخرى».
وعن أوجه الشبه بين أبواب المساجد والجوامع مع أبواب المنازل أضاف "عبد المحسن": «تمتاز أبواب المساجد بنوعية الخشب وهي غالبا ما تشبه أبواب المنازل ولكنها تكون خاليةً من "السقّاطة" وما يميزها عن المنزل وجود اسم المسجد فوق الباب، وأما الجوامع فتكون أكبر منها لأن عدد المصلين يكون أكبر وقد تزخرف أبواب الجوامع بزخرفة إسلامية جميلة، ولكن أبواب الكنائس والمعابد تكون ذات لوح واحد وكبير وهي ما تزال موجودة في كنائس "الجديدة" في سوق "الصوف"، ويكون الباب أيضاً من الخشب الجيد الذي يطلى بلون أسود غالباً».