عندما تتجه نحو الفرات نهاراً فإن هدير مضخات المياه "طرمبات المي" سوف يستقبلك مشيراً إلى أن أمتاراً تفصل بينك وبين هذا النهر العظيم، وهذه الإشارة ألفها الناس هنا وعلى مدة تقارب القرن من الزمن حتى أصبحت جزءاً من ذاكرة الناس مع الفرات.

eSyria التقى السيد "محمد البسيس" وهو "أوسطة" أي: ميكانيكي، ويعمل في إصلاح "طرمبات" الماء منذ 31 عاما، من أهالي قرية "سعلو"، فأعطانا هذه النظرة الموجزة بقوله:

رغم أهمية هذه المحركات وقدرتها على ضخ المياه "وخصوصاً كبيرة الحجم منها" إلى مساحات هائلة من الأراضي وبحكم كونها قديمة ومنذ عقود عديدة تم تصنيعها، فإن الأسواق لا تحتوي على قطع غيار لها ما يجعل تعطل أي قطعة مهمة فيها يعني خروج هذه المضخة خارج الخدمة

«يرجع تاريخ هذه المحركات إلى بداية القرن العشرين، المحركات التي كانت موجودة إنكليزية الصنع "كالبلاكستون" و"الطانجي"، وهذه "المضخات"، و"تسمى "الطلمبات" أو "الطرمبات" في اللهجة العامية تعتمد في عملها على القوة الميكانيكية الناتجة من احتراق الوقود داخل المحركات.

محركات الطانجي العملاقة

وتختلف "الطرمبات" القديمة عن الحديثة من حيث عدد الأسطوانات، ونوع الوقود المستخدم، فالقديمة إنكليزية الصنع ذات أسطوانة واحدة وتعمل على الديزل "المازوت" رخيص الثمن مقارنة مع البنزين، وأغلبية المحركات الموجودة على نهر الفرات من النوع القديم والذي صار له يعمل عشرات السنين بكل كفاءة.

وأضخم هذه الطرمبات القديمة هي من نوع "سكايل"، ويقال إنها تصلح محركات بواخر، وهي قادرة على أن تضخ الماء في إنبوب بقطر 27 إنشاً، ولها ثمانية أسطوانات، وعشرة "قشط" أي "سيور لنقل الحركة"، وكل الموديلات القديمة بشكل عام اقتصادية بمردودها الذي تعطيه، كما تتميز المحركات القديمة بكبر حجمها مقارنة مع الحديثة.

من اليمين الأوسطة محمد البسيس ومن اليسار حسن العجاج

وتدار المضخات القديمة الكبيرة الحجم منها بواسطة ضغط الهواء الذي يضغط على المكبس من الأعلى ليعطيه حركة تساعده على الاحتراق، ويأتي الهواء من إسطوانة بجوار "المحرك" وذلك لضخامة حجم هذه "الطرمبات" فمن الصعب أن تدار بمنويل "كالبلاكستون" القياس الكبير، و"الطانجي" ذي الدولاب الكبير، أما صغيرة الحجم منها فإنها تدار "بالمنويل" لكي تعمل "تدار يدوياً"، وأغلب "الطرمبات" الحديثة تدار "بمنويل" مثل "البتر" و"الأندرية" و"اللستر" وقسم منها تدار بالمقلع الكهربائي أو "المرش" "كالفولفو"، و"السكانيا"».

أما آلية انتقال الحركة في مضخات الماء سواء القديمة أو الحديثة، وكيف تسحب الماء من النهر، فشرحها لنا السيد "حسن الموسى" وهو من أهالي قرية "المريعية" بالقول:

الاوسطة محمد منصور الوحيد في ناحية الكسرة اثناء الحوارمعه

«يتم نقل الحركة من المحرك إلى المضخة بواسطة "قشاط" أو "سير" قد يصل طوله إلى 5 أمتار والمضخة تبعد عن المحرك مسافة طول السير، ويرتبط بالمضخة أنبوب للشفط ينتهي بمصفاة " تسمى بالعامية "شرّاق" أو "جدريّة"، "تدخل في ماء النهر مع قسم من هذا الأنبوب، وفائدة "الشرّاق" يعمل على حبس الماء داخل خط السحب مروراً بالمضخة لمنع خلخلة الهواء وبالتالي ضياع الضغط وعدم مقدرة المضخة على سحب الماء، وكذلك له فائدة أخرى هي منع الأوساخ من أن تحبسها المضخة لكي لا تشكل عائقاً بين ريش المضخة وجسمها».

وبالنسبة للأجزاء التي تتكون منها المضخات القديمة، فقد وضحها لنا السيد "حسن العجاج"، وهو من سكان قرية "الطوب" بقوله: «تتألف المضخات القديمة من جسم المضخة، ومن ريش لسحب الماء، ومحور و "بيليات" أو "رولمانات"، ومن الخارج "طارة" أو "قصنق"، وتستخدم المحركات القديمة والكبيرة الحجم لإدارة المشاريع الكبيرة، وأراضي الجمعيات الزراعية.

أما المضخات الحديثة فترتبط مع المحرك بواسطة وصلة معدنية تسمى "التراسمسيون" بدل القشاط، وتطورت المحركات الزراعية أيضاً من أحادية الأسطوانة إلى رباعية الأسطوانة ذات قدرة عالية على سحب الماء، وتأمينها لمشاريع زراعية كبيرة تصل مساحاتها لآلاف الدونمات، مثل محركات "الفولفو"، و"السكانيا" موديلات "دي110"، و"دي111"، وهي تدار بواسطة "المرش" أو المدور الكهربائي.

أما المضخات الحديثة والصغيرة الحجم مثل "الأندرية" و"البتر" و "اللستر" تستخدم فرواء الحيازات الصغيرة».

ومن فلاحي قرية "المريعية" التقينا السيد "حسن الموسى" الذي بين الدور الذي لعبته هذه المحركات القديمة في إرواء أراضي القرية بالقول: «استطاعت هذه المحركات العملاقة القديمة كمحرك "الطانجي" الموجود في "المريعية" تأمين الماء لإرواء آلاف الدوانمات في هذه القرية، وحتى في الفترة التي انتشرت بها المحركات الحديثة لم يؤثر ذلك على اعتمادنا على هذه المحركات الجبارة لما لها من كفاءة وجودة أداء عاليين».

ولكن تعاني هذه "الطرمبات" القديمة من مشكلة عدم وجود قطع غيار، الأمر الذي تسبب في إخراج بعضها من الخدمة، كان هذا ما وضحه لنا الأوسطة "محمد منصور الوحيد" من سكان ناحية الكسرة بقوله: «رغم أهمية هذه المحركات وقدرتها على ضخ المياه "وخصوصاً كبيرة الحجم منها" إلى مساحات هائلة من الأراضي وبحكم كونها قديمة ومنذ عقود عديدة تم تصنيعها، فإن الأسواق لا تحتوي على قطع غيار لها ما يجعل تعطل أي قطعة مهمة فيها يعني خروج هذه المضخة خارج الخدمة».