ما أجمل صباحات العيد، ما أحلاها من زمن بريء، والأطفال يتراكضون متزاحمين على الأراجيح أو "المراجيح".. بفرنك، بفرنكين، كنا نطير في قفص خشبي، وحبال ليفية، نغني، ونغني: «عمي الحج أحمد، يو.. يوه، لشدّ واركب.. يو.. يوه، على اسكندر يو.. يوه، واسكندر مات، يو.. يوه، خلّف بنات، يو.. يوه، بناته سود، يو.. يوه، طقس البارود، يو.. يوه، وال عندو وزّة، يو.. يوه، تنقر الرزة، يو.. يوه، والرز غالي، يو.. يوه، بأربع مصاري، يو.. يوه، يا بنت خالي يو.. يوه، طلعت لبرة يو.. يوه، شافا عبد الله، يو.. يوه، عبد الله مين، يو.. يوه، أحمد شاهين، يلعن أبو اللي ما بيعيّط..(هييييييي)».
وكان صاحب "المرجوحة" يقفز ليمسك بالصندوق الخشبي، في محاولة لإيقافها وهو يقول بصوت مرتفع: «مولا .. مولا انتهى مفعولا»، فيعلو صراخنا، والبعض يصرخ: «بدنا نجدد.. بدنا نجدد».. لكن محاولاتنا تبوء بالفشل، لأن قبضة "أبو نضال" كانت أقوى من كل أحلامنا، وعشقنا للطيران، لذا كانت الأرجوحة تقف ليبقى فيها من يدفع، وليغادر من ليس معه أجرة لرحلة فضائية جديدة. واليوم بدا الفارق واضحاً، وكثرت مدن الملاهي، لتصبح الأرجوحة خاصة بالأحياء الشعبية، فهجرت إلا فيما ندر، هناك أشخاص حافظوا عليها، ولو أنها تدر عليهم القليل من المال. فما الذي يميز أرجوحة الماضي عن أرجوحة الملاهي؟
يا ولاد محارب.. يويوه، شدوا القوالب يويوه، القوالب صيني يويوه
موقع eSyria زار عدداً من مواقع تجمع الأطفال لمعرفة ماذا تعني "المرجوحة" لهم. وكانت البداية مع الطفل "محمد عيسي" الذي يعشق ركب "المرجوحة" ويرتادها كل عيد، يقول: «لا تكتمل فرحتي بالعيد إلا بالمجيء إلى "المراجيح" بها أشعر بحريتي، فكلما أرتفع بها أكثر أشعر كأنني عصفور يطير في السماء».
وعندما نسمع الأطفال يصرخون: "ما منزل إلا بقتلة" نعرف أن صاحب "المرجوحة" ينوه بانتهاء الشوط بقوله: "مولا... انتهى مفعولا".
وكغيرها من المناطق السورية اشتهرت "سلمية" منذ سنوات بعيدة بالمراجيح، وربما ممن استمروا في المحافظة على وجودها كما كانت عائلة "قداحة" الذين باتوا مقصد الأطفال أيام العيدين، فالتقينا بالعم "محمد إسماعيل قداحة" الذي قارب السبعين عاماً من عمره ليتحدث عن تاريخ هذه الألعاب كما تسعفه الذاكرة فيقول: «قديماً كان هناك تجمع واحد للمراجيح في منطقة "الزراعة" وهي يوم ملعب لكرة القدم، كان الأطفال يذهبون هناك يلعبون، ويمرحون، وأذكر أن شخصين؛ أحدهما من "حماة" واسمه "الحاج عثمان"، وآخر من "حمص" واسمه "الحاج أسعد" مهنتهما "نجارة البيتون" كانا يأتيان إلى "سلمية" بكمية من الخشب وينصبون "المراجيح"».
لكن الزمن في تطور مستمر، ومدن الملاهي انتشرت واستقطبت الجميع، فأصبحت "المراجيح" في مهب الريح، لكن يبقى للبعض رأي في هذا، تقول "أليسار ونوس" وقد جاءت لتركب "المرجوحة": «أنا لا أذهب إلى مدينة الملاهي فأسعارها مرتفعة، هنا يناسبني أكثر واستمتع مع أخوتي وصديقاتي أكثر، نطير بالمرجوحة بقوتنا، كلما دفعنا أكثر كلما ارتفعنا أكثر، في الملاهي نجلس فقط والآلات تحركنا».
"راشد الشيحاوي" صاحب مرجوحة واحدة في أطراف المدينة يقول: «الفارق كبير بين الاثنتين، المرجوحة عبارة عن صندوق خشبي يتسع لستة أو سبعة أطفال، بينما تتسع سفينة الملاهي الطائرة إلى أربعين راكباً، والمميز بينهما أن المرجوحة الصغيرة فيها الأغاني، والأقارب يتناوبون على الركوب، بينما ركاب أرجوحة الملاهي ليس بإمكانهم إلا التشبث والصراخ نتيجة الارتفاع الشاهق الذي تصل إليه».
ويذكر لنا أغنية المرجوحة فيقول: «يا ولاد محارب.. يويوه، شدوا القوالب يويوه، القوالب صيني يويوه».
وهذا الرأي يتوافق مع السيد "ناصر نصرة" الذي يزور مدينة الملاهي فهو يجد اختلافاً بين الاثنتين، فيقول: «ربما كان الدافع بين راكبي النموذجين هو الذي يطرح الفارق، فركاب أرجوحة الملاهي من الشباب، وتحولت إلى عائلية أكثر فبإمكان الشخص أن يركب الأرجوحة مع زوجته، أو أمه، أو أياً كان، وهذا يبدو من إيجابياتها وهذا لم تحققه المرجوحة التقليدية، ولكن نفتقد فيها والخوف يسيطر على ركابها نتيجة الارتفاع، هذا الفارق الذي يمثل الرغبة في الطيران عند راكبي المرجوحة، والرغبة في الشعور بالخوف عند راكبي السفينة الطائرة».
أما السيد "فواز محفوض" والذي يرافق أطفاله في زيارة لموقع المراجيح يقول: «أعرف جيداً كم يستمتع الأولاد بالمجيء إلى هنا، لأنني كنت أعيش نفس الحالة، وإني أرافقهم لأمرين أحدهما الاطمئنان عليهم، والأمر الآخر وهو الأهم أن أعيش طفولتي من جديد، فأنا هنا ذلك الطفل الذي يبكي لو فرغت يداه من ثمن ركوب المرجوحة».
ولكن لا يمكن لطفل العيد أن يسعد وتكتمل فرحته دون زيارة مدينة الملاهي، أو الأماكن التي توجد فيها "مراجيح" أيام زمان، وليس بوسعنا إلا القول: الآن بدأت الرحلة، فليتمسك الجميع.