وجد "رسول داود" ضالته أخيراً عندما استدل إلى عيادة الدكتور "يحيى نعمة" في "حلب" ليعالج عينه اليسرى التي لم يعد يرى النور فيها أبداً، العين ذاتها التي قام بإجراء عملية زرع القرنية لها منذ حوالى عشر سنوات في مشفى "ابن النفيس" في "دمشق" لكنها ومنذ فترة وجيزة تعرضت العملية للفشل لتتأثر بها العين اليمنى التي أصيبت هي الأخرى بالقرحة القرنية.
ولأن حالته المادية لا تساعده على تحمل نفقات كل هذه الإجراءات قام طبيبه الخاص بنصحه واصطحابه إلى مشفى العيون التخصصي بـ"حلب"، أُجري لـ"داود" الفحوصات اللازمة من قبل الأطباء والاختصاصيين وأصبح مستعداً لإجراء عملية زرع القرنية، وبما أن وزارة الصحة لا توفر القرنية في مشافيها العامة لجأ "داود" إلى جمعية "الإحسان الخيرية" التي قامت بدورها في مساعدته وتأمين القرنية له، وذلك ضمن أحد مشاريعها الخيرية على أن يتم إجراء عملية زرعها في مشفى العيون التخصصي.
لا أصدق أنني سأتمكن من الرؤية مجدداً بعيني، لن أستطيع أن أعبر عن فرحة أسرتي وأولادي لأني المعيل الوحيد لهم، لن أنسى فضل الأطباء في المشفى جميعاً وخصوصاً كل من ساندني في جمعية الإحسان الخيرية، أدعو الله كي أستطيع رد الجميل لهم في المستقبل
"داود" الذي التقينا به في المشفى ذاته أثناء إجراء الفحوصات له بعد انتهاء العملية مباشرة عبر عن سعادته العارمة بقوله: «لا أصدق أنني سأتمكن من الرؤية مجدداً بعيني، لن أستطيع أن أعبر عن فرحة أسرتي وأولادي لأني المعيل الوحيد لهم، لن أنسى فضل الأطباء في المشفى جميعاً وخصوصاً كل من ساندني في جمعية الإحسان الخيرية، أدعو الله كي أستطيع رد الجميل لهم في المستقبل».
بالتأكيد لم تكن حالة "داود" استثنائية بحتة، فالمشفى يستقبل يومياً حالات إسعافية كثيرة تتشابه مع حالته الصحية والمادية على حد سواء مع بعض الاختلافات، لكن على العموم الجميع يتلقى الدعم اللازم، توقفنا للحظات أمام باب قسم العمليات فكان أن التقينا السيد "زيدان دبلوني" والذي كان منتهياً للتو من إجراء عمل جراحي في عينه يدعى "الساد" أو "الماء البيضاء" فأردنا أن نتعرف على حالته الصحية عن كثب فأخبرنا قائلاً: «أعمل موظفاً في مديرية الأوقاف ونظراً لبلوغي /60/ عاماً فقد ضعفت الرؤية في عيني ولم أعد أرى فيها بوضوح فقمت بمراجعة مشفى العيون التخصصي خلال الشهر الماضي فقاموا بتنظيم اسمي في سجل "الدور" الذي حصلت عليه خلال أسبوعين تقريباً، طلبوا مني إحضار العدسة اللازمة على حسابي الخاص لكونها غير متوافرة في المشفى أصلاً، ولم يكلفني الأمر أي مبلغ إضافي على الإطلاق».
ضخامة عمل المشفى وكثرة مراجعيه دفعنا للتعرف عليه عن قرب وما العمليات الجراحية التي يمكن أن يقوم بها وما أقسامه وكادره الفني؟ فكان لنا لقاء مع الدكتور "هاروت باليان" مدير مشفى العيون التخصصي الذي حدثنا بالقول: «كنا في الأصل عبارة عن شعبة عينية صغيرة في مشفى "الرازي" وبرغبة كبيرة من أطباء العيون في "حلب" كان حلمنا أن يؤسس مشفى عيون في المنطقة الشمالية نظراًُ للحاجة الماسة له.
المشفى مكون من عدة أقسام رئيسية إضافة إلى قسم العيادات الخارجية والتي تنقسم إلى عيادات عامة وعيادات تخصصية كـعيادات "الزرق، البصريات، القرنية الأطفال، الحجاج، الشبكية"، والمريض يراجع أولاً العيادات العامة ومنها يتحول إلى العيادات التخصصية، والمريض الذي يحتاج إلى عمل جراحي يتم قبوله في المشفى ويتم إجراء كافة الفحوصات والتحاليل اللازمة له في المشفى كتحليل الدم وتصوير الإيكو الذي يشمل تصوير قعر العين إضافة للتصوير الطبقي للشبكية والساحة البصرية والاستشارة الداخلية، وبعد دراسة كل هذه التحاليل يقرر إبقاء المريض في المشفى أو مغادرته.
كما أنه لدينا قسم "الليزر" والمختص في معالجة الأمراض الشبكية بواسطة "الأرغون ليزر"، وتهدف سياسة المشفى إلى التركيز على الناحية العلاجية فيه بالدرجة الأولى فقط».
* ماذا عن أقسام المشفى؟
** لدينا في المشفى /6/ أقسام رئيسية تعمل بشكل متكامل فيما بينها فلدينا قسم الإسعاف ويتألف من غرفتي عمليات نقوم بها بإجراء العمليات الصغرى فيه كعمليات الأجفان وجروحها، وهو يتولى خدمة الناس خلال /24/ ساعة متواصلة بدون عطلة، ويوجد لدينا أطباء مقيمين صف أول وصف ثاني، ونستقبل فيه يومياً حوالى /50/ حالة إسعافية من مدينة "حلب" وخارجها، والإسعافات مختلفة منها البسيط ومنها المعقد ويتم قبولها فوراً بدون تأجيل، كما يوجد لدينا قسم منامة المرضى والذي قلَّ عددهم بشكل ملحوظ عن السابق، فالعمليات العينية الحديثة تجري على مبدأ عملية اليوم الواحد، وهذه هي سياسة طب العيون الحديث وهذا كله نتاج تطور أساليب الجراحة العينية الحديثة.
المشفى بعد انطلاقته مباشرة كانت سياسته تندرج تحت عنوان" فروع تحت الاختصاص" لأن طب العيون العيون العام قد عفا عليه الزمان وأصبح "موضة" قديمة ولا يصلح للعمل به الآن، فينبغي على كل طبيب اختيار طريقه ضمن إطار طب العيون وللوصول إلى هذا الهدف استقطبنا كل الكفاءات الطبية الموجودة في محافظة "حلب" لرفد هذا الصرح الذي سيكون لصالح المدينة وما حولها، كسبنا طاقماً طبياً كبيراً نعتز به وهم الآن يشعرون بالفخر والسعادة لانتمائهم للمشفى.
كما يوجد لدينا أطباء اختصاصيين فرعيين بأمراض "الزرق "و "الشبكية" و"القرنية " و"الحول" وأمراض "الحجاج" والجراحة التصنيعية العينية وأمراض الأطفال ونجري خلال ذلك /30/ عملية كبرى يومياً مثل "الساد" الماء البيضاء" وعمليات مجاري الدمع والـ"الحول" و"رزع القرنية" التي توفرت لدينا منذ فترة قريبة، وذلك عندما بدأ التعاون مع إحدى الجمعيات الخيرية بهذا الخصوص، التي تؤمن للمريض القرنية على حسابها ويقوم المشفى بإجراء العملية المناسبة له، وأصبح لدينا الأساليب الحديثة والمتطورة لهذا الاختصاص كعملية زرع القرنية الصفيحي وهذا يعني أننا لن نحتاج إلى نزع القرنية بشمل كامل وهذا الجهد يعود بالفضل إلى روح التعاون والمحبة التي تسود طاقم أطباء وعاملي المشفى ككل.
أما "قسم العمليات" وهو من أهم الأقسام في المشفى ويقوم على أساس هندسي مدروس حيث وضعنا للمرضى قسماً خاصاً بهم، والأطباء كذلك قسمهم الخاص لهم، ولدينا فيه خمس غرف عمليات عقيمة و سريرين للعناية المشددة ويمكن اللجوء لهما في حال وجود مرضى يشعرون بالتعب بعد خروجهم من العملية فوراً، وغرف العمليات بشكل عام تتميز بوجود أجهزة متطورة "مجاهر، قاطع زجاجي، أجهزة الفاكو " ولدينا والحمد لله نسبة إنتان متدنية جداً، والأطباء متواجدون بالمشفى كلهم ضمن هذه الأقسام وفق نظام تحت الاختصاص ولكن لديهم تميز ما بفرع من فروع طب العيون العام، تجرى في المشفى كل العمليات العينية عدا العمليات المعقدة أي التي تحتاج إلى أكثر من اختصاص في وقت واحد في غرفة العمليات مثل أمراض الأورام الخبيثة المنتشرة خارج العين أو من العين نفسها والتي تحتاج إلى جراحة عصبية وإمكانيات كبيرة تفوق إمكانيات فريق العيون في المشفى، والمشفى في الأصل غير مؤهل لذلك حتى الآن».
عن قسم الإيكو وآلية عمله تحدثنا عنه الدكتورة "سهى ملقى" رئيسة القسم فتقول: «يعتبر قسم الإيكو القاسم المشرك الأكبر بين بقية الأقسام في المشفى، لذلك فهو يعاني من ضغط كبير جداً كون معظم المرضى الذين يراجعون المشفى يزورون قسم الإيكو سواء أكان الهدف تشخيصياً أم بهدف أخذ القياسات الخاصة لمرضى العمليات التي سنقوم بها سواء لمرضى "الشبكية" أو مرضى "الساد" وهذا عمل دائم باستمرار».
في زيارتنا لقسم "الليزر" تعرفنا على الدكتور "إيثار الخضر" الطبيب المقيم ليحدثنا أكثر عن طبيعة عمل القسم فقال: «يتألف قسم الليزر من قسمين "ياج ليزر" المخصص للقسم الأمامي من العين، و"أرغون ليزر" المخصص للشبكية بشكل عام، نقوم بمعاينة المرضى الذين تخرجوا من العمليات ويعانون من تكثف في المحفظة الخلفية، ويتم تحويل المرضى من عيادة الشبكية بعد أن يتم تشخيص حالاتهم من قبل الطبيب المختص وتقرير العلاج اللازم ».
لا مانع من إجراء عمل جراحي...
هي التأشيرة التي يحصل عليها المريض بعد مروره على قسم "الاستشارات الداخلية" بهدف التأكيد من خلو المريض من أمراض أخرى تعيق إجراء العملية له في المشفى، عن هذه الإجراءات يحدثنا الدكتور"عبد الكريم الحسين" فيقول:«عندما يتم قبول أي مريض في المشفى فإننا نقوم بإجراء فحوصات مختلفة له تشمل فحوصات ضغط الدم ونسبة السكري فيه، وفحوصات صدرية عامة وأمراض أخرى كـ"الإلتهابات" و"الإنفلونزا" وغيرها وحين نتأكد من شفائها تماماً بإمكان المريض حصوله على "لا مانع من إجراء العملية الجراحية" ويتوجه إلى قسم العمليات فوراً، ما نلاحظه باستمرار في عملنا أن معظم المرضى يتفاجؤون عندما تظهر نتيجة فحوصاتهم وتبين أنهم مصابون بداء السكري مثلاً أو ارتفاع ضغط الدم أو غيرهما ولكنهم يجهلون ذلك».
وعن قسم "الشبكية" يحدثنا الدكتور "وضاح عقاد" فيقول: «أسس قسم الشبكية في المشفى منذ حوالى السنتين تقريباً، وهو يستقبل يومياً حوالى/30-40/ حالة سريرية من بينها /5-6/ حالات جراحية يقوم المشفى بإجرائها، ومن خلال فحصنا للمريض يمكننا معرفة إذا كان مرضه سريري داوئي أو علاجي فتتم معالجته عن طريق الأدوية والعلاجات المناسبة، وإذا كان المريض يحتاج إلى عملية جراحية فيتم قبوله في المشفى ضمن الطرق النظامية وذلك حسب الحالة فإن كان إسعافياً فتقام له عملية فورية، أما إذا كانت حالته باردة فيتم تحويله على "الدور" النظامي».
مشاريع وخطط مستقبلية ..
كل ما سبق يدل على أن المشفى يعمل بكامل طاقته الاستيعابية وعلى الرغم من ذلك يبدو واضحاً وجلياً الازدحام الشديد للمراجعين يومياً، لكن هل مشفى واحد في "حلب" يكفي؟ عن هذا التساؤل يجيبنا الدكتور"هاروت باليان "مدير المشفى فيقول: «بالتأكيد لا، لكن نحن نملك خططاً مستقبلية لذلك، فنحن ندرس حالياً توسيع العيادات الخارجية لأنها ضيقة بالأساس خاصة عندما وجدنا أن الإقبال عليها كان كثيفاً جداً وقد فاق التوقعات، وقمنا بإعلام الجهات المسؤولة عن رغبتنا بالتوسع من خلال استغلال مبنى مجاور للمشفى على أن يكون مبنى عيادات خارجية ملحق يخدم بشكل جيد وهذا سيخفف الضغط إلى حد كبير جداً وسيستطيع إلى استيعاب المواطنين بشكل يسر، وهذا المشروع يحتاج إلى عمل كبير وجهد متواصلين من الجميع، كما نحضر لمشروع ربط المشفى إلكترونياً على غرار جميع المستشفيات الحديثة والمتطورة في العالم بحيث يمكن للمريض أن يستغني عن حمل إضبارته وصوره الشعاعية وملاحظات الأطباء في أروقة المشفى لأنها ستكون محفوظة لدينا ومدونة برقم خاص فيه وبإمكان أي طبيب الاطلاع عليها بسهولة جداً، وهذا سيساهم بدعم عمل المشفى، وأهم شيء في ذلك اختصار الوقت وتخفيف الضغط ، وللمشفى مهمة تعليمية إضافة إلى كونه مشفى خدمي صحي حيث يقوم أطباء اختصاصيين بتقديم محاضرات يومية صباحية للأطباء جميعاً بدون استثناء بكل ما هو جديد بعالم طب العيون، فنحن نتعلم حتى آخر يوم في المشفى، لنا الفخر أيضاً أن مشفى العيون التخصصي قد أُدرج من قبل هيئة "البورد" العربية كأحد المشافي المعترف بها في العالم العربي، والطبيب الذي يحصل على هذه الشهادة بإمكانه العمل بكل سهولة بأي مشفى بالوطن العربي باعتباره أصبح حاصلاَ على الخبرة اللازمة والمطلوبة، كما أصبح لدينا فرع تدريب اختصاص فرعي لأحد فروع طب العيون وهذا متاح للطبيب المتخرج حديثاً "اختصاص طب العيون" فبإمكانه التدرب لمدة سنة كاملة باختصاصه الذي يحمله وهذا يعود حسب رغبته ومعدله النهائي وحسب حاجة المشفى إليه أيضاً».
والجدير بالذكر أن مشفى العيون التخصصي أنشئ من قبل وزارة الصحة قبل أربع سنوات لخدمة القطاع العام ودون أجر ويقع في منطقة "قاضي عسكر".