في سعيه لتأريخ المدنٍ ودراستها وفق أسس علميةٍ وربطها بالأساطير والآلهة قدم الدكتور "خالد كيوان" في كتابه "المسكوكات وتداولها في دمشق وريفها في العصور الكلاسيكية" بحثاً علمياً يتناول النقود "الدمشقية" خلال العصور الكلاسيكية، وللحديث عن عقدٍ ونصف من العمل والسعي والبحث وراء الأساطير، التقينا الدكتور "خالد كيوان" فقال: «البداية كانت من ريف "السويداء" ورؤية المباني الأثرية وحب الاكتشاف وكان والداي المشجعين الأولين للدراسة والتخصص في هذا الشغف، مارسّخ في نفسي حبّ الآثار الموجودة في قريتنا المتواضعة "سهوة الخضر" الواقعة إلى الجنوب من السويداء بحوالي عشرين كيلو متراً، بمناظرها الطبيعية الخلابة وتنوع تضاريسها بين السهل والجب .
** يتجه الباحثون لدراسة الفنون الكبرى كالعمارة والمباني والآثار غير المنقولة، لكن اختياري لدراسة النقود وهي إحدى الآثار المنقولة كالفخار، والأحجار الكريمة، والأختام، والفسيفساء، كان بسبب ما تتمتع به هذه القطع الصغيرة من معلومات في التاريخ والأساطير، وهو لب موضوع علم النقود المرتبط بدراسة علم الأسطورة، ويشكلان معاً علماً في غاية الإمتاع قائماً على تحليل الرموز التاريخية والدينية والعسكرية، ثم تحليل المعلومات على شكل رموز، إضافةً لكونه عملاً فنياً محضاً، وهذا ما أثبته التاريخ، فالفنان "أيتوخيدس" قام بنحت حبيبته "إيماتا" على أنها الربة "تيكة" رمز مدينة "أنطاكية"، ثم أصبح هذا التمثال من أهم الرموز في المدن السورية، خاصةً للمدن الواقعة على ضفاف الأنهار وسفوح الجبال في العهد السلوقي.
** هنا كانت جل المشقة، فالمكتبات العربية لا تحوي سوى البعض من المراجع القليلة التي لا تكاد تكفي لإعداد بعض الأبحاث خاصةً في العصور الكلاسيكية "اليوناني والروماني"، وأغلب المدونات والمراجع التاريخية مخطوطةٌ بأيادٍ فرنسية وإنكليزية، تلك التي تتحدث عن مؤرخين مثل "كوانتيوس كويروس" و"أريانوس" و"بوسيدونيوس الأفامي" و"فلافيوس يوسيفوس سترابون" ، ما يزيد مشقة البحث، كما اعتمدت على شبكة الإنترنت في الحصول على قدرٍ كبيرٍ من المعلومات، إضافةً إلى التنقيبات الأثرية التي قمت بها والمكتشفات في العديد من المواقع السورية.
** قدمت خلال دراستي مع زملائي بعض المواقع الجديدة للبحث يأتي على رأسها موقع "عين منين" الذي قدم دراسةً جديدةً للمواقع الكلاسيكية في الريف، فمن الناحية العمرانية هو بناء نُحت في الصخر، وهذه العملية تنسب إلى "الأنباط" في مدينتهم الوردية "البتراء"، وقدم الموقع نقوداً وفخاريات وتماثيل معدنية وحجرية، منها أول تمثال معدني من البرونز في الريف للإله "بعل" من عصور الشرق القديم، وتمثال نصفي لإحدى الربّات، إضافةً إلى موقع "جديدة يابوس- عين قينة"، وأهم مكتشفاته معبد ضخم جارت عليه العصور ليتهدم ويصبح كنيسة ثم يُخرَّب في عهود لاحقة.
** العديد من المقالات والمذكرات والأبحاث منها الإنتاج النقدي في "دمشق"، عدد خاص باحتفالية "دمشق" عاصمة الثقافة العربية، ومذكرة عن مسكوكات "عمريت" وتل "الغمقة"، ومذكرة عن مسكوكات "حصن سليمان"، ومقالة عن "نقود دمشق"، ومقالة بعنوان "واجهات المعابد على النقود السورية"، و"أشكال السفن الفينيقية على النقود السورية"، و"نقود دمشق من الإسكندر إلى بومبيه"، و"نقود ولاية فلسطين"، و"التيترادراخما الفضية"، و"إصدارات نقدية سورية من القرن /4ـ3/ قبل الميلاد، ومقالة مترجمة إلى الألمانية عن "التداول النقدي في سورية" بمعرض "إلدينبرغ" للفن المسيحي، ومقالة عن "تداول النقود في حوض العاصي الأوسط في العصر الكلاسيكي".
يشار إلى أن الدكتور "خالد كيوان" من محافظة السويداء، مواليد "دمشق" عام /1976/، حاصل على شهادة دكتوراه من جامعة "دمشق" بتخصص "المسكوكات القديمة"، عمل مدرساً في معهد الآثار والمتاحف، ويعمل معاوناً لأمين المتحف الكلاسيكي بمتحف "دمشق" الوطني، ومدرساً في جامعة "حلب".