فنان ابن "حلب" لابد أن تقف أمامه عاجزا عن النطق عندما تعرف أن عظام فناني "حلب" الحاليين تخرجوا من تحت يديه وهو من أنصاف المشهورين, وكما ذكر لموقعنا أنه مكرها كان عازفا على آلة "العود" وصدفة جعلت منه مدرسا للموسيقى بكافة فروعها, إنه الفنان مؤسس فرقة "شيوخ الطرب" ومدرس الكبار في "حلب" السيد "محمد القصاص".

زار موقع eSyria الفنان "محمد القصاص" في منزله يوم 24/10/2009 ليحدثنا عن مسيرته الفنية ومشاريعه التي لامست ضوء القمر لفترة وجيزة وفارشا جراحه الفنية على مائدة الموقع في لقاء قل نظيره, وانطلق في حديثه عن بداياته الأولى مع الموسيقى وعن رغبته في تعلم "الغيتار" والتي ماتت لحظة ولادتها فمكرها اختار "العود" فقال:

لقد تولعت بالموسيقى جراء ما تعلمته من والدي الذي أضاف إلي الكثير وجعلني أسبق عهدي وأتفوق إذ أن الكثيرين يشيدون بما أقدمه على آلة القانون وأنا ممتن لوالدي الذي زرع في داخلي هذا الهيام الموسيقي والمعرفة الموسيقية النادرة

«دخلت عالم الموسيقى في العام (1977) عندما التزمت بالتعلم في معهد "حلب" للموسيقى وكان دخولي بناء على رغبة شخصية مني إذ لم يكن في عائلتنا أي توجه فني لكني كنت قد تأثرت جدا بالفنان عازف الغيتار "عمر خورشيد" الذي ذاع صيته بين الشباب وراح الكثير من الشباب يقلدونه ويتعلمون العزف على آلة الغيتار تشبها به, لكن تفاجأت وغص في نفسي أن المدرسين في المعهد لم يسمحوا لي بالتعلم على آلة الغيتار إذ كان أكثر من نصف الوافدين إلى المعهد من الطلاب يطلبون التعلم على آلة الغيتار فكانت الإدارة تضع شروطا كثيرة لم تتناسب معي لذا خيروني بين آلات عدة منها العود الذي اخترته مجبرا ولأنه قريب في شكله من آلة الغيتار وكان أستاذي آنذاك السيد "نديم الدرويش" نجل الموسيقي العربي الكبير "علي الدرويش" بعدها درست الموشحات ورقص السماح من خلال الأستاذين "بهجت وعبد القادر حجار" ولم أقتصر في دراستي على تعلم آلة العود فحسب بل فتح لي الباب كي أطلع على كافة الآلات الموسيقية وآلية التعامل معها خصوصا أنني كنت أحمل فكرة مسبقة عن الإيقاع».

جزء من مكتبة القصاص

ويتابع "القصاص" في الحديث معرجا إلى الصدفة التي جعلت منه مدرسا وحثته على البحث الأكاديمي في مجال الموسيقى إذ يقول: «بدايتي العملية في مجال الموسيقى بدأت عندما أسند إلي تدريس بعض المواد في المعهد وأنا مازلت طالبا إذ أنني لفت انتباه الإدارة بمعرفتي للعديد من الأسرار في هذا المجال وهذه المعرفة جاءت عبر تعلقي الزائد بالموسيقى وحبي للاكتشاف وكانت الإدارة قد انتبهت لمقدرتي التدريسية من خلال صدفة حدثت عندما تغيب مدرسنا عن حصته فقمت أنا بإعطاء الدرس بدلا عنه وبحت ببعض الأسرار التي أعرفها أو كنت قد اكتشفتها فأبدى زملائي حينها إعجابهم لما علمتهم الأمر الذي لفت انتباه الإدارة فقامت بإسناد تدريس بعض الطلاب الجدد والآلات التي ليس لها مدرس في المعهد من هنا زادت المسؤولية علي فرحت أبحث في المراجع والكتب التي تأتي لمتناول يدي وعليه صار لدي هوس في قراءة تاريخ الموسيقى ومعارفها فرحت أقرأ كتب لا على التعيين إنما تختص بهذا المجال الأمر الذي زاد من معارفي وخبرتي, وحتى الآن يراودني هذا الهوس فعندما أسافر إلى أي بلد أدخل المتاجر المختصة ببيع الكتب والآلات الموسيقية وأطلب منهم أي كتب كانت تهتم بالموسيقى ولا أفترض كتبا بالتحديد».

وفي نظرة سريعة على مشاريع "القصاص" الفنية نراه مؤسسا لعدد من الفرق الجماعية الشرقية التي لم يكتب له الاستمرار فيحدثنا عن رغبته في قيادة الفرق الجماعية قائلا:

فرقة شيوخ الطرب في لبنان

«قصتي مع تأسيس الفرق الجماعية بدأت من المعهد عندما أسندت الإدارة إلي قيادة الأوكسترا الشرقية فيه وكما ذكرت كنت حينها أعمل بصفة مدرس في المعهد ذاته فنشأ عندي اهتمام آخر وهو قيادة المجاميع في العزف والغناء الجماعي وكنا قد قدمنا حفلا في تأبين مدرسنا السيد "نديم الدرويش" إذ لفت أنظار الجميع ودعيت حينها لتأسيس فرقة باسم نقابة الفنانين وفعلا كان ذلك وبعدها قمت بتأسيس فرقة ليالينا التي عملت فيها مع أهم وجوه الفن في "حلب" وقدمنا جملة من المعزوفات والأغاني التراثية بأساليب أكاديمية كانت تفتقدها المنطقة وانطلقت بعدها في مشواري مع فرقة شيوخ الطرب التي لاقت نجاحات عديدة في أنحاء الوطن العربي وحصدت شهادات تقدير وثناءات عدة على مستوى الوطن العربي أجمع».

ولعل أهم ما يمكن ذكره هو تأسيسه لفرقة "شيوخ الطرب" التي ما زالت حتى اليوم تحجز حيزا كبيرا في الوسط الفني على الرغم من شرذمتها وضياعها إذ يحدثنا عن هذه الفرقة التي باعتباره أخذت منه الكثير فيقول: «من الممكن أن أقول أن فرقة شيوخ الطرب هي حلم عاش في داخلي وتحقق لكن لفترة وجيزة لا أكثر إذ عمدت في هذه الفرقة إلى ضم وجوه الفن الحلبي الأصيل وأجودهم أمثال "حسن الحفار – مصطفى ماهر – أديب الدايخ – صبري مدلل – عمر سرميني – حمام خيري – أحمد أزرق" وغيرهم الكثيرين أصحاب الأمجاد والأصوات الطروبة وعملنا سويا في سبيل هدف واحد وهو إحياء التراث العربي الحلبي الأصيل وشاركنا في عدد من المهرجان أهمها كان "قرطاج" في "تونس" وفي "القاهرة" في "دار الأوبرا" حيث لفتنا أنظار الجميع وكان لنا صيت قل نظيره وبعدها رحنا نقدم حفلات مأجورة في "لبنان" تعاونا مع المنتج "يوسف الحاج" وحققنا نجاحات باهرة لكن سرعان ما تلاشت الفرقة إثر هذا النجاح بسبب أنانية البعض ونسب النجاحات إلى أنفسهم إذ أننا في "حلب" كنا وما زلنا نفتقد للثقافة الموسيقية الاحترافية ففكرنا تجاري موسيقيا الأمر الذي استفاد منه بعض المنتجين لسحب أعضاء الفرقة واحدا تولى الآخر حتى تلاشت الفرقة وأصيبت بالشتات بعد حوالي عشر سنين من العطاء والشهرة والصيت ومع وفاة فرقة شيوخ الطرب مات حلم تأسيس فرقة فنية بداخلي لأنني لم أعد أرغب في أن كون جسرا يمشي عليه الآخرون إلى المجد».

رقة نقابة الفنانين بقيادة القصاص

وفي حديث له للموقع تحدث الشاب "نور القصاص" نجل الفنان الكبير "القصاص" وعازف القانون: «لقد تولعت بالموسيقى جراء ما تعلمته من والدي الذي أضاف إلي الكثير وجعلني أسبق عهدي وأتفوق إذ أن الكثيرين يشيدون بما أقدمه على آلة القانون وأنا ممتن لوالدي الذي زرع في داخلي هذا الهيام الموسيقي والمعرفة الموسيقية النادرة».

أما من جهته الفنان "توفيق رمضان" عازف الناي تحدث للموقع عن الأستاذ "القصاص" قائلا: «يتميز الفنان "محمد القصاص" في أنه يجيد التعامل مع آليات إيصال الحس الموسيقي للغير ومن هنا يكمن سؤال وهو كيف يقوم بتدريس كافة الآلات على الرغم من أنه لا يعزف بها والإجابة بسيطة إذ أن هذا المدرس يعرف كيف يخلق لك الجو المناسب للتعلم ويعرف كيف يجعلك تبني نفسك موسيقيا من غير مساعدة وهذا أهم ما يمكن تواجده في المدرس الموسيقي هذا كله ناهيك عن كونه إداري نجح جدا وله باع طويل في إدارة الفرق الموسيقية وإيصالها إلى مستويات عظيمة».

وفي العودة إلى الفنان "القصاص" وسؤاله عن واقع الفن في "حلب" تنهد وفضفض للموقع عما يعانيه في هذا المجال وعن أسباب ابتعاده عن التلحين رغم مقدرته فيقول: «إن مدينة "حلب" كانت منذ القدم ومازالت وستبقى أم الفن والطرب ومفرخة الفنانين العظام, لكننا وبصراحة نعاني من الفكر الفني في "حلب" الذي قتل العديد من المواهب وجعلهم أرضا يمشي عليها الآخرون فدائما في "حلب" نولي المطرب الاهتمام الأكبر وكأنه صاحب الدور الرئيسي وباقي أعضاء الفرقة نعاملهم على أنهم كومبارس لا أكثر وهذا الأمر يهضم حق الكثيرين من كتاب وملحنين وعازفين ويجعلهم باحثين عن فرصة للهروب من هذا الجو غير المنصف ولعل هذا السبب هو الذي جعلني ابتعد عن مشروع التلحين وأكتفي في كوني مدرس مختص في الموسيقى على الرغم من مقدرتي على التلحين إذ أنني أحمل في جعبتي ألحانا خاصة بي لكنها خاصة جدا وليست للمتاجرة فأنا أرى الفن وأعمل به لأجل الفن فحسب إنما واقعنا لم يعد كذلك أبدا».

يذكر أن الفنان "محمد القصاص" من مواليد "حلب" عام (1957) شارك مع العديد من المطربين كعازف على آلة العود وقاد وأسس عددا من الفرق الفنية في "حلب" والوطن العربي حائزا على عدد من الجوائز و الثناءت وشهادات التقدير من مصادر عدة ويعمل حاليا بصفة مدرس موسيقي مختص في "حلب".