يلامس النقل الداخلي شرائح واسعة جداً من الناس تستقل هذه الباصات بشكل يومي، ومن هنا تعد إشكالية إصلاحه أمر لا غنى عنه ولا يمكن غض الطرف عنه، خاصة مع وجود الكثير من المعاناة لدى المواطنين إزاء العديد من الأمور التي تتصل بالازدحام الشديد في معظم الأوقات، وارتفاع التسعيرة بما لايتناسب ومستوى الدخل، والافتقار إلى التواتر المنتظم، وكثرة التوقفات لصعود ونزول الركاب، وعدم وجود بطاقات تكون صالحة للاستخدام على كل الخطوط، زد على ذلك عدم إنجاز المواقف والمظلات لبعض الخطوط وخاصة أننا في فصل الصيف الحار، وأدهى من ذلك كله تأخر صدور تخفيض التسعيرة بعد أن تم تخفيض سعر المازوت بنسبة (20%).

ونتيجة لشكاوي المواطنين شكل مجلس محافظة "حلب" لجنة استعانت بعدد من الأساتذة بجامعة "حلب" الدكتور "حسن حزوري" والدكتور "علاء الدين جبل" وبعض المعيدين في كلية الاقتصاد حيث قاموا بإجراء دراسة تحليلية لتكاليف وإيرادات النقل الداخلي بـ"حلب"، واعتمدوا في دراستهم على عمليات مسح ميدانية للتكاليف والإيرادات، وأظهرت نتائج الدراسة أرباحاً فاحشة يتقاضاها المستثمرون من المواطنين، ولتسليط الضوء على هذه الدراسة العلمية حول تسعيرة النقل الداخلي في "حلب" وكانت esyria قد أعدت تحقيقا صحفيا حول مشكلة النقل الداخلي "بحلب" في أوقات متعددة ومتفرقة وانتهت منه في (24/8/2009).

إن التسعيرة العادلة لشركات النقل الداخلي ضمن المحافظة هي خمس ليرات سورية فقط لا غير وفق ما قررته لجنة اقتصادية مشكلة في حلب

الدكتور "حسن حزوري" رئيس قسم العلوم المالية والمصرفية بجامعة "حلب" تحدث لـesyria حول الدراسة التي أعدتها كلية الاقتصاد حول تسعيرة نقل الركاب، فقال: «قام المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة بتكليفي والدكتور "جبل" بإجراء دراسة حول النقل الداخلي المستثمر من قطاع الخاص حيث قمنا بإجراء الدراسة بمشاركة طلاب الدراسات العليا والمرحلة الجامعية الأولى وقد نفذت الدراسة خلال شهري تشرين الثاني وكانون الأول من العام الماضي 2008وتم تقسيمها إلى قسمين:‏ الأول يتركز حول جودة خدمة النقل الداخلي ويشمل /8/ محاور رئيسية هي الراحة والأمان، الدخل، سرعة الوصول، الخدمات، مقارنة بين القطاعين العام والخاص، اللباقة في التعامل مع الراكب، التفاعل بين الراكب والمستثمر، اقتراحات وآراء حيث تم استطلاع رأي عينة مؤلفة من /150/ شخصاً من مختلف أنحاء المدينة.‏ والثاني يشمل موضوع الدراسة المالية "التكاليف + الإيرادات"‏ وأجريت الدراسة على خطوط "الدائري الشمالي ـ الحمدانية وهنانو" ولم تشمل الخطوط الأخرى لسببين الأول عدم تعاون مستثمر خط "شارع النيل" مع فريق الدراسة حيث لم يقدم أية معلومات أو إحصائيات له، الثاني أن خط "الأشرفية" لم يكن وقتئذ قيد الاستثمار ولوحظ خلال الدراسة وجود تقارب كبير بين خطي "الحمدانية وهنانو" أما "الدائري الشمالي" فقد اتصف بكثافة ركاب أكبر وبمشاكل أكثر مقارنة مع باقي الخطوط، أما الخط الأقل شكاوى عليه وأكثر انتظاماً في التواتر فهو "حلب الجديدة" حتى أثناء الليل».

الدكتور حسن حزوري في حديثه لـesyria

وأضاف الدكتور"حزوري": «قام فريق الدراسة بمراقبة ومشاهدة الخطوط الثلاثة المذكورة في أوقات مختلفة وفي العطل الرسمية وقام بتصوير فيديو لكثافة الركاب وعدم التواتر المنتظم وتم الأخذ بعين الاعتبار سائر التكاليف والضرائب ورواتب العاملين لدى المستثمرين كما تمت إضافة تكاليف إدارية بنسبة (10%) واحتساب (126) ليتر مازوت يومياً لكل باص كما أن الدراسة لم تلحظ الإيرادات التي يمكن أن يحصل عليها المستثمرون من وراء الإعلانات، كما تم أخذ معلومات من المستثمرين لكن لم يتم الأخذ بالمعلومات المغلوطة منها علاوة على أن بعض التكاليف التي وردت في الدراسة كانت أكثر من الواقع باعتراف المستثمرين أنفسهم ومثلاً لحظت الدراسة سعر عجلة الباص /15/ ألف ليرة بينما هو فعلياً من /8 ـ 10 / آلاف ليرة، وراتب الإداري والسائق /15/ ألف ليرة بينما فعلياً فإن الراتب الممنوح لأي منهما أقل من ذلك».

ولدى سؤالنا عن النتائج التي خلصت إليها الدراسة قال الدكتور"حزوري":«خلصت الدراسة إلى أن‏عدد الركاب اليومي على كل باص من الخطوط الثلاثة المذكورة (الدائري الشمالي ـ الحمدانية ـ هنانو /1610/ ركاب)‏ وكلفة الراكب على "الدائري الشمالي" (3.44) ليرة سورية‏ ، وكلفة الراكب على باقي الخطوط (4.6) ليرة سورية‏، وكلفة كل باص يومياً (6535) ليرة سورية.‏ أما التكلفة الوسطية للكم الواحد فهي (16.34) ليرة سورية والإيرادات (32.20 ) ليرة سورية على خط "هنانو"‏ .

المهندس علي أحمد منصورة محافظ حلب

والتكلفة الوسطية لـ /كم/ (16.34) ليرة سورية والإيرادات (38) ليرة سورية على خط "الدائري الشمالي"، حيث بينت الدراسة أن كل سائق على خط "الدائري الشمالي" يبيع يومياً من /14 ـ 15/ دفتر بطاقات أي مايعادل /1400 ـ 1500/ راكب وذلك بموجب اعترافات بعض السائقين أنفسهم .‏ وعلى هذا فإن السعر العادل بموجب تلك الدراسة يوم كان سعر لتر المازوت /25/ ليرة سورية هو /5/ ليرات سورية للراكب.‏

وبالنسبة للعقد الموقع بين المستثمرين ووزارة النقل مخالف لنظام العقود المعمول به في "سورية" حيث كان يجب أن يتم عن طريق المناقصة أو المزايدة في حين أنه تم بالتراضي وإن من قام بصياغته هم أشخاص غير مختصين وتمت على حساب المال العام، وشددت الدراسة على ضرورة أن تقوم شركة النقل الداخلي بإصدار بطاقات تكون صالحة للنقل على جميع الخطوط، وينبغي تقديم حسم للطلاب والمسنين أسوة بجميع دول العالم».‏

السيد محمد وحيد عقاد

ولدى سؤالنا عن العقد بالتراضي الذي تم توقيعه قال:

«عقد استثمار خطوط النقل الداخلي يظهر مدى الغبن الذي لحق بالمال العام وبالمواطن نتيجة انحياز العقد لصالح المستثمرين فهو مخالف لكثير من النصوص القانونية وفيه إجحاف بحق الدولة، فهو عقد بالتراضي، فهل يعقل أن يتم تفريغ خط بكامله لقاء بدل استثمار قدره(100) ليرة سورية فقط في اليوم ؟ ورغم ذلك فالمستثمرون لا يتقيدون بنصوص العقد، و رغم عشرات المخالفات التي وردت إلى الشركة بشكل مباشر أو غير مباشر لم تقم الشركة العامة للنقل الداخلي بفرض أي غرامة أو إنهاء عقد أي مستثمر لم يلتزم بشروط العقد، فلا يوجد خدمة ليلية (العقد يفرض وجود خدمة ليلية منتظمة)، ولا تواتر منتظم، كما أن بعض الشركات "الدائري الشمالي" قامت بنزع عدد من المقاعد من أجل زيادة الطاقة الاستيعابية للباص وقوفاً، وكل مرة كنا نعلم فيها إدارة الشركة العامة للنقل الداخلي يكون الجواب بالدفاع عن المستثمرين عوضاً عن الدفاع عن المصلحة العامة وتنظيم المخالفات بحق الشركة المخالفة، فمثلاً شركة الأوائل التي تستثمر خط "المشهد – الراموسة" رغم توقيعها على تعهد خطي بالتقيد بتسعيرة التموين، فهي تتقاضى من كل راكب ليرتان زيادة عن التسعيرة، وبالتالي أصحاب الشركة تحايلوا على قرار السيد المحافظ، حين وقعوا على تعهد خطي موثق ثم تهربوا منه، ولم تتخذ الشركة العامة للنقل الداخلي أو حتى فرع المرور أي إجراء بحقهم !».

ووجه الدكتور" حزوري" العتب إلى مدير شركة النقل الداخلي لعدم رده على اتصالاته به بهدف تزويده بالملاحظات حول باصات المستثمرين ولعدم الاستجابة لتغيير مسار خط "البلليرمون ـ الجامعة" كي يمر بمحاذاة جمعيتي "الزهراء والصيدلة" لأن المسار الحالي خاسر حيث يمر الباص بشكل شبه فارغ مما يعرّض الشركة لخسائر بينما في حال عدل المسار فيتم تخديم شريحة كبيرة من الطلاب والموظفين بالجامعة وما حولها رغم أن التعديل لايزيد من الوقت والمسافة المقطوعة فمنذ أشهر طرح الموضوع أول مرة على مدير الشركة لكن الأخير كان يبدي في كل مرة الوعود التي لما تجد طريقها إلى التنفيذ».

وبشأن التخفيض الأخير لأسعار المازوت قال الدكتور "حزوري":«استغرب من التأخر في إصدار تسعيرة النقل الجديدة بعد تخفيض سعر المازوت بينما لو كان الأمر يتعلق بزيادة لكانت صدرت بأقصى سرعة ؟!».

والجدير ذكره أن سيادة محافظ "حلب" المهندس: "علي أحمد منصورة" صرح لوسائل الإعلام قائلا: «إن التسعيرة العادلة لشركات النقل الداخلي ضمن المحافظة هي خمس ليرات سورية فقط لا غير وفق ما قررته لجنة اقتصادية مشكلة في حلب» وقد جاء تصريح محافظ "حلب" خلال اجتماع عقد في مكتب المحافظ جمعه مع لجنة نقل الركاب المشترك، حيث أكد المحافظ إن المحافظة هي المعنية بتحديد تسعيرة لهذه الشركات استناداً للقانون وليس وزارة النقل، وجاءت تصريحات محافظ "حلب" استجابة لشكاوى المواطنين في مدينة "حلب" من تجاوزات شركات النقل الداخلي الخاصة وتسعيرتها التي لا تنسجم مع الكلفة الحقيقية.

وفي حديثنا مع السيد "محمد وحيد عقاد" عضو المكتب التنفيذي لقطاع التجارة الداخلية والصناعة قال : «إن المحافظة تهدف إلى تخديم الأخوة المواطنين بأسعار تتناسب والدخل، وإن الدراسة التي أجراها أساتذة من جامعة "حلب" هي صحيحة وتم حسابها وفق أسعار المازوت (25) ليرة سورية لليتر بما فيها الاهتلاكات والضرائب والرسوم والتواتر العددي».

يذكر أن مستثمري خطوط النقل الداخلي علقوا على هذه الدراسة العلمية بأنها غير موضوعية، وطالبوا بإبقاء التسعيرة على حالها .

وواقع الحال يظهر أن مشكلة التسعيرة بقيت حتى الآن قائمة دون حسم فالواقع لم يتغير رغم موقف المحافظة المدافع عن تخفيض التسعيرة من (8) ليرات وبعض الخطوط يأخذ (10) ليرات إلى (5) ليرات؟ تبقى الكرة في مرمى وزارة النقل التي لم تحسم موقفها مع من ستقف مع المستثمرين أم مع مصالح خمسة ملايين مواطن في محافظة "حلب"؟