كأني بـنبتة "القندريس" قادمة من أفول معركة قضى فيها معظم الزهور، وباتت تبحث عن حبيبها على قارعات الدروب، فلبست درعاً من شوك، خوفاً على نفسها من أيادٍ تقلعها من جذرها، فالوقت بالنسبة لها جد قصير، عشقها أن تقف حارساً على جنبي الطريق، لكنها في ريعان الصبا، تلبس ثوباً بنفسجياً قشيباً، تتحدى الشمس برأسها المرفوع، وكأنها تعلن لكل النباتات أنها جاءت من الأساطير، وأن من يمسها سيلقى ما لا يعجبه، في "سلمية" اعتاد أهلها على هذه النبتة، وكم عشقوها، وتعاملوا معها كحورية جرفها مد البحر إلى صخرة الشاطئ، فيقطفونها، يتفننون في طريقة تقشيرها، فهي بلونها البنفسجي، ونعومة زغبها تحولت إلى ساحرة الخدود.

موقع eSyria بحث في حيثيات هذه النبتة، وسأل أصحاب الاختصاص، فالتقينا السيد "عبد الكريم الشعار" يوم الجمعة 19 حزيران 2009 وهو من المهتمين، وصاحب محل بهذا الشأن فقال عن هذه النبتة: «تسمى نبتة "القندريس" أو "شوك الجمل" كما يقال عنها في تركيا، وهي نبات بري يشبه في مواصفاته "الأرضي شوكي" و"الخرفيش" الشوكي، ولكن يختلف عنهما بأن هذا الشوك هو حارس أمين لزغب شعرية ذات ألوان فائقة الجمال، ولعل اللون البارز فيها هو "البنفسج" مهمتها حماية الثمرة الموجودة من الحشرات التي تعيش على النباتات، كما أنها من فصيلة "الصباريات" لأنها توجد في الأماكن شبه الصحراوية، تثمر بعد شهر ونصف من دخول فصل الصيف».

يمكن استخدامها في معالجة أمراض الكبد، أو بعضاً من أمراض الكبد، وهو منشط، ويفيد في معالجة القناة الصفراوية، وفوائده أكثر بثلاثة أضعاف مما يقدمه "الأرضي شوكي"

وعن اختفائها لسنوات عن الظهور في أراضي "سلمية" وعودتها في هذه السنة بشكل لافت للنظر، يقول: «ربما بسبب الجفاف وشح الأمطار في السنوات السابقة منعها من الظهور، ولكن اللافت للانتباه أننا شاهدنا بعضاً من أنواع النباتات لم نشاهدها منذ 25 عاماً، وهذا مؤشر على أن التغير المناخي بدأ يعود بعجلته لأيام الخير رغم كل الدراسات التي تتحدث عن امتداد التصحر، وهذا قد يزرع فينا الأمل».

"علي القصير" يقطف نبتة "القندريس"

ولأن في حواشيه يخفي قرصاً ذا لون أبيض، غض وطيب المذاق، سألنا السيد "عبد الكريم الشعار" عما يمكن أن يقدمه من فائدة، فيجيب قائلاً: «فيما مضى ومنذ سنوات كنا نشاهد هذه النبتة، فنقطعها ونزيل الشوك عنها ومن ثم نأكل الثمرة التي في داخلها، ولكن مع تطور فن الطبخ فإنها دخلت على المائدة، ولكن ما يهمنا منها أن لها فوائد من الناحية الطبية».

وعن هذه الفوائد يقول: «يمكن استخدامها في معالجة أمراض الكبد، أو بعضاً من أمراض الكبد، وهو منشط، ويفيد في معالجة القناة الصفراوية، وفوائده أكثر بثلاثة أضعاف مما يقدمه "الأرضي شوكي"».

و زغبها يداعب خد "تيم"

وبحثنا عنها في ذاكرة الشعوب فوجدنا أن اسمها عند اليونانيين "كنثريتس" Kantharitis، أما عند الأتراك فيصفونها بـ "شوك الجمل" Devedikeni بينما عند الإنكليز يقال لها Syrian Thistle ، أما في اللغة اللاتينية فتسمى Notobasis Syriaca، ويظهر مما تقدم أن هذه النبتة ومما تظهره التسميتان الإنكليزية واللاتينية أنها نبتة سورية بامتياز،

هذا ما دعانا كي نسأل السيد "علي القصير" وهو من الذين كانوا يدمنون على قطف "القندريس" كيف كانوا يتعاملون معها وهي ذات شوك صلب وقاسٍ، فقال: «في مثل هذه الأيام كنا ونحن نحضر للامتحان نخرج منذ ساعات الصباح الباكر على الطريق الذي يصلنا بقرية "مرج مطر" وهو بطول 9 كيلو متر، لكي نراجع مقررات من درسناه، وكنا في طريق عودتنا في حدود الساعة الـ 10 صباحاً والشمس قد اشتد قيظها، نقوم بقطف "القندريس" ونمضي ساعة أو أكثر في ذلك لنعود بها إلى البيت، ونمضي ساعات الاستراحة في تخليصها من الشوك، ونترك الزغب الناعم الذي يشبه فرشاة الحلاقة، لذا كنا نداعب خدنا بها لشدة نعومتها، بعد ذلك ومتى شعرنا بالملل نزيل الزغب الناعم ليظهر القرص الدائري الأبيض، ونقوم بأكله، كان طعمه لذيذاً».

قرص "القندريس" الذي يتوسط الزغب

ولعل الرمز المتعدد الذي توحي به هذه النبتة بين الجمال وبين القسوة والقوة والصبر والرقة والنعومة، هو ما دفع المخرج العالمي "ميل غيبسون" لاستخدامها في أحد مشاهد فيلمه الشهير "قلب شجاع" Brave Heart، حيث يفقد الطفل "وليم والاس" (بطل الفيلم) أباه وشقيقه اللذين يقتلا على أيدي الانكليز، وفي مراسم دفنهما تظهر له طفلة جميلة وتقدم له هذه الزهرة "القندريس" متنبئة ببداية حب وبداية مأساة وبطولة خالدة، وبعد مرور أعوام على حب يتصف بالسرية خوفاً من قوانين الملك الجائرة، يفتضح أمر زواجهما السري فتذبح حبيبة "والاس" على أيدي الانكليز فوراً، ليعلن تمرده وثورته التي تعم كل أنحاء اسكوتلندا مهدداً سلطة انكلترا وعرش الملك، إلى أن يلقى القبض عليه بمؤامرة ويعدم أمام حشد كبير من الناس، ولكنه لم ير في لحظاته الأخيرة إلا طيف حبيبته التي أهدته تلك الزهرة الساحرة "القندريس".