البساطة والعلاقات الاجتماعية القويّة بين ساكنيه، سمّة يتميزُ بها حيّ "المهاجرين" في مدينة "حمص"، ففي هذا الحي الشعبي لا تزال الروابط الاجتماعية على أشدها، ولم تستطع ظروف الحرب رغم قسوتها أن تنال من هذه الروابط بل زادتها قوة ودفئاً.

مدوّنة وطن "eSyria" جالت في الحيّ واطلعت عن كثب على طبيعته وسبب تسميته وأحوال قاطنيه.

سعرُ أراضي الضاحية القليل قياساً بمنازل حيّ "المهاجرين" وكلّ مناطق المدنية، وهو ما جعلَ الناس يفضلون التوجه للحي

مقصدٌ للسكن

تربة مدينة حمص الزراعيّة جعلتها غير صالحة لإقامة أبنية بطوابق عالية، وكانت منذُ عقود عبارة عن بساتين ومزارع فقط، ومع التوّسع العمراني للمدينة وأسعار أراضي حيّ "المهاجرين" المنخفضة مقارنة بباقي الأحياء، صار الحي مقصداً للكثيرين ممن اتجهوا إليه، وسكنوا فيه ولعلّ هذا كان أحد أسباب إطلاق التسمية على الحي.

ضاحية "الباسل"

يقول "عمار محمود" أحد قاطني الحي القدامى: «هناك أقاويل كثيرة لسبب تسمية الحي بـ"المهاجرين"، ولكن أكثرها شيوعاً، أنّه بسبب قدوم أهل القرى إليه وهجرهم الحياة الرّيفيّة، ومع تقدم السّنين اختفت المزارع والبساتين ونهضت الأبنية».

حيّان في واحد

يتميّزُ الحي بارتفاعه عن باقي الأحياء المجاورة، ما أبقاهُ آمناً من تجمّع المياه الكبير بشوارعه أثناء فصلِ الشّتاء، وبسببِ مساحته الكبيرة الممتدة جرى تقسيمه مؤخراً لحيّين "المهاجرين1" الممتد من زاوية شارع "السّتين" شمالاً باتجاه دوّار "العباسيّة" وصولاً لمدرسة الشّهيد "رائد الدربولي"، ومن الجنوب من جاروشة الحيّ حتّى شارع "عبد الرّحمن الداخل"، وباتجاه الغرب من مجمع المدارس وزاوية خزان المياه الغربيّة، أمّا "المهاجرين2" فهو امتدادٌ لشارع "عبد الرّحمن الداخل" وصولاً لمقسم الاتصالات، ومن الشّرق من صالة سحر الشّرق حتّى نهاية الأبنية في ضاحية "الباسل"، وغرباً الثّكنة العسكريّة، ومع هذه التشعبات الكبيرة لـ"المهاجرين" هناك ميزات وتبعيات تخصّه عن باقي الأحياء.

المشفى المتنقل

خدمات

الشّارع الرّئيسي

يضمُّ الحي طريقين رئيسيين مهمّين، ("المهاجرين الرّئيسي"، "البريد")، الأوّلُ يعجُّ بالمحال التجاريّة والأرصفة المشغولة ما تسبب بضيقه وكثرة الحوادث فيه، فيتفاوتُ تخديمُ الطرقات بين بداية الحيّ المتاخم لحيّي "الأرمن" و"الزهراء"، وبين الجزء المتاخم لحيّ "دير بعلبة" من جهة ثانية وبين الضّاحية، ولكنّها بالمجمل بحاجة لإعادة تأهيل، الأكثر سوءاً بينها الضّاحية فشوارعها لا تزال ترابية.

يقول "عبد الله البوّاب" رئيس مجلس مدينة "حمص": «يوجد في ضاحية الباسل ضمن الحي أرض كبيرة مخصصة لبناء مشفى وطني منذُ عقود، لكن الظّروف لا تسمح ببناء منشأة جديدة، هناك المشفى المتنقل ويتسع لمئتي سرير، وهو مجهز بأحدث الأجهزة الطبيّة وفيه غرفة عمليات أيضاً، ليكون أكبر مشفى موجود في المدينة، وربما هيئته ضمن خيم لا تشجع المواطنين على دخوله ولكن فور استكمال كادره الطبي سننطلق للقاءات مع المواطنين ووضعهم بصورة تجهيزاته المتقدمة، وهو باقٍ في ذات المنطقة لزمن طويل غير محدود».

وحول نقص الخدماتِ في ضاحيّة "الباسل"، يتابع المهندس "البوّاب": «هناك جزء من الضاحية يفتقد للصّرف الصحي والتزفيت، وقمنا بدراسة جدوى ماليّة قدرت بحوالي المليار ونصف المليار ومن المقرر أن نبدأ بها العام القادم، بعد تأمين البنى التحتية من صرف صحّي وغيرها ثم يتمّ تزفيت الطرقات».

رغم الحرب

قبلَ سنواتٍ لا تتجاوزُ الخمس عشرة سنة، كانت البيوت تصل لبداية ضاحية "الباسل" فقط، والآن تاخمت قرية "زيدل" وبأبنية مرتفعة، وسببُ هذا الزحف العمراني - رغم نقص الخدمات - حسب ما يقول "عبدو ضاحي" مختار حيّ "المهاجرين 1": «سعرُ أراضي الضاحية القليل قياساً بمنازل حيّ "المهاجرين" وكلّ مناطق المدنية، وهو ما جعلَ الناس يفضلون التوجه للحي».

وتظلُّ العلاقات الاجتماعية المترابطة سمة تميز أهالي الحي، وهي علاقات ازدادت دفئاً خلال فترة الحرب رغم ما عاشه أهل الحي من ظروف صعبة، وحسب ما يقول "أبو محمد" وهو أحد السكان: «في الشّارع الذي أقطنهُ توجد عشرة منازل فقدت عزيزاً بينَ شهيدٍ ومفقود، الجو العام هنا سلبيّ وحزين ولكن ذلك لم يمنع الأهالي من الوقوف إلى جانب بعضهم البعض في المناسبات الاجتماعية من أفراح وأتراح، وحتى تبادل الأطباق في كلِّ مناسبة لا يزال موجوداً مع أولويتها للفقير وهو نوع من التكافل الاجتماعي لم تستطع الحرب إيقافه».