بثقة وإصرار، يتابع الجريح "أحمد الحسن" مسيرة حياته اليومية، وهو الذي أنهى خدمته حديثاً نتيجة تعرضه لعدة إصابات حربية، لم تستطع إيقاف عجلة الحياة لديه، بل كانت حافزاً لتقديم شيء مختلف وجديد في قريته "بعمرائيل" التابعة لمدينة "بانياس"، فكانت موهبته بالرسم المباشر للوجوه علامة فارقة ضمن مشروعه المقهى، والذي أسماه "على المفرق مع فيروز"، حيث رسم مختلف وجوه زواره بالمقهى باللون الأسود وبشكل مباشر، معتمداً على اللون الأسود الذي طوعه مع توظيف الظل والنور، من دون أن يعلم الزائر ما سيلاقيه من مفاجأة في الزيارة التالية.

"بورتريه"

لم يكن الرسم المباشر أو ما يعرف بـ"البورتريه" عند "أحمد"، نابعاً من خلفية علمية أو أكاديمية، وإنما كان موهبة كامنة تفجرت في لحظة معينة، لتخرج معلنة تفوقه على جراحه وبداية مشوار حياة جديد، فانتقل من شخص أغلقت في وجهه جميع الأبواب نتيجة الظروف الاقتصادية الحالية، إلى موهبة خلاقة غيرت الكثير من تفاصيل حياته نحو الأفضل، فبات الملهم لأقرانه من خلال متابعة ما يقوم به والسؤال عن أدق التفاصيل في الرسم.

يجيد "أحمد" الرسم المباشر للوجوه، ويقوم برسم الشخصيات في زمن قصير وبدقة عالية، تمكّن المتلقي من معرفتها، رغم أنها بلون واحد فقط، وتتميز بطريقة توظيفه للون الأسود بمهارة، وعرضه لتلك اللوحات المتجددة بشكل مستمر أمام الجميع، وكأنه يريد خلق حالة ثقافية فنية جديدة في القرية، وهذا جعل المقهى مقصداً يومياً لغالبية شباب القرية

يقول "أحمد" لمدونة وطن eSyria: «الكثير من الأصدقاء وقف إلى جانبي وشجعني على ممارسة موهبتي وتقديم المزيد من اللوحات بهدف تطور الموهبة، حتى إن البعض رغب في اقتناء لوحات وجد أفكارها قريبة منه وتلامسه داخلياً، علماً أن هذه الحالة الفنية لم تكن موجودة سابقاً لا في القرية ولا لدى الشباب، ما يعني أن حالة فنية جديدة وذائقة بصرية بدأت تظهر ملامحها بشكل جلي، وهذا أسعدني كثيراً ودفعني للاستمرار، وتقديم المزيد وتطوير الأفكار وطريقة إخراجها».

جانب من المقهى والمعرض الدائم

ولم تتوقف أفكار "أحمد" وموهبته عند حد "البورتريه"، بل حاول تقديم كل شيء جديد يتعلق بالرسم، فرسم على الصخور القريبة من مقهاه، وأعاد ترتيبها بجانب المقهى بشكل جميل، وصمم الإطارات الخشبية متعددة المقاسات ولمختلف الاستخدامات، فبات موقعه أو ما يعرف بموقف القرية على الطريق العام، محترفاً لكل ما يتعلق بالرسم، لا يمل الناظر البقاء بجواره والتمتع بجديده.

محفزات

ويضيف "أحمد": «منذ حوالي العام، وخلال خدمتي العسكرية، بدأتُ أشعر أن لديّ ميلاً للرسم وخصوصاً رسم الوجوه، رغم أنني لم أكتشف هذه الهواية حتى أيام الدراسة. وبعد إنهائي لخدمة العلم بدأت بشكل جديّ في الرسم المباشر على السطوح الخشبية وتوظيف الظل والنور لإظهار التفاصيل.. لم يكن الأمر سهلاً، وإنما احتاج إلى دقة وإتقان وحب وممارسة دائمة، كما أن تقديم البعض لتكاليف اللوحات التي رسمتها لهم، كان محفزاً لمزيد من العطاء. كما قمت بالاستعانة بالإنترنت لنشر ما أقوم به بهدف الترويج والبيع لاحقاً حسب الرغبة والطلب، خاصة وأن كل ما أقدمه يبقى معروضاً ومتاحاً للجميع، ويشاركه الأصدقاء إلكترونياً ويتناقلونه واقعياً».

من زوار المعرض

"على المفرق مع فيروز"

أحمد حسن

"على المفرق مع فيروز" كان علامة فارقة وفق ما أكده الشاب "إسكندر العص" من أهالي وسكان القرية، فهو مكان يقصده الشباب كل يوم للتمتع بأغاني فيروز ومتابعة اللوحات الجديدة التي يقدمها الشاب الموهوب "أحمد" خلال العرض الدائم لها، ما حفز هؤلاء الشباب لتغيير شيء من نمط حياتهم، من خلال جلسات السهر والسمر وإغناء ذائقتهم البصرية بتلك الأعمال، حيث يقول "إسكندر": «يجيد "أحمد" الرسم المباشر للوجوه، ويقوم برسم الشخصيات في زمن قصير وبدقة عالية، تمكّن المتلقي من معرفتها، رغم أنها بلون واحد فقط، وتتميز بطريقة توظيفه للون الأسود بمهارة، وعرضه لتلك اللوحات المتجددة بشكل مستمر أمام الجميع، وكأنه يريد خلق حالة ثقافية فنية جديدة في القرية، وهذا جعل المقهى مقصداً يومياً لغالبية شباب القرية».