عشقت الفن منذ نعومة أظفارها، فصار منها وغدت جزءاً منه، رسمت فأبدعت، وعبرت عن وجودها بفنها وزخرفها وخطها التشكيلي الجميل المتميز، إنها الفنانة التشكيلية "عالية النعيمي".

مدونة وطن "eSyria" التقتها بتاريخ 12 تشرين الثاني 2014، فتحدثت بالقول: «كانت البدايات مع الفن منذ الصغر في بيت يزخر بالمشغولات الفنية، ومن خلال مشاهدة نماذج متنوعة من الفنون ومحاولة تقليدها، وملاحظة الأهل للموهبة دفعتهم لتنميتها، من خلال التحاقي بمعهد "أدهم إسماعيل" بعمر 12 سنة، تمكنت فيه من الاطّلاع على مجالات جديدة بالنسبة لي، ومحاولة تجربتها رغم صغر السن كالنحت مثلاً، وقد شارك المركز بإحدى لوحاتي في مسابقة عالمية في الهند نلتُ عليها الميدالية الفضية لرسوم الأطفال عام 1991، وكانت اللوحة تمثل قاعة من قصر العظم بـ"دمشق"».

يتحول الفن إلى إبداع عندما تنتهي مرحلة النقل عن الواقع، ويبدأ الفنان بالتعبير عن أفكاره، عندما تنتهي الحرفية اليدوية، وتبدأ الحرفية في خلق المفاجأة البصرية، وابتكار تشكيلات خطية ولونية متجددة

عن أثر العائلة بتكوين ذائقتها الفنية تقول: «كان للعائلة دور مهم في نشوء التذوق الجمالي والحس الفني عندي، وذلك لأن جميع أفراد عائلتي لهم اهتمام بمجال فني مختلف عن الآخر، جدتي كانت تحترف التطريز اليدوي، وجدي كان هاوياً للرسم بالفحم، وكانت تلك الرسوم تثير إعجابي فحاولت تقليدها، والدتي كانت ترسم بـ"الغواش" بعض المناظر الطبيعية نقلاً عن صور، أحد أخوالي كان يعمل الديكورات ويصنع قوالب وزخارف جصية، والخال الثاني كان مهندساً، وكنت دوماً أعبث بمخططاته وأعيد رسم بعضها وتلوينها بعمر 7 سنوات، وكذلك تعلمت منه الرسم على الزجاج والمرايا، والخال الثالث كان يعمل بمجال الشرقيات ويمارس الحفر على الخشب والتطعيم بالصدف والفضة والنحاس، لذلك استقيت حب الفن من مشارب مختلفة وتنوعت أعمالي فيما بعد، كان أول شيء رسمته هو طائر يدرب صغاره على الطيران بعمر 3 سنوات، وكنت أرسم بعض الأسماك على جدران البيت بعمر 4 سنوات».

أحد أعمالها.

وحول اتجاهها في المجال الفني للتشكيل والخط العربي تقول: «حاولت تقليد جميع أفراد العائلة فتعلمت التطريز بعمر 9 سنوات، وصنعت بعض ألعابي من الجص أذكر منها سلحفاة ولونتها، ورسمت أول لوحة على الزجاج بعمر 12 سنة، أحببت الألوان بأنواعها وكانت هوايتي المفضلة الرسم على كل ما تقع عليه يدي "فخار، أطباق، قماش"، أحببت أيضاً الخط العربي وبهرني بتشكيلاته، وتوجت هذا الولع بالفنون بالدراسة الأكاديمية، فتعلمت الأسس الصحيحة للخط والفن التشكيلي من خلال اختصاصي بالتصوير الزيتي، أما زخارف "العجمي" فكان اهتماماً شخصياً لم أدرسه وإنما تعلمته بالمشاهدة والمحاولة والتجارب على المواد».

عن أسلوبها وألوانها في لوحاتها التشكيلية تقول: «أحب النمط الكلاسيكي الواقعي، أغلب لوحاتي عن الطبيعة أو البيئة الدمشقية ودواخل بيوتها، فالمنمنمات والزخارف هي هاجسي، أميل للألوان المفرحة التي توحي بالانسجام والتناغم والتفاؤل، وبرأيي اللون أحد أدوات الفن كالفرشاة التي ترسم الخطوط والأشكال، فاللون يرسم الإحساس ويعبر عن مدلولات نفسية يشعر بها الفنان، أو يريد الفنان أن يُشعر المتلقي بها، وحسن اختيار مجموعة الألوان لكل لوحة وأحد أسباب نجاحها، ودراسة علاقات الألوان وتجاورها، وتضادها مهم جداً في الوصول إلى تشكيل مريح ممتع تألفه العين».

من أعمالها

عن اللوحة البيضاء وكيف تملؤها تقول: «تحيرني اللوحة البيضاء، لكن الخطوط تتتالى كالأمواج، وأحياناً يشعر الفنان بأن اللوحة هي التي تمسك بأصابعه وترسم نفسها، لكن الموضوع هو الأساس إن كان تصويرياً أو تعبيرياً، أحياناً نرى اللوحة في أحلامنا فنصحو لنمثل هذا الحلم المنبثق من أحاسيسنا ووجداننا، ومعظم الأحيان كانت البيئة الشرقية بتكويناتها الهندسية أو الزخرفية أو الخطية، مصدر إلهامي».

وهي تعرّف الفن، والفنان، والطبيعة بالقول: «الفن هو فردوس الروح، فيه متعة حسية وفكرية، تنقلنا إلى عوالم ساحرة خرافية، الفنان نصف ملاك بجناح واحد يحلق به في أثير الخيال، ثم يترجم نصفه البشري رؤياه لباقي البشر، والطبيعة هي أم الإبداع، والملهم الفياض على الدوام».

من بعض أعمالها.

ومتى يتحول الفن لإبداع برأيها؟ تقول: «يتحول الفن إلى إبداع عندما تنتهي مرحلة النقل عن الواقع، ويبدأ الفنان بالتعبير عن أفكاره، عندما تنتهي الحرفية اليدوية، وتبدأ الحرفية في خلق المفاجأة البصرية، وابتكار تشكيلات خطية ولونية متجددة».

عن أهم المعارض التي أقامتها والفائدة منها تقول: «كانت لي عدة معارض، الأول كان مشتركاً بعنوان "بواكير واعدة" في ثقافي العدوي 1998، كنت وقتها طالبة في السنة الثانية بكلية الفنون الجميلة، المعرض الفردي الأول بعنوان "دمشقيات" في ثقافي أبو رمانة 2000، معرض بعنوان "تواشي" ثقافي أبو رمانة 2014، إضافة لمشاركتي بالمعهد الفني للإناث بالرياض في المملكة العربية السعودية 2012، وبرأيي المشاركة بمعارض أو ورشات عمل داخل أو خارج القطر تتيح للفنان التعرف إلى أساليب جديدة، وتلاقح الأفكار، وتوسيع آفاقه الفنية، وتعريف الناس به وبأعماله في أماكن جديدة».

وعن علاقتها بالخط العربي تقول: «هو فن قائم بذاته، وهو شديد الالتصاق بهويتنا العربية، والحرف العربي منها لا ينضب للإبداع والتشكيل أو ما يسمى "الحروفية"، تعلمت خط الرقعة بعمر 9 سنوات، وأحببت أقلام الخط والقصب، ثم تعلمت الخط الكوفي وعشقته لأنه يقوم على أساس هندسي ويحتمل أشكالاً متعددة من التحلية، فمنه الكوفي الفاطمي، الكوفي المملوكي، وغيره، أما باقي الخطوط فتعلمتها في كلية الفنون، لكن الخط الديواني هو الأكثر التصاقاً بروحي، فطواعيته لمخيلة الفنان لا متناهية، وليونته تساعد على الابتكار والتعبير، أحياناً أقتبس لوحاتي عن خطاطين مشهورين تشدني أولاً جمالية التكوين، وأحياناً أبتكر لوحاتي الخطية بنفسي، وهذا يسعدني أكثر، أسعى لأن تكون مشاريعي المستقبلية بعيدة عن الواقعية وأكثر خرافية، وأتمنى أن تساعدني الظروف على تحقيق ذلك».

وعن علاقة الموهبة بالدراسة الأكاديمية تقول: «الموهبة ضرورية ومن دونها تبدو الدراسة الأكاديمية كالنقش على الماء، لكن الدراسة الأكاديمية تصقل الموهبة وتضعها في مسارها الصحيح من خلال التعرف إلى الأسس التي تقوم عليها المدارس الفنية المختلفة، ومن خلال التعرف إلى خواص المواد والتقنيات المستخدمة في كل منها، كقطعة الماس تكون مغمورة وعشوائية فيصقلها الحرفي لتكتسب بريقها وقيمتها الثمينة، الموهبة والدراسة هما الجناحان اللذان يحلق بهما الفنان».

أما الرسالة التي تود إيصالها من خلال مشروعها الفني فتقول عنها: «أحاول إيصال رسالة الحب والتناغم مع الحياة بكل معطياتها، حلوها ومرها، يسرها وعسرها، أحاول إيصال رسالة الجمال، جمال الروح وجمال النظرة إلى الحياة، وجمال التآلف مع مكوناتها، أحاول تحقيق المتعة البصرية إلى جانب المتعة الفكرية الما ورائية للوحات».

عنها قال الدكتور "حسان موازيني": «متصالحة مع نفسها وتعيش حالة سلام معها، فيها نفحات روحية تقترب من الصوفية، يتجلى هذا الشيء بإنتاجها، هي تستثمر الخط لكنها لا تكتبه، وتزينه بتزييناتها، مثقفة بدليل أنها تستخدم المفردات والتراث، هذا يعني أنها تمتلك معلومات، ألوانها منسجمة وفيها إيقاعات موسيقية خفيفة تذكرنا بموسيقا "باخ"».

بدوره الباحث "بشير زهدي" قال: «تتميز أعمالها بجمالية ألوانها وتكويناتها الفنية، هي من الفنانات اللواتي يملكن موهبة مميزة، أعمالها تبشر بالعطاء وتساهم بإغناء الفن العربي الإسلامي، لكونها اعتمدت الخط العربي، وجمعت بين جمالية الخط والزخرفة خلال معارضها، ألوانها زاهية تدخل السرور لنفس الإنسان، أرى فيها مستقبلاً واعداً».