ترجم الدكتور الأديب "إبراهيم إستنبولي" الكثير من الكتب الأدبية والعلمية الروسية إلى اللغة العربية، فأطرب بلغته وحسه الأدبي كل من قرأها.

مدونة وطن eSyria التقت الدكتور الأديب "إبراهيم إستنبولي" بتاريخ 9/12/2012 وأجرت معه الحوار التالي:

الدكتور "إبراهيم" أديب مهم لأنه إنسانٌ منتجٌ ثقافياً وحامل للهم الثقافي بشكل عام، لذلك عمل بكل جد على إضافة الكثير من المواد الثقافية المفيدة والغنية

  • ما الذي دفعك للاهتمام بالأدب الروسي أثناء دراستك للطب في موسكو؟
  • من انتاجه الفكري

    ** قبل كل شيء, أنا من جيل كان شغوفاً بالكتاب وبالقراءة بشكل عام, إذ كان يتباهى الشخص أمام أصدقائه وأقرانه بالكتب التي قرأها, ومن ناحية أخرى, نحن جيل التعاطي السياسي والانتماءات الإيديولوجية، وقد كان الفكر الشيوعي والماركسي شائعاً وجذاباً آنذاك, وكنا نسمع الكثير عن "الاتحاد السوفييتي", وكانت روايات وقصص الكتّاب السوفييت ربما من أول الكتب التي اطلع عليها جيلنا، وأثناء دراستي للطب في "موسكو" توافرت لي ظروف ذاتية جعلتني مولعاً أكثر بالأدب الروسي وبحياة الأدباء الروس العظام, خصوصاً أمثال "بوشكين" و"غوغول" و"ليرمنتوف" و"غوركي" و"دوستويفسكي" و"تولستوي" وغيرهم، وأنا أعتبر أن الثقافة الروسية سيبقى إشعاعها منتشراً لأنها مرتبطة بشكل وثيق بروح الشعب الروسي العظيم وبتاريخه الغني. وقد وجدت في معلمة اللغة الروسية خير مُشجِّع لي, حيث كانت تحضّني على الذهاب إلى المسرح ودور السينما، إلا أنّ دراسة الطب وما تتطلبه من جهد ومن وقت جعلتني أؤجل اهتماماتي الأدبية مرة بعد أخرى.

  • صدر لك كتاب "الانفعالات السلبية في حياتنا اليومية" فما مضمونه؟
  • الدكتور "إبراهيم"

    ** "الانفعالات السلبية في حياتنا اليومية" أول كتاب أصدرته عام /1999/، ذلك أنه بعد عشر سنوات من الممارسة المهنية كطبيب أمراض عصبية ونفسية, نشأ لدي انطباع بأن ثقافة الأمراض النفسية غير موجودة في مجتمعنا بما في ذلك وسط الشباب، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لاحظت غياب أية ثقافة تتعلق بموضوع الجنس في سن المراهقة أو عند الرجل والمرأة وخصوصاً المتزوجين حديثاً، فوجدت أنه قد يكون من المفيد إلقاء الضوء على هذه المواضيع بلغة بسيطة بعيدة عن المادة العلمية الحصيفة، وبحيث يمكن أن يفهمها أي قارئ حتى ممن لا يحمل بالضرورة شهادة علمية عليا، كما ناقشت في ذلك الكتاب جانباً كان قد بدأ يتسرب إلى مجتمعنا وأقصد الإدمان على الكحول، وبالفعل لاقى الكتاب رواجاً وقبولاً كبيراً وقد عبّر لي كثيرون عن إعجابهم بالكتاب قائلين: "بعد أن قرأنا الكتاب أعطيناه لأولادنا أو لأصدقائنا ليطلعوا عليه".

  • تنوعت ترجماتك من اللغة الروسية، في مجال القصة والشعر والأدب السياسي, ماذا أضفت إليها من حسّك الأدبي؟
  • ** يجب أن أشير هنا إلى أنني أمارس الترجمة كهواية بسبب عشقي للأدب الروسي وللغة الروسية، إلى جانب مهنتي الأساسية كطبيب, ولذلك فقد تنوعت ترجماتي بالفعل فتوزعت بين الشعر وبين النصوص العلمية أو ذات الطابع المعرفي الواسع، فمثلاً, صدرت لي عن "دار المدى" ترجمة لكتاب "ثلاث عشرة قطة سوداء"، وهو كتاب غني بالمعارف التاريخية والطبيعية وبنتائج الأبحاث السوسيولوجية, بحيث يستطيع أي قارئ أن يجد فيه المتعة والفائدة، وهذا أهم ما يمكن أن يحققه المترجم، أن يقدِّم للقارئ المتعة والفائدة.

    أما من حيث الترجمة فهي تختلف وقد يكون ثمة خيط رفيع بين الترجمة الحرفية والترجمة الأمينة، فالأمانة في الترجمة لا بد منها، لكن ترجمة الشعر لا يمكن أن تنجح ما لم ينقل المترجم قسماً كبيراً إنْ لم يكن جلَّ إحساس الشاعر باللغة الأصلية، وهذا يتطلب من المترجم أن يكون ملماً باللغة المُتَرجَم عنها وأن يكون مطلعاً على ثقافة الشعب الذي يترجم عن لغته.

  • "تعاليم المتصوفين".. عنوان لافت، فهل كان العنوان هو الدافع للترجمة أم إن مضمون الكتاب هو السبب؟
  • ** ما إن قرأت كتاب "تعاليم المتصوفين" للمتصوف المعروف "حضرت عنايت خان" حتى امتلأت بالفكرة، يجب أن أترجمه، لقد ترك فيّ أثراً هائلاً وشحن روحي بقدر كبير من الطاقة الإيجابية. وبالفعل, نفدت أول طبعة من الكتاب خلال أقل من عام وقد قامت الدار الناشرة "الفرقد" بتسويقه وبيعه في جميع الدول العربية، وصدرت منه طبعة ثانية. وقد عبّر لي مدير الدار عن مدى نجاح الكتاب بتشجيعي على ترجمة المزيد عن هذا المتصوف. لا يمكن أن يقرأ شخص كتاب "تعاليم المتصوفين" إلا ويُعجَب به ويشعر بعد ذلك بوجود طاقة روحية جميلة منبعثة من جراء ذلك.

  • في بعض كتاباتك نجد حساسية عالية تجاه بعض قضايا المجتمع؟
  • ** وكيف لا أكون ذا حساسية عالية تجاه مشكلات وقضايا مجتمعي؟ فأنا طبيب, وطبيب أمراض عصبية ونفسية، وهذا إلى جانب كوني مهتماً بالأدب وبالثقافة عموماً, يجعلني أعرف عن كثب هموم الناس ومشكلات المجتمع من مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية، عدا ذلك, أنا ولدت وترعرعتُ في بيئة منفتحة من الناحية السياسية والدينية وكانت لي نشاطات وتجارب سياسية منذ أيام فتوتي الأولى، وهذا لا بد أن يترك أثره على نظرتي لمختلف المسائل التي يعاني منها المجتمع السوري.

  • تتمتع أشعارك بموسيقا تطرب مَن يسمعها، فكيف تعمل على إظهار لغتك الغنائية؟
  • ** أنا من جيل عاش طفولته وسط الطبيعة القروية بكل غناها، كنا نستيقظ على زقزقة عصفور وصياح ديك, ونغفو ونحن نستمع إلى قصص جداتنا وأمهاتنا وسمّار القرية، أضف أننا ربينا بين كروم التين والزيتون والعنب, وقطعنا آلاف الكيلومترات في الوديان والتلال، نحن عشنا مع الطبيعة بكل ما فيها من جمال. كما أن الأشعار التي أقوم بترجمتها هي لشعراء عظماء أشبه ما يكونون بالشهب في عالم البشرية.

    والجميل والمدهش في الأمر أنني تابعت نفس الإيقاع الحياتي وأنا أدرس وأعيش في "موسكو"، فكل شيء هناك ساحر، المطر والثلج والغابات والبشر والأطفال وحتى السكارى كانوا يبعثون عندي أحساساً عجيباً لكنه غاية في الروعة، فكيف لا تكون لغتي وترجماتي لأشعارهم ذات موسيقا رائعة وساحرة؟!

    في لقاء مع الأديب "علم الدين عبد اللطيف" قال: «الدكتور "إبراهيم" أديب مهم لأنه إنسانٌ منتجٌ ثقافياً وحامل للهم الثقافي بشكل عام، لذلك عمل بكل جد على إضافة الكثير من المواد الثقافية المفيدة والغنية».

    يشار إلى أن الدكتور "إبراهيم إستنبولي" من مواليد قرية "العنازة" التابعة لمدينة "بانياس" عام /1957/.