كنيسة قديمة تحولت عن هيكل وثني يعود إلى القرن الثاني الميلادي ليصبح بعدها كنيسة بيزنطية عرفت حسبما يقول المؤرخون باسم الكنيسة المصلبة، وتقع في دمشق القديمة في محلة باب شرقي في الزقاق الذي استمد تسميته من اسم "القديس حنانيا".

وتقع الكنيسة القديمة تحت الأرض في القسم الشرقي من المدينة القديمة، يُنـزل إليها من جانبها الشرقي بدرج من خلال باب ضيق يؤدي إلى تحفة تاريخية تعود إلى أكثر من 2000 عام، وهي مغارة مؤلفة من غرفتين، الأولى متطاولة شمالاً جنوباً وهي الكبرى ممثلة الكنيسة، والأخرى صغيرة تقع في الزاوية الشمالية الغربية من الغرفة الكبرى.

يرجع مجده الأعظم إلى أنَّه قبل في كنيسة المسيح شاؤول الطرسوسي مضطهد المسيحيين وعمده وعلمه وثبته في الإيمان

موقع eSyria بتاريخ 15 آذار 2012 الأب "عاطف الفلاح" المسؤول عن الكنيسة وحدثنا عن تاريخ الكنيسة التي كانت منزلاً للقديس حناينا، وقال: «معروف وجود بيت القديس حنانيا عند الجميع منذ القدم بأنه داخل دمشق القديمة في محلة باب شرقي، وقد عرفت هذه الكنيسة القديمة عبر العصور باسم كنيسة الصليب أو بالأحرى المصلبة، وهي من بين إحدى الكنائس التي أذن وليد الأول للمسيحيين بها بدلاً من الجامع الكبير، وفي عام 1921 قام الكونت الفرنسي "اوستاش دو لوريه" بحفريات أثرية في هذا المكان نجم عنها اكتشاف إحدى حنيات الكنيسة، وجزء من بيت العماد وأثريات أخرى تتفرد بها الكنيسة البيزنطية، كما ودلت أعمال هذا العالم الفرنسي بأنَّ الكنيسة قد حلت محل معبد وثني يرجع إلى القرن الثاني أو الثالث للميلاد كما تشهد على ذلك كتابة باليونانية وجدت بالحفريات تقول: إلى إله دمشق السماوي – وهيكل حيث يرى ثور محدوب تحت بلوطة».

الأب عاطف الفلاح مسؤول الكنيسة

ويتابع الأب "عاطف": «إنَّ اكتشاف هيكل وثني في مكان عبادة للمسيحيين ليس بأمر غريب، فالتاريخ يخبرنا أنَّ الإمبراطور أدريانوس "117-138" شيد معابد وثنية فوق الأماكن المقدسة كما الحال في القدس وبيت لحم، بهدف إبعاد المسيحيين عنها، وبالتالي فوجود هيكل وثني في هذا المكان ليس إلا إثباتاً لوجود مقام مسيحي قديم».

وأضاف الأب "الفلاح": «ما يؤكد على حقيقة وجود الكنيسة هو ما كتبه المؤرخ العربي "ابن عساكر" "1105-1176" عن كنيسة في دمشق باسم الكنيسة المصلبة، تقع قرب السور بين باب توما والباب شرقي، وأنها هدمت نحو سنة 700».

المغارة الداخلية

وتابع يقول: «وعن "بيت حنانيا" يتحدث أيضاً الراهب الفرنسيسكاني "بوجيبونسي" الذي زاره عام 1347 قائلاً أنه على أيامه تحولت الكنيسة إلى مسجد».

ومع بدايات القرن السابع عشر وصف الأب "كواريسميو الفرنسيسكاني" وبالتفصيل بيت حنانيا حيث يقول: «يقع هذا البيت في القسم الشرقي من المدينة، وهو عبارة عن بيت تحت الأرض ينزل إليه من الجانب الشرقي عبر باب ضيق ودرج، وهو مثلث الشكل وضيق جداً، طوله من الجانبين عشرين قدماً وعرضه عشرة، ويدخله النور من الأعلى عبر نافذتين مدورتين».

السيد أنطون العبسي

وعن "القديس حنانيا" قال الأب "عاطف": «هو إحدى الشخصيات التي ورد ذكرها في الكتاب المقدس، فسفر أعمال الرسل يقدمه لنا كمواطن دمشقي من أصل يهودي، وكان واحداً من تلامذة المسيح الاثنين والسبعين وقد أرسله القديس بطرس إلى دمشق، ورسم أسقفاً عليها وبهذا فهو الأسقف الأول لمدينة دمشق، واستشهد حنانيا رجماً بالحجارة في الأول من تشرين الأول خارج أسوار دمشق ثم قام تلامذته بنقل جثمانه ووري الثرى داخل أسوار المدينة، وتحفظ ذخائره منذ القدم في كنيسة بازيليك القديس بولس في روما».

وفي حديثه عن مجده الأعظم للقديس حنانيا قال الأب "عاطف": «يرجع مجده الأعظم إلى أنَّه قبل في كنيسة المسيح شاؤول الطرسوسي مضطهد المسيحيين وعمده وعلمه وثبته في الإيمان».

وبالنسبة للأهمية الدينية للكنيسة قال: «ظهر السيد المسيح في دمشق مرتين الأولى قرب دمشق أثناء قدوم شاوؤل الطرسوسي لاقتياد المسيحيين منها، والثانية في هذه الكنيسة التي كانت منزلاً للقديس حنانيا في السابق، وقد ظهر له السيد المسيح في رؤيا وقال له: يا حنانيّا؟ قال: لبيك يا رب، فقال له الربّ: قم فاذهب إلى الزقاق المعروف بالزقاق المستقيم، واسأل في بيت يهوذا عن رجل من طرسوس اسمه شاؤول، فها إنه يصلي وقد رأى في رؤياه رجلاً اسمه حنانيّا يدخل ويضع يديه عليه ليبصر».

ويتابع الأب الفلاح: «فهذه الكنيسة استمدت أهميتها من ظهور المسيح فيها، وهي كنيسة رسولة تعادل كنيسة القدس وبيت لحم ومكان للحج يأمه المؤمنون من كل أصقاع العالم لرؤية المكان الذي كان المسيحيون الأوائل يجتمعون فيه ويحتفلون بالذبيحة الإلهية، وبالتالي فإنَّ هذا الموقع هو أقدم كنيسة عرفت خارج أسوار القدس إذ يضم ذكريات القديس بولس واهتدائه وتعلمه وهروبه من اضطهاد اليهود وتشجيع المؤمنين له على حمل رسالة المسيح ليغدو رسول الأمم».

وفيما يتعلق بالأهمية السياحية لبيت حنانيا يقول السيد "أنطون العبسي" صاحب إحدى المحال التجارية بجوار الكنيسة: «يفتخر المسيحيون بالعالم بكنيستي المهد والقيامة في فلسطين، ونفتخر نحن السوريين بأنَّ المسيحية انطلقت من سورية وأنَّ بولس الرسول انطلق من دمشق من بيت القديس حنانيا وحمل المسيحية إلى العالم».

ويضيف السيد "أنطون": «نظراً للمكانة التاريخية للكنيسة فيأتيها السياح من كل مكان ليتباركوا منها، فهي تشكل مقصداً سياحياً هاماً في أغلب الرحلات السياحية وحجاً دينياً مهماً جداً».