عدّت إحدى أقدم القرى في منطقة "اليعربية" في الجزيرة السورية، فيها إشارات ورموز تحكي أحداثاً وتفاصيل لحقبٍ زمنيّة عاصرتها أجيال وأجيال، فاستطاعت قرية "حمو كر" أن تحافظ على وجودها فتطورت مع تطوّر الزمن، وباتت القرية التي ولدت قبل آلاف السنين ولا تزال تنبض بالحياة.

تسخين الصنعة

تقع قرية "حمو كر" على الطريق الدولي بين مدينة "القامشلي"، وتبعد عنها مسافة 60 كم، وبين بلدة "اليعربية" التابعة لها، وهي مُصنّفة ضمن قائمة أقدم المناطق المأهولة، كما بيّنت ذلك البعثات التي زارتها ووثقت تاريخها.

القرية جميلة بكل تفاصيلها، فيها نسبة جيدة من الطبقة المثقفة، الزراعة فيها حيّة وعامرة، ويشكل الإخاء والسلام عناوين رئيسية لها، باختصار هي قرية تاريخية تراثيّة، وفي نفس الوقت عصرية تتوفر فيها كل متطلبات الحياة المعاصرة

أبناء القرية يتباهون بكل التفاصيل التي شهدتها قريتهم، يحفظون تاريخها الذي دونوه في ذاكرتهم، ويسردونه لأجيالهم المتعاقبة، فالتربوي "محمد هلال الناصر" 50 عاماً من أهالي القرية، يروي لـ"مدوّنة وطن" بعض التفاصيل المرتبطة بقريته ويقول: «بصفتي مدير مدرسة القرية، فأنا قريب جداً من التاريخ، وحكماً يهمنا تاريخ قريتي، كونها دخلت الاهتمام والبحث على مستوىً عالمي، عمر قريتي حوالي سبعة آلاف عام، إلا أن السكن فيها عاد مع بداية الثلاثينيات، وأوّل من سكن في القرية وبنى فيها منزلاً ملاك الأرض "خليل الدهام" ثم تباعاً توافد إليها الأهالي، أما عن سبب تسمية القرية بهذا الاسم، فقد أكدت البعثات التي وصلت قريتنا فإن التسمية تعني "حمو" (تسخين) "كر" (صنعة) (تسخين الصنعة)، والاسم مرتبط بالتل الأثري في قريتنا، والتي كانت عبارة عن مدينة شاملة ومتكاملة وأثرية، وكانت فيها معامل وصناعات، وأبرزها صناعة الفخار».

قرية حموكر

ويضيف "الناصر": «القرية بعد التأسيس أصبحت عبارة عن خليط اجتماعي جميل من مختلف أطياف الجزيرة السوريّة، لهم أراض زراعية في القرية، وتضم حالياً ما يقارب 250 أسرة، تعتمد على الزراعة وتربية المواشي، وفيها شهادات جامعيّة مختلفة، فيها وحدة إرشادية، ومدرسة للحلقتين الأولى والثانية، وتضم مختلف المهن الصناعيّة ومحلات لمختلف المستلزمات والأدوات، وفيها صيدلية طبيّة».

يعمل غالبية الأهالي حسب ما يؤكد "الناصر" في الزراعة، حيث يزرعون مختلف المحاصيل الزراعيّة «الأراضي تُزرع بالقمح، والشعير والعدس والعطريات مثل الكمون، حتّى زراعة القطن قائمة حتّى تاريخه، هناك من يقوم بزراعته عبر السقي، وقسم يزرع بعلاً، إلى جاب اهتمام بعض الأهالي بتربية الطيور، والاستفادة منها، أما الحياة الاجتماعية فيها مثالية، فالربعات والسهرات ما انقطعت، والتعاون قائم بشكل كبير، ويشهد للقرية وأهلها إغاثتهم للملهوف، وجبر الخواطر، وكرم الاستقبال، كما حصل في سنوات الحرب».

ميسر خضر من أبناءالقرية

تفاصيل تاريخية

تل حموكر مكان المملكة القديمة

من جهته يمتلك المدرّس "ميسر خضر" 42 عاماً من أهالي القرية، والذي عمل مع البعثة المشتركة للتنقيب عام 2003، تفاصيل تاريخية عن القرية، يتحدث عنها بالقول: «أثناء التنقيب ظهر جدار من طين تحت الأرض، تبين خلال الصور والمخططات وجود قلعة تحت الأرض، وظهرت المعابد والطرق وساحات التدريب والمعارك، كما ظهرت معامل وأسواق، وتبين من خلال التنقيب أن المهنة الرئيسية في ذلك الوقت كانت صناعة الفخار لذلك سميت بـ"حمو كر".. عمر القرية المقدر يعود إلى 7 آلاف سنة، أي قبل العهد السومري، والمدينة الأثرية تمتد على مساحة كبيرة تتجاوز عدة كيلو مترات، ومن الملاحظ انتشار التلال على امتداد القرية حالياً، وتم خلال التنقيب رصد جدارين متقابلين، أحدهما يحوي فتحات صغيرة، بهدف تبريد الجو في الصيف، وهو شبيه لعمل المكيفات الصحراوية الموجودة في الجزيرة السورية اليوم».

تطورت القرية بشكل لافت، يضيف "خضر"، وهذا التطور شمل كل النواحي ثقافياً وعلمياً وزراعياً وعمرانياً، في القرية مضمار للخيل نموذجي ومثالي، وهو يشهد منذ سنين مسابقات ومنافسات، حرصاً ورغبة في الحفاظ على الخيل الأصيل، وتعزيزاً للحالة والعلاقة الاجتماعيّة، والفرسان يشاركون من محافظات المنطقة الشرقية.

ويشير "خضر" إلى حالة استثنائية تتمتع بها القرية وتدعو للتفاؤل وهي أن الهجرة تكاد تكون معدومة فيها.

كرم الضيافة

يشهد للقرية كرم أهلها ورحابة صدر أبنائها، فهي تمتاز بالكثير من العناوين الاجتماعية الجميلة كما يصفها "إسماعيل المحمّد" المشرف الإداري لمجمّع "اليعربية" التربوي: «القرية جميلة بكل تفاصيلها، فيها نسبة جيدة من الطبقة المثقفة، الزراعة فيها حيّة وعامرة، ويشكل الإخاء والسلام عناوين رئيسية لها، باختصار هي قرية تاريخية تراثيّة، وفي نفس الوقت عصرية تتوفر فيها كل متطلبات الحياة المعاصرة».

مدوّنة وطن "eSyria" زارت القرية بتاريخ 6 تموز 2023 وأجرت اللقاءات السابقة.