منازل قديمة عمرها أكثر من مئة عام في مدينة "القدموس" توارثها أصحابها عبر أجيال متلاحقة، ترك الزلزال المدمر آثاره عليها، كما تضررت قلعة البلدة التاريخية التي طالتها تداعيات الزلزال المدمر، مع كثير من المناطق الأثرية في المنطقة ومنها وتصدّع الجامع الأثري فيها.
لمحة تاريخية
يقدم القاص "محمد عزوز" في حديثه لـ"مدونة وطن" موجزاً عن تاريخ قلعة القدموس الأثرية، المبنية على صخرة، حيث تقول الأسطورة إن "قدموس" أبحر من "سورية" باتجاه "اليونان" وبنى فيها مدينة "ثيبة" أو (طيبة) وأدخل إليها الأبجدية، وذلك في القرن 15 ق م، وفي الموقع الذي غادر منه "قدموس" في الجبال الساحلية السورية شيدت القلعة التي حملت اسمه، وتقع اليوم في السلسلة الجبلية الساحلية على الطريق الواصل بين "بانياس ومصياف".
كانت القلعة معبداً فينيقياً، تحول إلى قلعة في العهد الروماني، ورثها "عبد الملك بن عمرون الدمشقي" عن والده، ثم باعها لـ"إبي الفتح الإسماعيلي" عام 525 هـ 1131 م تخلصاً من الضغط الصليبي ودفع الجزية
ويتابع "عزوز" حديثه: «كانت القلعة معبداً فينيقياً، تحول إلى قلعة في العهد الروماني، ورثها "عبد الملك بن عمرون الدمشقي" عن والده، ثم باعها لـ"إبي الفتح الإسماعيلي" عام 525 هـ 1131 م تخلصاً من الضغط الصليبي ودفع الجزية».
ويضيف "عزوز": «تضم القلعة عدداً من الأقبية الأثرية وبقايا ممرٍ سري، بالإضافة إلى بناء عقدي مؤلف من ثلاثة أروقة يسميه الأهالي "مقام سنان"، يجلّونه ويُعتقد أنه كان مكان إقامة "سنان راشد الدين" القائد الإسماعيلي الكبير وشيخ الجبل الثالث، وكان يختلي فيه بنوابه في القلعة، وينقطع للتعبد والمراقبة، يساعده في ذلك حاجبه "دبوس" الذي اندثرت معالم قبره في أحد الجبال القريبة من القلعة، كما رواها معمّري المنطقة».
الزلزال والقلعة
ترك زلزال السادس من شباط أضراره على المنطقة عموماً وعلى القلعة تحديداً، ويشير رئيس مجلس مدينة القدموس المهندس "طارق عطفة" إلى انهيار بعض الأبنية في محيط قلعة القدموس التاريخية، كما تم الإبلاغ عن تضرر 2400 منزل، رفع منه 300 كشف إلى لجنة الأمر الإداري رقم 37، التي أقرت وجوب إخلاء كلي لـ 12 منزلاً، و9 حالات بحاجة إلى إخلاء جزئي، و49 منزلاً آمناً يحتاج للتدعيم.
ويضيف "عطفة": «في عام 2005 وبتوجيه من السيد الرئيس "بشار الأسد" قامت مديرية الآثار بالتعاون مع المجلس البلدي بتدعيم القلعة بسبب تساقط بعض الصخور منها، بالإضافة إلى بعض المنازل القديمة في محيطها، واعتبر هذا التدعيم سبباً مهماً في التخفيف من حجم الانهيارات التي سببها الزلزال».
وينوّه "عطفة" إلى اختلاف آراء المهندسين حول التشققات التي قيّمها بعضهم بالخطرة، والبعض الآخر أقر أنها بحاجة إلى بعض الترميم والتدعيم الغير إسعافي، كما أكدت لجنة الخدمات الفنية بالتعاون مع لجنة الآثار والمحافظة أنه لا يوجد خطورة قوية ولكن تتم دراسة خطة للمعالجة على المدى القريب.
ويأمل رئيس مجلس مدينة "القدموس" من الهيئات المعنية -الاهتمام بوضع القلعة- للحفاظ على هذه الدرّة التاريخية في "سورية" والتي صمدت طويلاً أمام الظروف الطبيعية والعوامل البشرية بينما كان ضررها بالغاً خلال 40 ثانية من حدوث الزلزال الأخير.
تقدير الأضرار
قدمت اللجنة المختصة تقريرها حول الأضرار التي لحقت بقلعة القدموس كما أفادنا رئيس دائرة الآثار في طرطوس المهندس "مروان حسن" حيث تركزت الأضرار في بوابة القلعة الأولى، بانهيار كتلة ترابية مع حجر من أعلى الجرف الجبلي الحامل للقلعة بجانب البوابة في الداخل من الجهة الغربية، وهبوط في حجر القفل لقوس البوابة الخارجية، مع انهيار جزئي للجزء المتبقي في بوابة القلعة الثانية، وتم تقييم الضرر بالمتوسط.
ويشير "حسن" إلى أن ضرراً بالغ الخطورة وقع في مقام "سنان راشد الدين"، فهناك انهيار شبه كامل للجدار الجنوبي للمقام، مع انهيار جزئي للواجهة الغربية، وانتفاخ وميلان واضح لباب المقام، ترافق معه وجود تصدعات وتشققات في سقف المقام من الداخل، وتظهر بعض الشقوق والانهيارات على السطح، ودل الشق الطولي في منطقة الاتصال بالأرض على انزياح للجزء المتبقي من الواجهة الجنوبية، بالإضافة إلى انهيارات كلية وجزئية لبعض المباني داخل القلعة، ووجود تصدعات وشقوق في بعضها الآخر، كما لحق الضرر بالبيوت السكنية على تلة القلعة حيث لوحظ مشكلات إنشائية تنوعت بين تهدم كامل لبعض العقارات وانهيار الحبة الخارجية لبعض الجدران، ناهيك عن وجود شقوق طولية قطرية في الجدران الحجرية وانهيار لأسقف وجدران عقارات أخرى قيمت بأنها بالغة الخطورة.
ويبين أنه كان للجرف الصخري الحامل للقلعة حصة من هذا الدمار، حيث حصلت انهيارات جزئية في بعض المواضع رافقها تشققات متفاوتة الخطورة في الجرف الصخري، كما لوحظ وجود شق طولي في مئذنة جامع القدموس أدى إلى خلخلة في حجارتها.
معالجة التداعيات
اللجنة الفنية المتخصصة قامت، حسب قول دائرة الآثار في طرطوس، بالكشف وتوصيف الأضرار بالكامل، كما تم الكشف من لجنة مشكلة من المحافظ بحضور ممثلين عن دائرة الآثار لدراسة إمكانية التدخل والمعالجة حفاظاً على السلامة العامة، ويتم حالياً التنسيق مع المديرية العامة للآثار والمتاحف لبحث واقع الأضرار التي طالت المواقع الأثرية بشكل عام وقلعة القدموس بشكل خاص، وإعطاء أولويات التدخل والمعالجة في حال تم تأمين التمويل الذي يعتبر من أهم العوائق الحالية، بالإضافة لمعالجة بعض القضايا الأخرى من حيث ملكية العقارات الخاصة أو العامة، فدور السلطات الأثرية يتم من خلال وضع الشروط والمواصفات الفنية التي تضمن حماية الموقع وقيمته الأثرية والتاريخية.