خلف زلزال السادس من شباط الذي أصاب مدينة "حلب" أضراراً تراوحت ما بين الخفيفة والمتوسطة في عدة مواقع تاريخية، وفي أسواق وأحياء أثرية داخل المدينة، فيما الضرر الأكبر وقع داخل "قلعة حلب"، وأصاب بعض مرافقها الحيوية المهمة بتشققات وتصدعات في الأسقف والجدران مع تساقط بعض الأحجار والمداميك.

ونظراً لأهمية وقيمة تلك الآثار سارعت العديد من الفعاليات كنقابة المهندسين ومجلس المدينة والمديرية العامة للآثار والمتاحف لمعاينة تلك الأضرار ومعالجتها ضمن خطة إسعافية على مرحلتين.

تعرضت "قلعة حلب" على مر التاريخ لثلاثة زلزال بعضها كان قاسياً ومدمراً، الأول وقع في عام 1138، حيث دمر الكثير من معالم أحياء المدينة وتأثرت به مرافق القلعة أيضاً، والثاني كان بنفس قسوة السابق ووقع في عام 1822, والثالث والأخير الذي وقع في السادس من شباط الماضي، ويمكن تصنيف أضرار الزلزال الأخير ما بين الخفيفة والمتوسطة

القلعة الصامدة

تشير الأدلة الأثرية التي عثر عليها داخل "قلعة حلب" إلى بدء وجودها بالألف الثاني قبل الميلاد وتعرضت لغزو من "هولاكو والمغول والعثمانيين" حيث دمر "تيمورلنك" المدينة مع قلعتها قبل أن يحررها المماليك ويرمموها، ومن ثم جاء العرب والمسلمون وحرروها، وتعتبر إحدى التحف المعمارية التاريخية والعسكرية والإسلامية الفريدة في العالم، وتعد رمزاً من الرموز السياحية الهامة والمؤثرة والنشطة في مدينة "حلب"، وتم تصنيفها من أهم القلاع والمواقع الأثرية في العالم، وقد تعاقب على بنائها وترميمها وتطويرها الكثير من الحضارات والمماليك والدول.

انهيار اجزاء من الطاحونة العثمانية داخل قلعة حلب .

وعن آثار الزلزال الأخير الذي أصاب "قلعة حلب" مع شرح عن الأضرار التي حدثت داخلها يقول الباحث التاريخي ومديرها السابق "أحمد الغريب" الذي تقاعد قبل أيام قليلة لموقع "مدونة وطن" "eSyria": «تعرضت "قلعة حلب" على مر التاريخ لثلاثة زلزال بعضها كان قاسياً ومدمراً، الأول وقع في عام 1138، حيث دمر الكثير من معالم أحياء المدينة وتأثرت به مرافق القلعة أيضاً، والثاني كان بنفس قسوة السابق ووقع في عام 1822, والثالث والأخير الذي وقع في السادس من شباط الماضي، ويمكن تصنيف أضرار الزلزال الأخير ما بين الخفيفة والمتوسطة».

استجابة سريعة

مع صباح الزلزال حضر للقلعة فريق هندسي من كافة الجهات المعنية مع شركة رحى للمدن القديمة، بالتعاون مع مؤسسة "جديل" وقاموا بالكشف السريع عن الأضرار التي وقعت وحدثت فيها التصدعات التشققات.

انهيار في الجوسق للمئذنة للجامع الأيوبي - والواجهة الخارجية الجنوبية لثكنة غبراهيم باشا.

ويتابع "الغريب" حديثه: «من أهم الأضرار التي وقعت كان سقوط الجوسق الأعلى للمئذنة، وهو عبارة عن قبة برواق، وسقوط عدة مداميك داخل الجامع والواجهة الغربية والجنوبية للجامع الأيوبي من الخارج، وكذلك الأضرار طالت ثكنة "إبراهيم باشا" الموجودة داخل القلعة مع حدوث انتفاخ بالواجهة الشمالية وسقوط جزء من سقف الثكنة، والانهيار الأكبر ضرب صومعة الطاحونة العثمانية وسقوط جزء منها وأكمل عليه الزلزال الثاني الذي وقع في العشرين من شباط، كما تأثر السور الدفاعي في العديد من النقاط مع المدخل الذي يرتفع على أقواس وترية وتم ترميم هذا الجزء في عام 2017، وبعد هذا الزلزال قامت مديرية المتاحف بإيقاف الزيارات للقلعة بغية توثيق وتصوير الأضرار الناجمة مع الأحياء المجاورة، حيث إن الكثير من الأضرار لا تظهر بالعين المجردة بل بالمعاينة، والقيام بتوثيقها وفق النموذج ثلاثي الأبعاد وهي تقنية حديثة تحيط بكافة التفاصيل بعد استخراج كافة المخططات الأصلية، ويتم التصوير أفقياً وشاقولياً وفق برنامج فوتو (scon) لأجل المعالجة، وحتى يتم إخراج مخططات ثنائية الأبعاد لحصر الأضرار وترميمها».

متابعة حثيثة

ويوضح مدير الآثار والمتاحف الدكتور "صخر علبي" أن التشققات في مدخل القلعة قديمة، وهي تحتاج للصيانة والتدعيم وهي غير خطرة، وملحوظة ومتابعة ضمن خطة وأساليب المراقبة، وأن الزلزال زاد من حدة تلك التشققات، ومباشرة تم رصدها ومتابعتها وتوثيقها بحضور فريق مختص من المديرية العامة للآثار والمتاحف، رفقة خبير فرنسي مجهز بالمعدات التقنية الحديثة الذي تواجد في القلعة للرصد والكشف، وسبقه فريق من اليونسكو وخبراء هندسيون من الأمانة السورية للتنمية والإيكوموس، وجميعهم عاينوا الأضرار التي طالت القلعة وذلك كتدخل إسعافي، والتي شملت السور والجدران وبقية المواقع، ومهمة فريق العمل المشكل كانت تصنيف الأضرار حسب درجة الخطورة وتحديد الأولويات.

مدير المدينة القديمة المهندس أحمد الشهابي - المدير السابق لقلعة حلب والباحث التاريخي أحمد الغريب.

ويقول "علبي": «إن الخطة الأولى ستكون التدعيم لمنع حدوث انهيارات لتلبية معالجتها فوراً عن طريق الحقن أو النزع أو إعادة البناء ضمن أسس علمية تراعي المعايير الدولية، وتقدير الأضرار الواقعة المصنفة ما بين الخفيفة والمتوسطة، حيث لوحظ تضرر مدخل البرج المتقدم وباب القلعة الرئيسي وهبوط في سقف الغمس للقوس الحامل للمدخل مع تصدع البلاط وسقوط عدة حجارة من ساكف قنطرة المدخل، مع سقوط أجزاء من الأسوار الدفاعية الشمالية والشرقية والجنوبية والغربية، وخلع مئذنة الجامع الأموي وانهيار الجوسق العلوي وعدة مداميك من واجهات الجامع الأيوبي، وانهيار الجدار الجنوبي للثكنة العثمانية مع الصومعة وتصدع سقف واجهة البرج المملوكي وحدوث تشققات في قاعة العرش وانهيار عدة مداميك بمدخل قاعة العرض».